نشر موقع "واي نت" العبري (الموقع الإلكتروني لصحيفة يديعوت أحرونوت) في الصفحة الرئيسية اليوم الأحد، مقالًا مطولًا للمراسل والمحلل العسكري المخضرم رون بن يشاي تساءل فيه حول فيما إذا أضاعت إسرائيل فرص كثيرة في سوريا منها إسقاط نظام بشار الأسد واستبداله بآخر من المعارضة دون وجود الإسلاميين.
وبحسب المقال المطول والذي يشمل بعض المعلومات العسكرية المسربة، فإن أحد الوزراء الكبار في الحكومة الإسرائيلية قال إن، "إسرائيل ارتكبت خطأً عندما لم تتحرك للإطاحة بالأسد ونظامه حين كان ذلك ممكنًا"، مضيفًا -أي الوزير (كما نقل عنه بن يشاي)- "في السنوات الخمس الأولى من الحرب الأهلية بسوريا كان من الممكن التسبب في فقدان "النظام الشيعي العلوي" بقيادة الأسد للحكم والسلطة، وكذلك بتر ذراع مركزي وخط أنابيب الأكسجين التشغيلي واللوجستي للأخطبوط الإيراني وحلفائه بالمنطقة".
ورأى الوزير الإسرائيلي أنه لو كانت الحكومة في تل أبيب قد قررت مساعدة من وصفهم بـ"المتمردين السوريين غير الجهاديين" وعملت بنفسها في قنوات سرية، وكل هذا قبل تدخل الروس في سوريا، لكان نظام ما وصفه بـ"جزار دمشق" قد سقط.
وأضاف الوزير "كانت النتيجة أن وضعنا الأمني في الساحة الشمالية الشرقية (لبنان وسوريا) أمام المحور الشيعي الراديكالي كان أفضل بكثير مما هو عليه اليوم، سوريا هي وحدة عسكرية وصناعية وعلمية ولوجستية مهمة للغاية للقوات الموالية لإيران، لذلك لو كنا قد أسقطنا الأسد لكان مكانه في دمشق نظام جديد مدعوم من الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة، وكان من الممكن توقيع اتفاق سلام معه دون التنازل عن الجولان".
وأشار بن يشاي إلى أن ذلك الوزير الكبير والذي يتمتع بخبرة أمنية وسياسية مثيرة للإعجاب، حاول إقناع الحكومة والكابنيت من أجل التدخل في سوريا بالوقت الفعلي. وخلال المرحلة الأولى من الحرب الأهلية كان لدى هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي معسكر كبير من كبار المسؤولين الذين أيدوا مبادرة الإطاحة بالأسد ونظامه، مقابل معسكر كبير أيضًا أقل إثارة للإعجاب يعارض مثل هذه الخطوة.
وكانت حجج أولئك الذين يعارضون تحركًا إسرائيليًا مباشرًا للإطاحة بالأسد أو تقديم مساعدات ضخمة "للمتمردين" لتحقيق هذا الهدف "مقنعة"، وبشكل أساسي الادعاء بأنه لا يمكن لأحد أن يضمن أن كيانا أو تحالف المنظمات والكيانات السياسية التي ستصل إلى السلطة بدلاً من الأسد ستكون أقل عداءً وخطورةً لإسرائيل من إيران، وعلى العكس من ذلك، بدا البديل الجهادي الذي ظهر في سوريا في ذلك الوقت لا يقل خطورة عن الإيرانيين، كما يقول بن يشاي.
ويضيف "كما لعبت تجربة إسرائيل السيئة في حرب لبنان الأولى دورًا رادعًا، ارئيل شارون بدأ تلك الحرب لطرد النشطاء الفلسطينيين من لبنان، وخطط بعد تحقيق هذا الهدف (الذي تحقق بالفعل)، أن يحكم الحلفاء المسيحيين بقيادة بشير الجميل أرض الأرز، ثم يوقع اتفاقية سلام معهم، لكن السوريين أحبطوا هذه الخطوة الاستراتيجية بقتل الجميل عبر عبوة ناسفة ما بعثر الأوراق الإسرائيلية، وساهم في تأسيس حزب الله كحركة مقاومة للاحتلال قبل أن يستولي على لبنان، والباقي معروف"، وفق قوله.
والدرس المستخلص هو أنه في "الشرق الأوسط يمكنك الركوب لفترة محدودة على ظهر النمر، لكن لا يمكنك معرفة إلى أين سيأخذك ومتى ستسقط، لقد أنتج الجيش الإسرائيلي الدرس وطبقه لتقويم الخيارات على الساحة السورية"، كما يتابع بن يشاي.
