نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن محللين قولهم إن "تخريب" الأردن لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الإمارات، كانت رسالة لنتنياهو مفادها: "توقف عن تهميشنا".
وقالت الصحيفة إن "المملكة الهاشمية، التي ظلت بعيدة عن الأضواء خلال ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تعتقد أن الرياح تغيرت وسيظهر الرئيس الحالي جو بايدن نهجا أكثر توازنا".
ويوم الخميس الماضي، أرجأ الأردن منح طائرة نتنياهو الإذن بعبور مجاله الجوي إلى الإمارات، مما أجبر نتنياهو على تأجيل رحلته إلى الإمارات التي كان سيلتقي خلالها ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في أول زيارة رسمية له إلى هذه الدولة الخليجية.
وكان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أعلن أنه كان من المتوقع أن يقوم نتنياهو بزيارة إلى الإمارات، ولكن بسبب صعوبات طرأت على تنسيق مرور رحلته عبر الأجواء الأردنية تم تأجيلها.
ولفت مكتب نتنياهو إلى أن "هذه الصعوبات نبعت كما يبدو من إلغاء زيارة ولي العهد الأردني إلى الحرم القدسي الشريف جراء خلاف طرأ حول التدابير الأمنية التي يتم اتخاذها في هذا المكان المقدس".
في سياق متصل يرى محللون أن عرقلة الأردن رحلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الإمارات قبل الانتخابات، تهدف إلى توجيه رسالة مفادها أن عمان لن تقبل بعد اليوم بتهميشها، مشيرين إلى أن المملكة تعوّل على الرئيس الأميركي جو بايدن لقلب الاتجاه الذي كان قائمًا في عهد سلفه دونالد ترامب.
وكان دعم ترامب لنتنياهو غير محدود، وتبدو المملكة مقتنعة بأن جو بايدن الذي وصل إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير، سيتبنى سياسة أكثر توازنًا.
ويقول مدير "مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية" أحمد عوض لوكالة فرانس برس إن "تأخير منح الإذن لطائرة نتانياهو لعبور أجواء المملكة في زيارة (إلى الإمارات) أرادها استعراض نصر" قبل الانتخابات المقررة الأسبوع المقبل في إسرائيل، "رسالة سياسية قاسية بأن الأمور لم تعد تحتمل".
وألغى نتنياهو الخميس زيارة تاريخية إلى الإمارات على خلفية "صعوبات في التنسيق" مع الأردن بشأن عبور مجاله الجوي.
وكانت ستكون الزيارة الأولى منذ توقيع اتفاق تطبيع العلاقات بين البلدين في أيلول/سبتمبر الماضي.
وستجري الانتخابات الإسرائيلية في 23 آذار/مارس للمرة الرابعة خلال أقل من عامين.
ويسعى نتنياهو في حملته الانتخابية إلى استثمار مسألة تطبيع علاقات بلاده مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب التي حصلت خلال الأشهر الماضية بمباركة ورعاية من إدارة ترامب.
ويقول مدير "مركز القدس للدراسات السياسية" عريب الرنتاوي لفرانس برس إن الرحلة "التي بدت رحلة انتخابية بامتياز، انتهت إلى أزمة في علاقات إسرائيل بالأردن".
ويضيف "وجد الأردن اللحظة مناسبة لرد الصاع صاعين".
والقشة التي قصمت ظهر البعير تمثلت بإلغاء ولي العهد الأردني الأمير حسين زيارة كان سيقوم بها إلى المسجد الأقصى في القدس واتهم الأردن إسرائيل بعرقلتها.
وأكد وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي في مقابلة مع شبكة "سي ان ان" الأميركية من باريس، أن ولي العهد كان ينوي القيام "بزيارة دينية" الخميس الماضي إلى "الحرم القدسي الشريف لأداء الصلاة في ليلة الإسراء والمعراج".
وأوضح أن إسرائيل أرادت فرض ترتيبات وتغييرًا في برنامج الزيارة، ما دفع الأمير الى إلغائها لتفادي التضييق على المقدسيين.
