ما زال اُلعنف في مستويات خطرة في المجتمع الفلسطيني

الثلاثاء 09 فبراير 2021 11:33 ص / بتوقيت القدس +2GMT
ما زال اُلعنف في مستويات خطرة في المجتمع الفلسطيني



وكالة سما / خالد احمد /

يعتبر الُعنف إحدى الظواهر المجتمعية المنتشرة في غالبية مناطق العالم، ولا يقتصر على فئة عمرية معينة، وهو عبارة عن قوة جسدية أو لفظية أو حركية تصدر من طرف ما تجاه طرف آخر، فتلحق به الأذى النفسي والجسدي وربما الجنسي أيضاً، كما وتكثر النتائج السلبية التي يُعتبر الُعنف سبباً رئيسياً فيها مثل التخريب والتدمير والانتحار والقتل وغيرها.

 

والمشكلة ليست في وجود الُعنف في حد ذاته فهو موجود منذ خُلق الإنسان ،وإنما المشكلة تكمن في مساحة ممارسات الُعنف ،وازدياد جرائمه داخل الأسرة والمدرسة والجامعة وسوق العمل والتجمعات السكنية والنوادي ووسائل المواصلات على حد سواء ... الخ .

 

والُعنف يعرف لغة بأنه الشدة والقسوة، وتجتمع معاجم اللغة على وصفه بأنهُ "تعبير قاس يهدف للإصلاح والردع" ،و العُنف ضد الرفق، فالعنفُ هو المُعاملة بالقسوة والشِدة دون رفق وتلطف وكلمة الُعنف Violence" " مشتقة من الكلمة اللاتينية Viol are"" والتي تعني ينتهك أو يؤذي أو يغتصب فالعنف انتهاك أو أذى يلحق بالأشخاص والأشياء .

 

وعرفته منظمة الصحة العالمية في تقريرها العالمي الأول الخاص بالصحة والعنف بأنه   ( الاستخدام المتعمد للقوة البدنية الفعلية أو التهديد باستخدامها ضد الذات أو ضد شخص آخر أو ضد  مجموعة من الأشخاص أو المجتمع ككل مما يسفر عن وقوع إصابات أو وفيات أو إيذاء نفسي أو سوء  نمو أو حرمان أو قد يؤدي إلى ذلك  بشكل كبير) .

 

ويعرفه عالم الاجتماع "جوهان جولتن" بأنه ضرر يمكن تجنبه عند الوفاء بالاحتياجات الأساسية للإنسان مثل: البقاء وتعزيز الرفاهية والهوية والحرية .

 

ومن خلال جميع ما سبق يمكن تعريف الُعنف بأنه أي سلوك يؤدي إلى إيذاء شخص لشخص آخر ،وقد يكون هذا السلوك كلامياً نفسيًا (معنوياً) يتضمن أشكالاً بسيطة من الاعتداءات الكلامية أو التهديد ،وقد يكون السلوك فعليًا حركياً ( مادياً) كالضرب المبرح والاغتصاب والحرق والقتل ،وقد يكون كلاهماً وقد يؤدي إلى حدوث ألم جسدي أو نفسي
أو إصابة أو معاناه أو كل ما سبق.

 

 

 

 

ويظهر الُعنف في مجتمعاتنا في عدة أشكال :

 

أولاً :الُعنف المباشر :

  1. لفظي: وهو يتبدى في استخدام ألفاظ بذيئة أو جارحة ، علو للصوت ، حدة النبرة الصراخ والصخب ، أبواق السيارات بدون داع .
  2. جسدي: ويظهر في الخشونة في التعامل مع الدفع في الشوارع ووسائل المواصلات حتى يصل إلى التشابك بالأيدي لأتفه الأسباب أو استخدام الأسلحة والأدوات الحادة .

 

ثانياً: الُعنف الغير مباشر "العدوان السلبي" .

ويتمثل في اللامبالاة والتراخي والكسل وتعطيل المصالح والصمت والسلبية و الإهمال .... الخ . 

