كشف موقع “ذي إنترسيبت” عن محاولات اللوبي المؤيد لإسرائيل إسكات الناشطين المؤيدين لفلسطين في الولايات المتحدة واتهامهم بمعاداة السامية.
وقال أليكس كين في تقريره إن كاوالروب سينغ أنهت كلمة لها في مؤتمر طلابي عن “العدالة لفلسطين” عقد في جامعة كاليفورنيا- لوس أنجليس عام 2018، عندما تقدم منها صحافي طالب وطلب منها مقابلة صحافية. ووافقت سينغ وهي سيخية- أمريكية كانت تدرس القانون في ذلك الوقت بالجامعة للحديث عن مشاركتها في المؤتمر وما قدمته في المؤتمر من عرض حول كفاح فلسطين وكشمير من أجل العدالة والذي جمع عددا من الطلاب الذين جاءوا من أنحاء البلاد والدفاع عن حقوق الإنسان للفلسطينيين.
وقالت سينغ “لم أفكر وقلت لنفسي: لن تكون مشكلة، وهي مجلة نسوية صغيرة”. وبعد أيام من نشر المقال وجدت وهي تبحث عن اسمها في محرك غوغل وبعدما تقدمت بطلب وظيفة أن لها وصفا شخصيا في موقع “كاناري ميشن” والمختص بوضع أسماء الناشطين من أجل فلسطين في قائمة سوداء ويصنفهم بالمعادين للسامية والإرهاب. وفي الوصف الشخصي لها روابط لكل حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي بما في ذلك مشاركتها بورشة العمل في المؤتمر والذي وصف بأنه “احتفل بالعنف”.
وهناك مخاوف من وضع 65 شخصا قدموا مداخلات وكلمات في المؤتمر على نفس القائمة، ولا يريدون مواجهة التحرش أو الحرمان من وظائف أو المنع من دخول إسرائيل- فلسطين. وعمل “كاناري ميشن” بات موثقا ويقول الطلاب إن المنظمة تسببت لهم بمشاكل نفسية وعرقلت رغبتهم بالعمل من أجل حركة الحقوق الفلسطينية ودعمها.
وفي بعض الحالات اعتمد مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي أي) على معلومات حولها إليه موقع “كاناري ميشن” في تحقيقاته مع الناشطين فيما منع الفلسطينيون الأمريكيون من دخول إسرائيل- فلسطين بسبب ما ورد من وصف شخصي لهم على الموقع.
وفي أثناء التحضير للمؤتمر طلب المنظمون لمؤتمر “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” من جامعة كاليفورنيا الإبقاء على أسماء المتحدثين سرية، ذلك أن مسؤولين منتخبين وقوات حفظ النظام قامت بتمحيص المناسبة.
وظل الحجر على ذكر الأسماء قائما حسب الاتفاق، لكن المخاطر على سرية الأسماء نابعة الآن من دعوى قضائية تقوم على قوانين السجلات العامة وقدمها المحامي المدافع عن إسرائيل ديفيد أبرامز والذي يدير منظمة اسمها “مركز الدفاع عن الصهيونية”. وسجل أبرامز نفسه كعميل أجنبي في منظمة قانونية تدعمها الحكومة الإسرائيلية والتي ساعدت على تقديم دعاوى قضائية ضد مؤسسات انتقدت إسرائيل وضد ناشطين للحقوق الفلسطينية.
وستبت في القضية المحكمة العليا لمنطقة لوس أنجليس في 11 آذار/ مارس، مع أن الطرفين سيتقدمان باستئناف مهما كان قرار القاضي. وتعتبر القضية امتحانا حول قدرة المدافعين عن إسرائيل استغلال قوانين السجلات العامة من أجل المحاسبة وتقويض حركة المدافعين عن الحقوق الفلسطينية والكشف عن هوياتهم.
وانضم أبرامز إلى صفوف من حاولوا استغلال قوانين السجلات العامة ضد معارضيهم الأيديولوجيين، وهي وسيلة استخدمت ضد العلماء المدافعين عن البيئة ودراسات دوائر العمل وعيادات الإجهاض والباحثين في الزراعة من بين مجالات أخرى. ولأن الجامعات مؤسسات عامة فهي ملزمة بالاستجابة لمطالب كهذه.
وقالت زها خليلي، العاملة في “بالاستين ليغال” وهي جماعة تدافع عن حرية التعبير للجماعات المدافعة عن حقوق الفلسطينيين “هذا استهداف وليس تحركا من الحكومة وتحرك يقوم به لاعبون عاديون. وليست محاولة لفحص عمل الحكومة، الذي شرعت من أجله قوانين السجلات العامة”. و”هي معلومات خاصة حول أفراد بعينهم استأجروا بطريقة خاصة مساحة في حرم الجامعة”.
ويرى الكاتب أن القضية تقدم مثالا صارخا حول ما يتم تجاهله وسط النقاش الوطني بشأن “ثقافة الإلغاء” وحرية التعبير وهو أن الناشطين المدافعين عن فلسطين أكثر عرضة لمواجهة تداعيات آرائهم السياسية.
