إسرائيل اليوم - بقلم: يوآف ليمور "يمكن أن ننظر إلى التقدير الاستخباري السنوي لشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” بطريقتين: الأولى متفائلة، وبموجبها تبدو خصوم إسرائيل، وعلى رأسهم إيران، بعيدة جداً عن المكان الذي أملوا الوصول إليه في النقطة الزمنية الحالية. الثانية متشائمة، وبموجبها لم تقلّ التهديدات ضد إسرائيل، بل تعاظمت في الفترة الأخيرة من نواحٍ عديدة. ويمكن الافتراض بأن رئيس “أمان” اللواء تمير هيمن، كان يفضل تعريفاً آخر، ثالثاً، والتقدير الذي عرضه على القيادة السياسية وقادة الجيش الإسرائيلي واقعي؛ إذ ليس كل شيء أسود، فكما أن المحيط مليء بالتهديدات، يتضمن الفرص أيضاً. بالمقابل، ومع أن 2020 كانت سنة هادئة (نسبياً)، لا يضمن الشرق الأوسط مستقبلاً مشابهاً.
مثلما في كل السنوات الأخيرة، تواصل إيران كونها المعمل شبه الحصري للاضطراب الإقليمي. صحيح أن “داعش” حي يرزق (ولا سيما في سوريا) وكذا القاعدة (في العراق وأفغانستان)، لكن طهران مسؤولة عن أساس الضرر. ومع أن مخططاتها تحتاج لأن تجتاز تكيفاً مع الواقع الذي فرض عليها – خصوصاً في ضوء تصفية قاسم سليماني، التي مست بخطواتها الاستراتيجية وبأدائها العملياتي التكتيكي – ولكن الاتجاه بقي كما كان: توسيع نفوذها الإقليمي من خلال فروعها التي تستخدمها في مكافحة أعدائها. هذا صحيح في اليمن تجاه السعوديين والإماراتيين، وهذا صحيح أيضاً في العراق تجاه الأمريكيين والسعوديين والسُنة، وهذا صحيح في سوريا ولبنان تجاه إسرائيل.
تباطأ النشاط الإيراني بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في إيران، الذي جاء نتاج العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليها. ويستهدف هذا “الضغط الأقصى” أساساً البرنامج النووي، ولكن شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” قلقة من أن يبدو تخفيضه ملموساً في المنطقة: مزيد من المال والوسائل القتالية ستضخ إلى مرعيي إيران، وستخدمها من خلالهم في الكفاح العنيف. أما في المجال النووي فنجد “أمان” أقل قلقاً؛ فبتقديرهم، تريد إيران العودة إلى الاتفاق النووي، وخطواتها الأخيرة تستهدف جمع الذخائر التي يمكنها أن تتاجر بها في المفاوضات المتوقعة مع الأمريكيين. واحتمال اقتحام إيران للنووي متدن جداً، وعلى أي حال فإنها ستحتاج إلى ما لا يقل عن سنتين حتى تتمكن من تفجير قنبلة نووية أولى.
وهذا التقدير يتدنى عن ذاك الذي تحدثت عنه واشنطن الأسبوع الماضي، حين حذر وزير الخارجية توني بلينكن من أن إيران “على مسافة أسابيع” من القنبلة. ففي حين أن معنى الادعاء الأمريكي هو نفاد الوقت، مما يوجب الحوار بالسرعة الممكنة مع الإيرانيين والوصول إلى اتفاقات، تدعي إسرائيل بوجود غير قليل من الوقت؛ بمعنى أنه لا يوجد ما يدعو للعودة إلى الاتفاق القديم والسيئ، بل يمكن استغلال هذا الوقت لتحقيق اتفاق أفضل يسد الثغرات الأصلية. بكلمات أخرى، تعتقد شعبة الاستخبارات “أمان” بأنه –دبلوماسياً- فليتعرق الإيرانيون بدلاً من أن يتعرق الأمريكيون.
يمكن أن نقرأ بين السطور بأن الطريق الصحيح لعمل ذلك، برأي “أمان”، هو السلوك الدبلوماسي السري مع الإدارة في واشنطن، وليس مثلما اختار رئيس الأركان أفيف كوخافي عمله – المناكفة العلنية. هذا دليل أول على خلافات الرأي المهنية (والصحة) في هيئة الأركان، وخير أن يرفعها رئيس “أمان” إلى السطح كما يفترضه منصبه.
محظور أن نفهم من ذلك أن “أمان” اختارت الطريق السهل المتمثل بالامتناع عن الغرب، فالعكس هو الصحيح: المعلومات الاستخبارية التي تقدمها كانت في السنة الماضية (وستكون أيضاً في الحالية) المحرك الأساس لاستخدام إسرائيل للقوة، لكل جسم، وفي كل جبهة. ولكن إسرائيل تفهم بأن الطريق تمر في واشنطن في المسألة الاستراتيجية لمعالجة النووي الإيراني، وكل خطأ في توجيه الخطى ستدفع ثمنه إسرائيل على طول كل الجبهة.