هل يدمر بيريز كرة القدم كما فعل كاسباروف في الشطرنج؟

الإثنين 19 أبريل 2021 02:55 م / بتوقيت القدس +2GMT
هل يدمر بيريز كرة القدم كما فعل كاسباروف في الشطرنج؟



وكالات / سما /

خلال فترة منتصف القرن الماضي، كانت لعبة الشطرنج من أكثر الرياضات الفردية شهرة على مستوى العالم، بل كانت الأكثر جماهيرية على الإطلاق، وتتفوق على العديد من الرياضات الفردية الاخرى مثل التنس الأرضي وربما حتى الملاكمة، لكنها تحولت اليوم إلى رياضة مهمشة تقتصر فقط على فئة صغيرة لا تحبذ الرياضات العنيفة أو البدنية عموماً، ولا تحظى بدعم إعلامي على الإطلاق.

الشطرنج لم تكن مجرد رياضة عقلية يتنافس فيها اللاعبين وحسب، بل كان لها أبعاد سياسية عميقة، وكانت الدول العظمى تسعى جاهدة لكي يكون بطل العالم متوج من صفوفها، وبالتحديد كان هناك صراعاً بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا في ذروة الحرب الباردة، ويقال أنه تم تدبير العديد من المؤامرات خلف الكواليس من جانب الطرفين.

مع بزوغ نجم الأسطورة الأمريكية بوبي فشر خلال أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات، وإثبات قدرته على الفوز ببطولة العالم التي كان يهيمن عليها اللاعبين السوفيتيين بشكل ساحق في ذلك الوقت، أصبحت لعبة الشطرنج حديث العالم أجمع، وتحول فيشر إلى بطل قومي لدى الأمريكان الذي سيواجه العمالقة السوفييت.

بالفعل، تمكن فيشر من هزيمة سباسكي وانتزع منه لقب بطل العالم عام 1972 في واقعة تاريخية، ولكي ندرك مدى أهمية هذه الرياضة آنذاك، كان البطل حينها يحصل على مليون يورو، وهذه جائزة مالية كبيرة جداً بالنسبة لرياضة فردية في ذلك الوقت، وتعكس مدى شعبية وشهرة لعبة الشطرنج.

مع مرور السنوات والعقود، بدأت لعبة الشطرنج تفقد شعبيتها بشكل تدريجي، وهذا يعود لأسباب عديدة، لعل أهمها بداية تطور الكمبيوترات التي تفوقت على البشر، وهو ما كان يشكل صدمة للجماهير، فلم يكن يتوقع أحد أن يصل التطور التكنلوجي لهزيمة الانسان عقلياً، مما جعل عشاق هذه الرياضية يفقدون شغفهم في هذه الرياضية ويتحولون للاهتمام برياضات أخرى لا يمكن فيها للذكاء الاصطناعي أن ينافس الانسان.

لكن، يرى الكثيرين أن القشة التي قسمت ظهر البعير بالنسبة لرياضة الشطرنج كانت عام 1993، وتحديداً عندما قرر الأسطورة الروسية جاري كاسبروف الانشقاق عن الاتحاد الدولي للشطرنج قبل مباراة بطولة العالم، وتأسيس اتحاد خاص به، وذلك بسبب اعتراضه على طريقة البطولات وتوزيع الأرباح المالية وخلافه، ووصل به الأمر أنه اتهم الاتحاد الدولي للشطرنج بالفساد.

كاسبروف كان ولا يزال يصنف على أنه أفضل لاعب في تاريخ الشطرنج من حيث الإنجازات والقوة العقلية، ولذلك نجح في إقناع الكثير من اللاعبين المهمين بالانشقاق عن الاتحاد الدولي للشطرنج، وهذا خلق فوضى عارمة في هذه الرياضة، لأن اللاعبين الكبار انقسموا بين اتحاد كاسبروف والاتحاد الدولي (الرسمي)، ومنذ عام 1993 إلى عام 2005، كان هناك بطلين للعالم في كل موسم، حتى تم الدمج بين الاتحادين بعد ذلك.