وقالت طالبة القانون السابقة سينغ إن “كاناري ميشين لديها مصادر جيدة وتعرف ما تقوم به، وهو تدمير حياة الناس الذين يتحدثون عن فلسطين”. و”لهذا السبب فالأمر مخيف ومن المهم حماية هوية الأشخاص لكي يمارسوا حياتهم وتعلم ما يريدون تعلمه والحديث عن أمور يريدون الحديث عنها”.
وفي أثناء التحضير لمؤتمر “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” تلقى المنظمون سيلا من المكالمات من أجل إلغاء المناسبة.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2018 أرسل النائب عن كاليفورنيا براد شيرمان رسالة لرئيس جامعة كاليفورنيا جين بلوك عبر فيها عن قلقه من المؤتمر الذي زعم أنه سيدعو إلى معاداة السامية، وحذر من أن السماح للمؤتمر بالمضي قد يكون بمثابة خرق للقوانين الفدرالية التي تمنع مؤسسات تعليمية ممولة من الحكومة الفدرالية من التورط بالتمييز. وزعم شيرمان هذا لأن المؤتمر سمح لعدد مختار من منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين واستبعد اليهود، مع أن أعضاء المنظمة اليهود حضروا المؤتمر.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر صوت مجلس مدينة لوس أنجليس على قرار يدعو الجامعة لإلغاء المؤتمر. وانضم أبرامز لحملة الضغط عندما أرسل في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر رسالة إلى الجامعة زعم فيها أنها قد تخسر التمويل الفدرالي لو سمحت بعقد المؤتمر، وزعم أن منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين مصنفة فيدراليا كجماعة إرهابية.
ومع تزايد الجدل حول المؤتمر تشاركت شرطة جامعة كاليفورنيا مع أف بي آي بقائمة من “المتحدثين المحتملين”، مع أنها لم تكن في ذلك الوقت تعرف من سيتحدث فيه. وفي مذكرة أعدتها الشرطة ونشرت بسبب دعوى السجلات العامة ضد جامعة كاليفورنيا لاحظت الشرطة أن أف بي آي حقق مع “عدد من الرموز” لأنها “معروفة بنشاطها وعلاقاتها مع الجماعات الفلسطينية”. ولاحظت الشرطة أنه “لم توجه اتهامات واضحة أو استمرت بالتحقيق”.
وبعد تلقي الشرطة قائمة المتحدثين قامت بتمريرها إلى “أف بي آي” ليتم فحص الأسماء بناء على قائمة مجلس الأمن الدولي للعقوبات ووزارة الخزانة حول “الأشخاص المصنفين والممنوعين”، ولم يظهر اسم من أسماء المتحدثين في أي من القوائم. ولاحظت شرطة جامعة كاليفورنيا مرة أخرى “لا يوجد تحقيق مفتوح ضد منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين أو المتحدثين أو المشاركين ومسؤولي وورش العمل”. ورفضت الشرطة التعليق على تمرير القوائم إلى “أف بي آي” متعللة بالقضية القانونية.
وقرر المنظمون وسط الضغوط المتزايدة تبني خطوات أمنية متشددة، فطلبوا من المشاركين عدم رمي البطاقات التي تحمل أسماءهم في النفايات حتى لا يحاول المعادون لهم البحث عنها. وصدرت لهم أوامر بالتحرك بين البنايات في حرم الجامعات في جماعات وتغطية وجوههم. وفي اليوم الأخير من المؤتمر، قام 100 من مؤيدي إسرائيل بالتجمع خارج قاعة المؤتمر وحمل أحدهم علم إسرائيل وقفز على المسرح قبل أن يتم إغلاق القاعة.
وقال إيروم توكتشوم، عضو فرع “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” بجامعة كاليفورنيا “كان أمرا غريبا” و”في مرحلة أحاط المحتجون بسيارتي عندما كنت أقودها نحو القاعة لنقل إمدادات والتقطوا صورا لي ولمن كانوا معي في السيارة بمن فيهم عجوز فلسطينية قالت: هذا مثل فلسطين”.
وقبل المؤتمر قدم أبرامز في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر دعوى قضائية بناء على قوانين السجلات العامة وطلب فيها توفير العناوين الإلكترونية والعقود المتعلقة بالمؤتمر وأسماء المتحدثين. وبعدما بدأت الجامعة بتقديم وثائق لا علاقة لها بالمتحدثين عدل أبرامز من الدعوى وطلب تقديم الأسماء وهو ما رفضت الجامعة تقديمه.
وفي آب/ أغسطس 2019 قدم أبرامز دعوى ضد الجامعة واتهمها برفض الكشف عن أسماء قال إن من حق الرأي العام معرفة هوياتهم وناشطين مرتبطين بجماعات إرهابية، وبحسب ما يقتضي قانون حرية المعلومات. ولكن الجامعة رفضت التعليق على القضية بسبب الدعوى القانونية الجارية.