وشدد الصفدي على أن "لا سيادة لإسرائيل" على الحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى في القدس المحتلة، وأن دائرة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى الأردنية هي الجهة الوحيدة المخولة بإدارة هذه الأوقاف.
وتابع "انتهكوا التزاماتهم كقوة احتلال كما انتهكوا الحق في حرية العبادة، وهذا شيء نحن غاضبون منه للغاية"، مضيفًا "تتنكر للاتفاق مع الأردن وتعطّل زيارة دينية وتخلق ظروفًا جعلت زيارة دينية في مناسبة مقدسة مستحيلة ثم تتوقع أن تأتي إلى الأردن وتحلق عبر أجوائه؟".
وكانت الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية تتبع الأردن إداريًا قبل أن تحتلها إسرائيل عام 1967، وتضمها لاحقًا في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.
وتعترف إسرائيل التي وقعت معاهدة سلام مع الأردن في 1994، بإشراف المملكة على المقدسات الإسلامية في المدينة.
ويرى الرنتاوي أن "القناعة في عمان أن نتنياهو لا يقيم اعتبارًا لحسابات الأردن ومصالحه وحساسياته، ويتعمد الإساءة للعائلة الملكية بشكل خاص، عبر بوابة الوصاية الهاشمية على الأقصى لتقويض مكانتها وشرعيتها".
ويقول مسؤول أردني فضل عدم الكشف عن اسمه لفرانس برس، "العلاقات مع نتنياهو متوترة منذ سنوات طويلة"، مشيرًا إلى أن الملك عبدالله "يرفض استقباله أو تلقي مكالمات منه".
ويعود آخر لقاء معلن رسميًا بين الطرفين إلى حزيران/يونيو 2018، وكان ذلك اللقاء الأول حينها منذ 2014.
ووصف عاهل الأردن مرات عدّة السلام مع إسرائيل بأنه "سلام بارد"، واعتبر في خريف عام 2019 أن العلاقات معها "في أدنى مستوياتها على الإطلاق".
ويشير الرنتاوي الى أن الأردن يقيم اتصالات مع "بيني غانتس (وزير الأمن) وغابي أشكنازي (وزير الخارجية)"، و"أراد إرسال رسالة لواشنطن أننا مستعدون للقيام بدورنا مع الإسرائيليين لكننا نتحاشى نتنياهو".
ويضيف أن "نتانياهو عقدة في المنشار. هذا الرجل ليس رجل سلام ولا يضمر ودًا لا للأردن ولا للهاشميين".
وشهدت علاقة الأردن مع نتنياهو سلسلة توترات بدأت عام 1997 بمحاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في عمان، مرورًا بمقتل القاضي الأردني رائد زعيتر على الجسر بين البلدين عام 2014، ومقتل مواطنين أردنيين اثنين في سفارة إسرائيل في عمان عام 2017، واستقبال نتنياهو للقاتل استقبال "الأبطال".
ويرى عوض أن "إدارة ترامب كانت إسرائيلية ويمينية أكثر من اليمين الإسرائيلي"، مضيفًا أن "إدارة بايدن مريحة أكثر لسياسة الأردن ووضعه ومصالحه".
ويقول الرنتاوي "الموقف الأردني انتعش بعد رحيل ترامب وقدوم بايدن، الأردن يشعر بارتياح"، معتبرًا أن إدارة ترامب سعت أيضًا إلى "تهميش الأردن وهددت مصالحه بشكل أو بآخر في مواضيع الحل النهائي وقفزت عنه (...) باتجاه السعودية والامارات".
ويؤكد أن إدارة بايدن "تؤيد حل الدولتين وتعتبر الأردن شريكًا"، متوقعًا أن تعود "إلى الصيغ القديمة في المواقف الأميركية من الصراع الفلسطيني الاسرائيلي"، في إشارة الى رفض الإدارات الأميركية المتعاقبة قبل ترامب سياسة الاستيطان الإسرائيلي واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وهو اعتراف قامت به إدارة ترامب.