و"ما بين أعوام 2012 و2013 كانت الانتفاضة السورية في مهدها، وبدت نافذة الفرصة للإطاحة بالنظام في دمشق مفتوحة على مصراعيها في وقت امتلأت الساحة السورية بمئات الجماعات المسلحة، التي كان يعمل بعضها تحت مسمى الجيش السوري الحر، وأخرى منشقة عن الجيش السوري، ومن ثم ظهرت الجماعات الجهادية، ما زاد من حالة الانقسام وعدم وجود قيادة واضحة بينهم، ما شتت الأهداف وزاد من النزاعات بين تلك المجموعات نفسها"، بحسب المحلل الإسرائيلي.
وأضاف "كان من الممكن أن يتضاءل خطر التهديد الإيراني، لكن مثل هذا الوضع يجتذب عناصر قاتلة تزدهر في ظل ظروف انعدام الحكم، إن الخطر الذي يمثله الجهاد العالمي القاتل، والإخوان المسلمون على إسرائيل لا يقل خطورة- وربما أكثر من ذلك - عن التخريب الشيعي"، وفق وصفه.
ويتابع "على الأقل هذا ما كان يبدو عليه في ذلك الوقت، عندما لم تكن داعش في سوريا قد بلغت ذروتها بعد، وكان التنظيم الحاكم في القبة هو القاعدة، ثم في 2014، استولى داعش على المنطقة ووصل الروس في 2015، وأُغلقت نافذة الفرصة لإسقاط النظام واستبداله".
الفشل الأميركي
ويقول بن يشاي "إن هناك العديد من العناصر في الساحة الدولية وفي إسرائيل من رجال دولة وسياسيين من اليسار قالوا إن إسرائيل لا تستطيع أن تنتحي جانبا في وقت يقتل جارها "جزار دمشق" مواطنيه، حتى لو استجابت إسرائيل لهذه النداءات لأسباب "أخلاقية وإنسانية"، فإن العوامل الدولية والإقليمية كانت ستمنع ذلك، فإيران وروسيا والصين ساعدت النظام، وتركيا والسعودية وقطر والإمارات والأردن ساعدت مجموعات مختلفة معارضة للنظام".
ويضيف "أن إدارة الرئيس الاميركي حينها باراك أوباما فشلت مرتين في سوريا بطريقة مخزية، الأولى حين حاول عناصر من المخابرات الأميركية والجيش في تجهيز وتدريب مجموعات لهزيمة النظام، ثم أخذت تلك المجموعات السلاح وباعته أو انضموا لمجموعات أخرى، والثانية حين أعلن أوباما أن بلاده لن تتراجع عن مهاجمة الأسد في حال تبين استخدامه للأسلحة الكيماوية، وحينها لم يتأخر الروس في ادعاء تحقيق نصر دبلوماسي مدوي عندما أجبروا الأسد على تسليم الأسلحة الكيماوية إلى هيئة دولية ترعاها الأمم المتحدة، ما أكسب بوتين مكانة دولية هائلة على حساب أوباما وترسيخ مكانة روسيا كقوة عالمية.
و"باستثناء المواطنين السوريين، كانت إسرائيل المستفيد الأكبر من تدمير الاحتياطيات الهائلة من الأسلحة الكيميائية السورية، وكانت هذه إحدى الفوائد العظيمة التي حصلنا عليها من الحرب الأهلية دون تساقط شعرة على جندي أو مواطن إسرائيلي"، كما يقول بن يشاي.
ويضيف "لكن الدرس كان واضحًا، إذا فشلت الولايات المتحدة في تحركاتها في سوريا- فربما لم يكن أمام إسرائيل فرصة".
خطوط إسرائيل الحمراء
وبحسب المحلل العسكري الإسرائيلي، فإنه في السنوات الأولى من الحرب الأهلية السورية، قام الجيش الإسرائيلي بعمل استراتيجية تم عرض نتائجها على رؤساء جهاز الأمن والجيش والمستوى السياسي، وأضيفت عناصر إلى هذه الاستراتيجية تقرر من خلالها عدم قيام إسرائيل بعملية أو حملة لإسقاط النظام في سوريا، ولن تتدخل استراتيجيًا لقلب الموازين لصالح أحد الأطراف أو اللاعبين في الحرب الأهلية السورية.
وقال "كان القرار هو اتباع استراتيجية عسكرية واستخباراتية وسياسية لفرض الخطوط الحمراء التي أعلنتها إسرائيل كعنصر أساسي لأمنها القومي، بنفس القدر من الأهمية، تنفيذ هذا النشاط الهجومي بفاعلية ودون جر إسرائيل إلى الحرب في سوريا أو لبنان أو بلغة الجيش الإسرائيلي (ما تحت عتبة الحرب)".
