نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للناشط الصهيوني السابق رفائيل مومين المولود في بوردو بفرنسا ودرس وعاش في إسرائيل وهو مقيم اليوم في لوس أنجلس ويعمل مدافعا عن حقوق الإنسان وناقش فيه أن “الصهيونية لا يمكنها تقديم السلام وفقط الضغط الخارجي كفيل بإنهاء الفصل العنصري الإسرائيلي“.
وأشار في مقالته: “ولدت صهيونيا وقضيت 12 عاما في حركة الشباب الصهيوني وعشت أربع سنوات في إسرائيل ولدي أصدقاء وعائلة خدموا في الجيش الإسرائيلي. وعندما يكون هذا عالمك فمن الصعب رؤية الفصل العنصري يجري أمامك”.
ويضيف: “نشأت في فرنسا في مجتمع يهودي حيث كان دعم إسرائيل غير المشروط وحبها أمرا عاديا. ولم يستخدم مصطلح الصهيونية وهي الحركة التي قامت من أجل إنشاء ودعم الدولة اليهودية في فلسطين الحاضرة، لأنه هو ما كنا نعرفه. وكاد اليهود ينتهون عبر سلسلة من المذابح والهولوكوست. ولهذا فقد كان إنشاء دولة يهودية هو ما يحمينا، ولم تكن معاداة السامية مجرد معلومة تاريخية بل عشناها يوميا”.
وأضاف أن الصهيونية متجذرة في الكدمات التاريخية والخوف وهي عن النجاة وحب الشعب اليهودي. و”لكنها مثل بقية الحركات القومية الإثنية أقامت هيكلية وتعطي الأولوية لأمننا ورفاهنا حتى لو كان هذا على حساب الآخرين. وتعتمد على سرد تاريخي بديل يبرر الاحتلال والوضع القائم ولا يمكنها إنتاج سلام بنفسها”.
ويرى الكاتب أن احتلال إسرائيل للضفة الغربية هو أبارتيد/ فصل عنصري: نظامان قانونيان لجماعتين عرقيتين. فلو ارتكب يهودي وعربي نفس الجريمة في الضفة الغربية، فسيواجه اليهودي محكمة مدنية أما العربي فسيقف أمام محكمة عسكرية. إلا أن معظم الإسرائيليين لا يفهمون هذا على أنه ظلم ويقاومون مصطلح أبارتيد لأنهم يعتقدون بصدق أن التمييز مشروع وجزء من الدفاع عن النفس.
ويقول: “تمت تغذية مجتمعي اليهودي بسرد تاريخي منفصل عن الواقع، مثل أن فلسطين كانت صحراء خالية لا سكان فيها قبل أن نستوطن فيها، وأن الفلسطينيين أثناء ما نطلق عليها حرب الاستقلال لم يتم طردهم على يد العصابات اليهودية بل غادروا بيوتهم طواعية لفتح الباب أمام الجيوش العربية كي ترمي اليهود في البحر أحياء وأمواتا، وأن القادة العرب لم يعبروا عن اهتمام بالتنازل ورفضوا عروض السلام من إسرائيل والولايات المتحدة. والقائمة تطول”.
ويقول إن هذه التأكيدات تم الكشف عن زيفها، مثل اعتراف رئيس وزراء سابق تذكر دوره في طرد الفلسطينيين أثناء حرب عام 1948، ومن قبل المؤرخين الذين أظهروا أن معظم الأراضي الزراعية في فلسطين كانت مزروعة من قبل العرب قبل الهجرة الصهيونية. ولكن عندما يشتري كل العالم روايتك -أصدقاؤك وعائلتك والإعلام الذي تقرأه وتستهلكه والمنظمة التي انضممت لها وإن كنت نشأت في إسرائيل والتعليم الذي تلقيته- يصبح هذا هو واقعك. وهو واقع زائف منفك عن الحقائق التاريخية لكنه واقعك.
و”ما يفاقم هذا الواقع البديل هو مئة عام من النزاع الذي عمل على نزع الإنسانية عن الفلسطينيين في عيون اليهود في إسرائيل. فعندما يقوم الجيش الإسرائيلي بضرب غزة ويتسبب بأعداد كبيرة من الضحايا فيجب على الفلسطينيين لوم أنفسهم لأنهم رفضوا عروض السلام ولتسامحهم مع حركات مسلحة وسطهم ولأنهم يعلمون أبناءهم “كراهية الأطفال اليهود”، ونقول لأنفسنا في نهاية اليوم إن إسرائيل تقوم بالدفاع عن نفسها ولا بديل”.
و”نفس التفكير يبرر حصار غزة، والحواجز العسكرية في الضفة الغربية وتدمير بيوت الفلسطينيين. والألم الفلسطيني إما مزيف أو تسببوا به بأنفسهم وهو لا يشبه ألمنا”.
طبعا، يقول الكاتب، هناك من يرفض كل هذا من الإسرائيليين ويعمل على تحرير فلسطين ولكنهم أقلية، فمعظم الإسرائيليين لا يفهمون كيفية العيش تحت الاحتلال كواقع يومي، أو عليك الخضوع للقوات الأجنبية أمام حواجز التفتيش والحصول على تصريح في كل الأمور من حكومة لا تمثلك وبمعرفتك أن الجنود قد يغزون بيتك ويصادرونه بدون محاسبة.
ويرى الكاتب أن الطريق الوحيد لتحرير فلسطين يحدث عندما يصبح الاحتلال عبئا على إسرائيل وكلفته أكثر من منفعته. وهذا يحتاج كما في حالات احتلال وأنظمة فصل عنصري أخرى ضغطا خارجيا كبيرا.
ففي جنوب أفريقيا، أدت العقوبات الدولية وحظر السلاح وحملة المقاطعة الدولية إلى انهيار نظام التمييز العنصري. وفي تيمور الشرقية أدت حملة تضامن دولية لإنهاء سيطرة أندونيسيا على المنطقة. وفي الجنوب الأمريكي كان قرار المحكمة العليا الذي منح الحقوق المتساوية وأنهى نظام الفصل، وأوقف القانون الذي عرف بـ “جيم كراو”. وفي كل هذه الحالات ظلت الجماعات المتسيدة أسيرة لروايتها التاريخية ومنفصمة عن إنسانية “أعدائها” ولم يحركها سوى إكراه خارجي.
وهذا صحيح بالنسبة لإسرائيل. ومن أجل إنهاء النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني يمكن أن يتخذ شكل مقاطعة المستهلك للبضائع والتكنولوجيا الإسرائيلية والعقوبات على شركاء إسرائيل الرئيسيين وداعميها السياسيين، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. دولة الفصل العنصري ليست مستعدة لتغيير نفسها ولكن الإجراءات الخارجية هي الكفيلة بدفع إسرائيل نحو نهاية الاحتلال.