بالطبع عزيزي القارئ انت تعي جيداً السبب وراء استعراض قصة انشقاق كاسبروف عن الاتحاد الدولي للشطرنج في هذا التوقيت، نعم، الواقعة تتكرر مجدداً الآن لكن في عالم كرة القدم هذه المرة، لأن هناك 12 نادياً كبيراً قرروا تأسيس بطولة خاصة بهم تحت مسمى “دوري السوبر الأوروبي”، والتي سيتم استبدالها ببطولة دوري أبطال أوروبا.

فلورنتينو بيريز رئيس ريال مدريد كان وراء تأسيس هذا المشروع منذ سنوات، لكن الفكرة دخلت حيز التنفيذ بعد الخسائر التي تكبدتها الأندية الكبيرة جراء جائحة فيروس كورونا، في الوقت الذي لم يقدم فيه اليويفا والفيفا مساعدات حقيقة لإنقاذهم، رغم أن المنظمتين يجنون أرباح مهولة من بطولات مثل دوري أبطال أوروبا وكأس العالم.

وبعيداً عن سبب ثورة الأندية الكبيرة بقيادة فلورنتينو بيريز، لا بد لنا من الربط بين ما حدث في رياضة الشطرنج قبل 3 عقود من الزمن ومع ما يحدث اليوم، فإذا لم يتم حل الخلاف والتوصل إلى صيغة مناسبة ترضي ريال مدريد وباقي الأندية المؤسسة من جهة، واليويفا من جهة أخرى، فربما نشهد سنوات من الفوضى قد تؤثر على تطور رياضة كرة القدم.

مشروع بيريز واعد جداً، وسيوفر الكثير من الأموال للأندية، وهذا من شأنه أن يرتقي بصناعة كرة القدم على عكس ما يقال بأنه سوف يحصر اللعبة بين الفرق الكبيرة، وفي الواقع كل طرف في النزاع لديه مبرراته الخاصة للدفاع عن وجهته نظره، ولا يمكننا الجزم أي منهما على صواب.

لكن فكرة الانفصال بحد ذاتها ستربك المشاهد قبل أي شيء، وإذا حدث بالفعل، وقرر الطرفين تصعيد الأمور، سوف نصل إلى كرة قدم مشوهة لا نعرف من الأقوى والأفضل بها، وهذا سيفقد الجماهير الشغف في متابعة المباريات والترقب للمنافسات، حتى وإن كانت ممارسة هذه الرياضة ستبقى المهيمنة على جميع الرياضات الأخرى.

والسيناريو الذي سيقودنا إلى كرة قدم أشبه بالشطرنج هو أن تقوم الأندية الكبيرة بتأسيس بطولة السوبر الأوروبي بالفعل، وعلى الجانب الآخر يستمر اليويفا في بطولة دوري أبطال أوروبا كما هو معتاد الآن، والتي بالطبع لن يشارك بها أهم الفرق، وبالتالي سنخرج في كل موسم ببطلين اثنين.

الانقسام سيكون من هو البطل الحقيقي لأوروبا، هل هو الفريق الذي يلعب في البطولة الأقوى فعلاً (السوبر الأوروبي)، أم البطل الذي يشارك في بطولة دوري الأبطال التابعة لمنظمة اليويفا الرسمية؟ مجرد التفكير في الأمر يجعلك تشعر بالصداع.

في الحقيقة، هذا السيناريو من المستبعد أن يحدث، لأن الطرفين سيخسران في نهاية المطاف، ومن المتوقع أن يتم التوصل لاتفاق بينهما بعد أن يتنازل كل طرف عن بعض مطالبه، لكن ما هو مؤكد، أننا نشهد الآن كتابة التاريخ لنقطة تحول حقيقية في عالم كرة القدم، إما سلباً أو إيجاباً، وهذا متوقف على مدى قدرة الطرفين على الجلوس معاً والتفاوض للوصول إلى أفضل حل ممكن.