وتغيرت الخطوط الحمراء بشكل طفيف في السنوات العشر الماضية تبعًا لتطورات الحرب، وشملت أن أي انتهاك "لسيادة إسرائيل وأمن مواطنيها سيقابل برد مؤلم هدفه ردع الجناة وخاصة مرسليهم ومن يرعونهم وإعطائهم مساحة للتصرف منه"، ومنع استخدام سوريا للأسلحة غير التقليدية (الكيميائية) ومنع نقلها إلى لبنان، ومنع أو تعطيل نقل الأسلحة الخطيرة من إيران إلى سوريا ولبنان، فضلاً عن منع وتعطيل نقل الأسلحة إلى الجيش السوري وصناعته العسكرية إلى لبنان، وهذا من أجل منع تعزيز وتحسين قدرات حزب الله أو الجماعات الإيرانية، ومنع الأضرار الخطيرة للجبهة الداخلية الإسرائيلية.
كما تشمل منع أو تعطيل نقل الأسلحة (بشكل أساسي صواريخ أرض- جو المتطورة) من إيران إلى لبنان وسوريا التي يمكن أن تعرض للخطر وتحد من حرية إسرائيل في التفوق الجوي والاستخباراتي في الساحة الشمالية، ومنع إقامة جبهة إيرانية ضد إسرائيل في سوريا على غرار الجبهة التي أقامها حزب الله في لبنان بمساعدة إيرانية، ومنع إنشاء "جيوش إرهابية معادية" لإسرائيل، جهاديين سنة أو جماعات شيعية بالقرب من الحدود مع إسرائيل بطريقة تسمح لهم بتنفيذ عمليات عبر الحدود على حين غرة، إلى جانب منع وتعطيل إنشاء واستخدام الممر البري من إيران عبر العراق وسوريا إلى لبنان، والذي سيخدم الاستعدادات اللوجستية والعملية لإيران ومبعوثيها للحرب في إسرائيل.
ويقول بن يشاي "يتم تنفيذ هذه الخطوط الحمراء بوسائل حركية وناعمة (مثل الإنترنت على سبيل المثال) أو سرًا، وفي كثير من الأحيان دون تحمل المسؤولية، وفي أحيان يتحمل الجيش الإسرائيلي المسؤولية إذا كان يخدم الجانب الواعي والدبلوماسية العامة للحرب على التوسع الإيراني"، مشيرًا إلى أن إسرائيل تقوم بحملة استراتيجية وبشكل استباقي لما يسمى بمعركة ما بين الحربين.
المعارضة والدروز والأكراد
ورغم كل ما سبق، عملت إسرائيل على خلق قنوات تعاون مع معارضي النظام في المناطق القريبة من الحدود من أجل تحقيق 4 أهداف رئيسية، تتمثل في منع وقوع "كارثة إنسانية" في المنطقة القريبة من الحدود بهدف منع تدفق المدنيين السوريين والفلسطينيين الذين يصطفون على السياج الحدودي في الجولان وربما لبنان ويطالبون باللجوء، والثاني مساعدة المجموعات المحلية بقليل من التسليح الخفيف لحماية القرى والبلدات القريبة من الحدود ومنع إقامة أي تشكيلات "إرهابية" سواء إيرانية أو غيرها بهدف خلق منطقة عازلة، والهدف الثالث تعطيل إنشاء جبهة إيرانية أخرى ضد إسرائيل، والرابع خلق النوابا الحسنة والارتباط الأيديولوجي والسياسي مع الشعب السوري لتكون بمثابة بنية تحتية للتواصل والتعاون المدني مع الدروز في الجولان بشكل إنساني وتقديم الرعاية الطبية والوقائية لهم، بمشاركة 3 منظمات غربية متطوعة بالتعاون مع إسرائيل، والتي أقامت مستشفى ميداني كبير تم تفكيكه بعد أن استعادت قوات الأسد السيطرة على القنيطرة، ثم أنشأت إسرائيل مستشفى ميداني قرب السياج الحدودي وقدمت العلاج الأولي لجرحى سوريين قبل أن تنقلهم إلى مستشفياتها، وفق بن يشاي.
ونقلت إسرائيل للمجموعات المسلحة كمية قليلة جدًا من الأسلحة الخفيفة لمساعدتها في الدفاع عن نفسها وعن قراها، كما يقول بن يشاي.
