رغم سعي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لمد غصن الزيتون لإيران من لاجتذابها للمشاركة في مباحثات لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، سارع القادة في طهران بتوضيح أن هذا الأمر لن يكون سهلا.
وذكرت وكالة بلومبرغ للأنباء في تقرير أعده نيك ودهامز وديفيد وينر، وهما من كبار كتابها، أنه بعدما أعلنت الولايات المتحدة يوم الخميس الماضي أنها على استعداد للاجتماع مع إيران إلى جانب مشاركين آخرين في الاتفاق النووي الذي انسحب من الرئيس السابق دونالد ترامب قبل ثلاثة أعوام، أوضحت إيران أنه لن تكون هناك عودة سريعة من جديد للاتفاق المعروف بخطة العمل الشامل المشتركة.
وقال وزير الخارجية الإيراني إن بلاده سوف تنضم للمباحثات فقط بعد أن تتخلى الولايات المتحدة عن العقوبات– وهو أمر استبعدته الولايات المتحدة مرارا وتكرارا.
وقال جيرارد أرود، وهو سفير فرنسي سابق لدى الولايات المتحدة والأمم المتحدة ساعد في عملية التفاوض بشأن العقوبات التي فرضت على إيران قبل التوصل لاتفاق عام 2015 إنه “قبل أي مفاوضات، هناك مرحلة الزهو، ولذلك فإن هذا ما نراه الآن من جانب إيران… فالجانبان يبحثان عن طريقة للعودة تتيح لهما حفظ ماء الوجه بالنسبة لمواطنيهما”.
وسواء كان ذلك تهيئة لأمر ما أم لا، فإن الإقبال والإدبار بين الدولتين يعد تذكيرا حادا بمدى الصعوبة التي ستكون عليها عملية إحياء الاتفاق النووي. إذ يبدو بعيد المنال أي هاجس بأن الرئيس جو بايدن بإمكانه إقناع إيران بسرعة العودة للالتزام بالاتفاق، مما يتيح للولايات المتحدة الانضمام إليه من جديد ثم التفاوض للتوصل لاتفاق أكثر قوة.
وذكر التقرير أنه ليس لدى إيران حافز كبير يدفعها لتقديم تنازلات في ظل احتمال تحقيق المحافظين مكاسب في انتخاباتها العامة التي ستجرى هذا الصيف. وتعني المعارضة من جانب الأعضاء الجمهوريين وبعض الديمقراطيين في الكونجرس أنه ليس بوسع بايدن أن يبدو ضعيفا حتى وهو يحاول العدول عن مسار استراتيجية عهد ترامب المتمثل في ممارسة ” أقصى ضغط” على إيران.
ويشير التقرير إلى أن الأطراف الأوروبية في الاتفاق رحبت بخطوة إدارة بايدن للعودة للدبلوماسية مع إيران وإحياء حوارها “الواثق والعميق” مع الولايات المتحدة. وحثت هذه الأطراف إيران على عدم مواصلة التهديدات بوقف عمليات التفتيش النووية المفاجئة، والمخاطرة بتقويض الجهود الدبلوماسية.
وقال دبلوماسي أوروبي كبير إن هناك الآن فرصة واقعية لتحقيق تقدم لكنه حذر من أن الكثير سوف يعتمد على الخطوات التي لدى إيران استعداد لاتخاذها، لا فتا إلى أن طهران لم تظهر أية دلالة قوية على أنها تريد العودة إلى الالتزام. وتتمثل الخطوة التالية الفورية في عقد الاتحاد الأوروبي للاجتماع الذي وافقت الولايات المتحدة على المشاركة فيه، على أمل أن يكون هذا الاجتماع دافعا لإيران والولايات المتحدة لاتخاذ خطوات فردية ربما يتم تنسيقها لإحياء الاتفاق، حسبما قال الدبلوماسي الأوروبي.
ومع ذلك، فقد ألمح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في تغريدة له أمس الجمعة إلى أن الإجراءات الأمريكية ليست كافية للغاية، وكرر المطالب بأن تقوم إدارة بايدن أولا بإلغاء العقوبات التي فرضها ترامب قبل أن تعيد إيران نشاطها النووي ليكون متفقا مع شروط الاتفاق النووي. واستخدم ظريف في تغريدته وسما يشير إلى أن أي اجتماع يعتمد على عودة الولايات المتحدة رسميا للاتفاق وإلغاء العقوبات أولا.
ويكشف الإقبال والإدبار بعض الحقائق غير المريحة- أبرزها أنه رغم العقوبات الأمريكية، ليس لدى إيران شعور قوي بأن هناك حاجة لسرعة العودة للإلتزام بالاتفاق في االقريب العاجل، وفقا لجون الترمان مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. وقال الترمان” أخشى أن يكون الإيرانيون على اقتناع بأن التوصل لاتفاق سوف يحرمهم من آخر ذرة لممارسة النفوذ… لذلك لست متأكدا من إمكانية اجتذاب الإيرانيين لاتفاق آخر، ومن المؤكد أنه ليس من الممكن تحقيق ذلك بسرعة”.
وكان الهدف من العرض الأمريكي لإجراء مباحثات هو استعادة مسار دبلوماسي مع إيران، التي تتخلى تدريجيا عن التزاماتها بمقتضى الاتفاق النووي منذ انسحاب ترامب من الاتفاق في عام 2018.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بسكاي للصحافيين الجمعة “إن الأمر يتعلق بإجراء مباحثات عن المسار المستقبلي”.
من ناحية أخرى، تخيم السياسة بظلالها بدرجة كبيرة على الجانبين. فالرئيس حسن روحاني يريد إنقاذ الاتفاق وإرثه قبل تركه منصبه في وقت لاحق هذا العام، لكنه مصمم على عدم الخضوع للمطالب الأمريكية. ويعارض خصومه المتشددون- الذين يسيطرون على معظم مؤسسات الدولة واسعة النفوذ في إيران والذين من المرجح أن يهيمنوا على الانتخابات الرئاسية في حزيران/ يونيو المقبل- أي ارتباط مع الولايات المتحدة ويريدون علاقات أكثر قربا مع روسيا.
وفي الشهر الماضي، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إنه إذا عادت إيران إلى الالتزام بالاتفاق، سوف تسعى الولايات المتحدة إلى التوصل إلى اتفاق” أطول أمدا وأكثر قوة” لمعالجة ما وصفه بالقضايا” المحفوفة بالمشاكل المعقدة.
واختتم الكاتبان تقريرهما بالقول إنه سوف يتعين على الجانبين، قبل كل شىء، الاتفاق على عقد اجتماع بينهما. وفي الأسبوع القادم يأتي أول اختبار للجهد المتجدد لتحقيق وفاق: حيث تقول إيران إنها سوف توقف السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالقيام بأي عمليات تفتيش مفاجئة وذلك من خلال وقف العمل وفقا لما يسمى بالبروتوكول الإضافي ابتداء من 23 شباط/ فبراير الحالي. وإذا تم ذلك، لن يكون المجتمع الدولي قادرا بدرجة كافية على رصد الطموحات النووية لإيران بدقة.