ودافع محامو الجامعة عنها ورفضها للكشف عن الأسماء وقدموا ثلاثة مبررات، الأول، لأن الجامعة جمعت الأسماء كجزء من تحقيق الشرطة فهي معفاة من الكشف عنها بناء على قانون السجلات العامة المعمول به في كاليفورنيا. وثانيا، رأت الجامعة أن الكشف عن الأسماء هو بمثابة خرق للحقوق الدستورية التي يتمتع بها أعضاء طلاب من أجل العدالة في فلسطين وضرورة حماية أسمائهم من الكشف. وأشاروا إلى قضية في 1958 عندما حكمت المحكمة العليا أن التعديل الأول يحمي الحركة الوطنية لتعزيز حقوق الملونين ولها الحق بعدم الكشف عن أسماء أعضائها لولاية ألاباما التي كانت تقوم وبشكل نشط بالتحقيق في حركة الحقوق المدنية هذه.
أما الجدال الثالث فقد حاول الموازنة بين القانون الذي دعا إليه قانون السجلات العامة في كاليفورنيا بين المصلحة العامة ومخاطر الأذى. وتقول الجامعة إن حق حماية حرية التعبير والتجمع تتفوق على المصلحة العامة في الكشف عن أسماء المتحدثين. وقالت إن أبرامز فشل في تقديم حالة مقنعة عن اهتمام الرأي العام بالكشف.
ويقول المحامون في مجال الحريات المدنية إن الجامعة أوفت وحسب القانون بمطالب الشفافية لأنها قدمت لأبرامز بعض الوثائق المتعلقة بالمؤتمر. ويقول غلين كيتون مدير التقاضي في منظمة تعزيز العدالة للآسيويين- الأمريكيين- مجمع القانون، وهي جماعة تدخلت إلى جانب “بالاستاين لو” في الدعوى القضائية إلى جانب جامعة كاليفورنيا ضد أبرامز “مصلحة الشفافية الحكومية يمكن تحقيقها وتم في هذه الحالة”.
وفي الدعوى القضائية يقول أبرامز إنه لا يعمل مع “كاناري ميشن” ولكن الناشطين يخشون من نشر الأسماء حالة وقوعها في يده. وقال كيتون: “لعبة أبرامز هي الحصول على الأسماء لكي يرسلها إلى كاناري ميشن” من أجل استفزاز “الناس الناشطين ضد سياسات الحكومة الإسرائيلية”. ويعرف عنه استخدامه الكثير لقوانين مكافحة الإرهاب من أجل استهداف المدافعين عن الحقوق الفلسطينية في أمريكا. وفي السنوات الماضية طلب من دائرة الإيرادات الداخلية إلغاء وضعية منظمة “أطباء بلا حدود” و”أوكسفام” و”مركز كارتر” بمزاعم أن هذه المنظمات لها علاقة بالمتشددين الفلسطينيين.
وقالت لارا فريدمان، مدير مؤسسة السلام في الشرق الأوسط “يبدو أن ديفيد تبنى دور مخترع الحرب القانونية واستغلال وإعادة توجيه القانون الأمريكي بأي وسيلة لمواجهة من يراهم معادين لإسرائيل. والهدف هو ردعهم وغيرهم عن تحدي السياسات الإسرائيلية أو دعم الحقوق الفلسطينية”.
وفي السنوات الأخيرة تعرض عدد من الباحثين حول فلسطين لعدد من المطالب العامة من المدافعين عن إسرائيل للكشف عن مراسلاتهم الخاصة ورحلاتهم إلى الخارج بهدف إحراجهم ومنع عن دعم الحقوق الفلسطينية. وتقول سينثيا فرانكلين، أستاذة اللغة الإنكليزية بجامعة هاواي بمناوا والتي تعرضت لمطالب تقديم سجلات من مؤيدي إسرائيل “أنظر للطلب على أنه شكل من التحرش وطريقة للحصول على معلومات حول حركة المقاطعة لإسرائيل وكيف تدير عملها” و”هي متدخلة في الشؤون الشخصية وتهدف لزرع الخوف”.
وتعتبر القضية ضد جامعة كاليفورنيا مهمة لأن الهدف ليس باحثين ضليعين في أبحاثهم ولكن طلابا يحاولون الدخول إلى الحياة العملية. وتقول كلوديا بولسكي مديرة قسم القانون البيئي بجامعة كاليفورنيا بيركلي “هذا يثير الرعشة كما في حقبة ماكارثي، وتقديم قوائم عن المنظمات وأعضائها والكشف إن كانت حمراء”.
وكتبت بولسكي مقالا علميا حول إساءة استخدام قوانين السجلات العامة في مجلة “لو يفيو” بجامعة كاليفورنيا و”بهذه الطريقة تنشر الخوف من التعديل الأول وجعل الناس يخافون من المشاركة والتعبير عما يفكرون فيه”.