ويشير إلى أن الدروز في داخل الجولان السوري كانوا بعد أن انضم بعضهم للقتال إلى جانب النظام السوري وحزب الله، وبعد سيطرة مجموعات مسلحة على قراهم، قد طلبوا بضغوط من الدروز داخل إسرائيل وبينهم قيادات عسكرية في الجيش الإسرائيلي بالتدخل، وتنفيذ عملية برية لترجيح كفتهم، إلا أن إسرائيل رفضت وفضلت عدم التدخل عسكريًا في الحرب الأهلية والحفاظ على قرارها الاستراتيجي بذلك.
كما طالب الأكراد من إسرائيل مساعدتهم عسكريًا دون التدخل بشكل مباشر، ولكن من خلال التأثير على صناع القرار في واشنطن لمساعدتهم، وهو ما تم فعلًا حتى بات الأكراد يسيطرون بمساعدة الأميركان على ربع الأراضي السورية وعدة جيوب استراتيجية في الأراضي التي يسيطر عليها نظام الأسد، ويمكن الافتراض أن هذه الحقيقة تخدم أيضًا مصالح إسرائيل الأمنية بشكل جيد.
إنجازات إسرائيل وأخطائها
ويتساءل بن يشاي عما حققته الاستراتيحية التي اتبعتها إسرائيل في سوريا خلال سنوات الحرب الأهلية العشر، مشيرًا إلى أنه في المجال الأمني أصبح الجيش السوري ضعيفا ومنهكا ولم يشكل خطرًا على إسرائيل لسنوات رغم أنه اكتسب خبرة قتالية وحصل على معدات حديثة من روسيا، في المقابل تعمق عمل المخابرات في سوريا وباتت إسرائيل تتفوق استخباراتيًا في سوريا والدول المجاورة، مما يجعل من الممكن التحذير من نوايا "عدائية" وأنشطة "تخريبية" لإيران وحلفائها.
وفي الجانب السلبي، فإن الخبرة القتالية والقدرات الاستخباراتية والعملياتية الهجومية التي اكتسبها حزب الله نتيجة مشاركته في الحرب بسوريا، يمكن الافتراض أنها ستحسن من قدراته في حرب لبنان الثالثة في حال وقعت.
بالإضافة إلى ذلك، عطل الجيش الإسرائيلي بشكل كبير وأبطأ استخدام الأسلحة عالية الجودة من قبل سوريا وحزب الله، كما أن إقامة جبهة إيرانية إضافية ضد إسرائيل على الأراضي السورية تسير بوتيرة أبطأ بكثير مما خطط قاسم سليماني قبل اغتياله، لكن الإيرانيين لم يردعوا وهم يواصلون جهودهم وتتواصل الجهود الإيرانية لتحسين دقة الصواريخ الباليستية بل وتكتسب زخمًا، فضلاً عن معدات حزب الله في الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز، كما تسارعت وتيرة إنشاء إيران المدنية في سوريا.
وفي المجال السياسي، يمكن لإسرائيل أن تسجل إنجازًا عندما نجحت في إنتاج تعايش وظيفي واتخاذ إجراءات لمنع الاحتكاك والتصعيد مع القوة العسكرية الروسية التي تحمي نظام الأسد، وهذا التعاون الذي يقوم على مبدأ "لا تضر بمصلحتي وشعبي ولن أضر بمصالحكم"، حيث استفادت إسرائيل بالشكل الأمثل من هذا الأمر، لكن يجب الاعتراف بأن الوجود الروسي في سوريا يقيد بشكل كبير حرية العمل هناك، وفي وقت الحرب يجب أن نكون حذرين بشكل مضاعف.
ويضيف "روسيا التي حولت الحرب الأهلية السورية إلى ميدان تجريبي لصواريخها وذخائرها الجوية، تزود الجيش السوري بأحدث المعدات، وبعضها يتدفق إلى حزب الله في لبنان، ومن المهم أن نلاحظ أن القرب الجغرافي بين إسرائيل ومنشآتها الحساسة والقوات الروسية في سوريا يسمح لرجال بوتين بجمع معلومات استخبارية عن إسرائيل، بل وربما يقومون بعمليات هجومية عبر الإنترنت بسهولة أكبر".
وخلاصة القول "يبدو أن استراتيجية إسرائيل في سوريا منذ اندلاع الحرب الأهلية أثبتت نفسها رغم أنها لم تحقق كل أهدافها، ومن المشكوك فيه أن تكون إسرائيل قد صممت نظامًا أكثر راحة في دمشق من شأنه أن يزيل الإيرانيين من سوريا. يعد حدوث اضطراب كبير في نوايا إيران وجدولها الزمني دون التورط في الحرب، إنجازًا جيدًا بما فيه الكفاية".