يبقى عبور نابوليون بونابرت في غزة فصلًا غير معروف في حملته المثيرة للجدل إلى مصر والمشرق، لكنه ورغم ذلك ترك آثارًا في الضمائر وعلى بعض جدران غزة.
في شباط/فبراير 1799، اجتاز نابوليون الذي لم يكن قد أصبح امبراطورًا بعد، على رأس آلاف الجنود الفرنسيين صحراء سيناء ليحتل غزة حيث "أشجار الليمون والزيتون والأرض غير المستوية تشبه تمامًا المشهد في لانغدوك" في جنوب فرنسا، وفق ما كتب في وقت لاحق.
وكتب عالم الرياضيات إتيان لوي مالو الذي رافق الحملة في ذكرياته "التلال التي تحيط بغزة مكسوة بأشجار الزيتون"، مشيرًا إلى أن الفرنسيين استولوا على غزة "من دون أي مقاومة"، قبل أن يتابعوا طريقهم إلى يافا التي شهدت معارك دامية واجتاحها الطاعون، ثم عادوا أدراجهم من عند عكا.
مكان أشجار الزيتون، تمتد اليوم غابة أبنية من الإسمنت الرمادي. وقطاع غزة الذي كان في تلك الأيام باب فلسطين، بات قطاعًا محاصرًا منذ من إسرائيل، "وتسيطر عليه حركة حماس"، ويعيش فيه حوالى مليوني شخص.
لكن هناك أثر باق من نابوليون في قصر الباشا، وهو قصر حجري صغير محاط بأشجار النخيل، وفيه غرفة يقال إن بونابرت نام فيها "ثلاث ليال". يؤدي سلم خارجي عريض إلى الطابق الأول والوحيد من القصر، وفي أعلاه إلى اليسار غرفة من دون سرير.
ويؤكد مدير قسم التاريخ في الجامعة الإسلامية في غزة غسان وشاح أنه المكان الذي نام فيه نابوليون.
وتغيّر اسم القصر الذي بني في القرن الثالث عشر، إذ كان قبل قبل سنوات، يحمل اسم نابوليون. لكن حكومة حركة حماس غيرته في العام 2010 ليصبح "متحف قصر الباشا".
قبل وباء كورونا كانت مجموعات من التلامذة الفلسطينيين تزور القصر وغرفة نابوليون وتستمع إلى شرح عن مرور من أصبح لاحقًا امبراطور فرنسا، في فلسطين.
ويقول وشاح "في البداية، كنا ندرّس أن الحملة العسكرية الفرنسية إلى مصر فيها جانب علمي. وكان هذا الجانب إيجابيًا، إذ كان يؤشر إلى حملة عسكرية مختلفة عن غيرها". إلا أن هذا الخطاب تغيّر مع مرور السنين.
ويقول وشاح إن نابوليون "استخدم العلم لتبرير الاحتلال. لقد كذب". ويضيف أن الرجل "تسبّب بفوضى كبيرة في المنطقة"، وأن سكان غزة "يحتفظون بصورة قاتمة وسلبية عن كل الحملات العسكرية بما فيها حملة نابوليون".
ويقول أستاذ التاريخ المتقاعد رشاد المدني لوكالة فرانس برس "ليس واضحًا مئة في المئة إن كان نابوليون أمضى ليلتين أو ثلاث ليال" في غزة، مشيرًا إلى أن "الأكيد أنه احتل غزة التي كانت في حينه مركزًا لإنتاج العسل والزيت والزراعة. كانت نقطة استراتيجية بين آسيا وأوروبا".
ودرّس المدني حملة نابوليون في جامعات غزة. وردًا على سؤال عن خلاصة الدرس، يجيب "الاحتلال الفرنسي كان أسوأ من الاحتلال الإسرائيلي"، مشيرًا إلى "مجزرة" قتل فيها الجنود الفرنسيون حوالي ثلاثة آلاف شخص في يافا.
أما "بطل" كتب التاريخ في غزة لتلك الحقبة، فهو والي عكا أحمد باشا الجزار، وهو رجل معروف بـ"قسوته"، قاوم في عكا لمدة شهرين في مواجهة هجمات نابوليون.
اليوم، لا تزال قلعة عكا قائمة. ويجتذب تمثال لنابوليون على حصان وجامع الجزار في وسط المدينة، السياح، في الزمن العادي.
ويقول المدني "في كتب التاريخ عندنا، أحمد الجزار شخصية قوية، وبطل. لكنه كان أيضًا شخصًا قاسيًا، معتديًا. وكان تلامذة كثر لا يحبذون أن أقول هذا".