العائدون والمقيمون: مريد البرغوثي ورام الله..عادل الأسطة

الأحد 28 مارس 2021 10:05 ص / بتوقيت القدس +2GMT
العائدون والمقيمون: مريد البرغوثي ورام الله..عادل الأسطة



في ٢٠ آذار شاركت، عبر ZOOM بندوة أدبية افتراضية حول كتاب مريد البرغوثي «رأيت رام الله»، نظمها «منتدى شرق غرب الثقافي» بالإمارات مع «نادي ليل الثقافي» في فرنسا وكان للدبلوماسي والإعلامي الفلسطيني في بروكسل السيد حسان بلعاوي دور فيها.
من الأفكار الأساسية التي ناقشتها ثنائية الريف والمدينة وعلاقة العائدين بالمقيمين وفكرة الأخ الأكبر في العائلة الفلسطينية وحضور هذا في كتاب «رأيت رام الله» (١٩٩٨) وتأثيره في أدبيات أخرى أهمها رواية رضوى عاشور «الطنطورية» (٢٠١٠) وتقاطعها مع رواية عباد يحيى الأخيرة «رام الله» (٢٠٢٠)، ولكني قبل الخوض في هذه الأفكار توقفت أمام تجنيس الكتاب، فالدكتور إبراهيم السعافين استخدم دالي الرواية والسيرة الذاتية وكذلك الدكتور والروائي واسيني الأعرج، وفي هذه الأثناء عدت إلى «رأيت رام الله» و»ولدت هناك.. ولدت هنا» لأتأكد من تجنيس مؤلفهما أو ناشرهما لهما، فما لاحظت إدراج أي دال يشير إلى جنس أدبي، وعليه فقد أبديت رأيي وهو أن الأول هو سيرة مكان بالدرجة الأولى، وتحديدا سيرة دير غسانة ورام الله وحياة مريد فيهما، وإن أتى على حياته في المنفى.
ومريد الذي نشأ في قرية دير غسانة وعاش شبابه في رام الله ودرس في القاهرة وتنقل في مدن العالم، مريد الذي حن إلى قريته وعاد إثر أوسلو لزيارتها والوقوف على أطلالها لم يتنكر في حياته أبدا لها، ولكنه انتمى إلى عالم المدينة، وقد عبر عن هذا في كتابه بسطر لافت يختصر الحكاية:
«إننا لا نبكي على طابون القرية بل على مكتبة المدينة»، ومع أنه يرى أن أجواء رام الله أقرب إلى أجواء القرية «لكن جو الحياة في رام الله والبيرة معا يظل جوا ريفيا» إلا أنه وهو في القرية في طفولته وشبابه لم يكن يرى ذلك، فقد كان يتطلع إلى حياة رام الله ونابلس والقدس «ألم نكن نتمنى حياة المدينة ونحن في القرية. ألم نكن نتمنى الخروج من دير غسانة، المحدودة، الصغيرة، الأبسط من اللازم، إلى رام الله والقدس ونابلس؟ ألم نكن نتمنى لتلك المدن أن تصبح مثل القاهرة ودمشق وبغداد وبيروت؟».
حين عاد مريد إلى رام الله بعد غياب ثلاثين عاما رأى القرية هرمت والمدينة بقيت على حالها، ويعزو عدم تطور المدينة الفلسطينية إلى الاحتلال الذي كان من مصلحته أن «يتحول الوطن في ذاكرة سكانه الأصليين إلى باقة من «الرموز»: إلى مجرد رموز و»كأن إسرائيل تريد أن تجعل الجماعة الفلسطينية كلها ريفا لمدينة إسرائيل. بل إنها تخطط لرد المدن العربية كلها إلى ريف مؤيد للدولة العبرية».
الفكرة الثانية التي شغلت نفسي بها هي فكرة الأخ الأكبر في العائلة الفلسطينية، وقد كتب مريد عنها مشيرا إلى دور الأخ الأكبر مستوحيا ما كتب من خلال أسرته، متوقفا أمام أخيه منيف الذي كان الأخ والأب والناصح والمساعد، ويرى مريد أن كتبا كثيرة يجب أن تكتب عن الأخ الأكبر في العائلة الفلسطينية. إن ما قاله بهذا الخصوص جسدته زوجته الكاتبة رضوى عاشور في روايتها «الطنطورية». ولكن مريد الذي عاد مع العائدين لاحظ أن الأخوة هذه قد تتحول إلى خصومات، فالعائدون يريدون أن يقيموا في بيوتهم والبيوت مسكونة من الأبناء أو الأحفاد. هنا يصغي مريد إلى حكايات طريفة منها الحكاية الآتية:
«أذهلني ما قاله أبو باسل الذي جاء مع من جاء للسلام علي، من أنه كان سجل بيته وأرضا له باسم أخته أثناء عمله في السعودية. وعندما حصل على لم شمل وعاد إلى دير غسانة اكتشف أن شقيقته سجلت البيت والأرض باسم أبنائها هي ولم يجد لنفسه مكانا يقيم فيه .... لكن الضغائن تتزايد بين أفراد العائلة الواحدة هذه الأيام» وغالبا ما كان هذا يؤدي إلى قتل وموت بالجلطات (ص ١٢٦ و١٢٧).
الفكرة الأخيرة التي أود مناقشتها هي التقاطعات بين «رأيت رام الله» ورواية عباد يحيى الأخيرة «رام الله» ٢٠٢٠.
قرأت، مؤخرا، رواية عباد ونظرت في الكتب التي أفاد منها في تأليفها، وهي كثيرة ومنها كتب العائدين، فاستغربت عدم ذكر كتاب مريد. هل سقط عنوان الكتاب سهوا؟ ربما، ولكن ما لا يخطئه القارئ هو أن هناك تقاطعات بين العملين فيما آلت إليه رام الله، ويكفي أن أحيل إلى الفصل السادس من كتاب مريد (ص ١٢٥) والصفحات (٦٣٢ - ٦٣٤) من رواية عباد، أو هذا ما تراءى إلي.
الكتابة تطول والمساحة محدودة.