 

*********************

 

رغم تراجع ظاهرة الُعنف في آخر 8 سنوات في فلسطين

                             لكنها ما زالت في مستويات خطيرة

 

أما بخصوص ظاهرة الُعنف في مجتمعنا الفلسطيني فعلى الرغم من تراجعها خلال السنوات الثماني الأخيرة ، إلا أنها ما زالت مرتفعة بشكل مقلق وخطير حسبما أظهرت نتائج مسح للعنف في المجتمع الفلسطيني جرى ما بين شهري أذار مارس/ وأيار مايو من العام 2019م ونفذه الجهاز المركزي للإحصاء ،وهو الثالث من نوعه منذ إنشاء الجهاز وأُعلن عن نتائجه عبر المؤتمر الوطني لإطلاق نتائج مسح العنف في المجتمع الفلسطيني في مدينة رام الله في الرابع عشر من شهر تشرين ثاني نوفمبر من العام ذاته وأكدته كذلك الأحداث المأساوية التي شهدتها قرية عقب جبر التابعة لمحافظة القدس مطلع العام الحالي وأودت بحياة أربعة مواطنين من عائلة واحدة خلال شجار عائلي.

 

وخرج المسح بمجموعة واسعة من المؤشرات حول الُعنف، سواءً العنف المرتبط بالاحتلال وممارساته، أو الُعنف المجتمعي، بما في ذلك داخل الأسرة ، المدرسة ، الشارع ، وأماكن العمل ،ومراكز التسوق ،ويشمل مختلف أشكال الُعنف الجسدي والنفسي والجنسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى الإلكتروني .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ففي داخل الأسرة ، أظهرت نتائج المسح أن امرأة من بين كل ثلاث نساء (27%) تعرضت لواحد من أشكال العنف على يد الزوج، بواقع 17.8% عنف جسدي و56.6% تعرضن لعنف نفسي و8.8% لعنف جنسي، فيما بلغت النسبة الكلية لتعرض النساء المتزوجات أو اللواتي سبق لهم الزواج للعنف من قبل الزوج 37% في المسح السابق في العام 2011.

 

أما غير المتزوجين، فقد أظهرت النتائج أن 39% من أفراد المجتمع (18-64 عامًا) تعرضوا لعنف نفسي من قبل أحد أفراد الأسرة، فيما بلغت نسبة من تعرضوا للعنف الجسدي 15.6%.

 

ورغم التفاوت الملحوظ في التعرض للعنف بين الذكور والإناث في المراحل العمرية المتقدمة، إلا أن المعادلة تكون مقلوبة في عمر الطفولة (أقل من 18 عامًا)، سواءً في المدرسة أو في المنزل .

 

ولاحظ المسح أن الأطفال الذكور تحت عمر 11 عامًا، هم الأكثر عرضة للعنف من قبل الشخص المسؤول عن رعايتهم، إذ تعرض نحو 68% من الذكور ضمن هذه الفئة العمرية إلى العنف الجسدي خلال العام 2019، مقابل 62% للإناث ويلاحظ أن الأمهات أكثر عنفاً من الآباء ضد الأطفال.

 

وأظهر المسح نتائج مقلقة للعنف في المدارس، وخصوصًا ضد التلاميذ الذكور، إذ بينت أن 17% من الأطفال بين 12-17 عامًا تعرضوا للعنف الجسدي من قبل أحد المعلمين أو المعلمات، بواقع 26% للذكور تنخفض إلى 7% للإناث.

 

***************

العنف ظاهرة صعبة ومعقدة تحتاج لقوة خارقة

 

وخلال المؤتمر الوطني تحدثت رئيس الجهاز المركزي للإحصاء د. علا عوض: "بالرغم من انخفاض ظاهرة العنف لمعظم الفئات ولكافة الأشكال وفق نتائج المسح، إلا أنها تبقى مرتفعة وتستدعي منا الوقوف عندها، فالعنف لا سيما في مجتمعنا، يعد ظاهرة صعبة ومعقدة تحتاج إلى قوة خارقة وإرادة صلبة لنتمكن من صنع التغيير وإحداث اختراق حقيقي ينقلنا من مرحلة التوصيف للظاهرة إلى مرحلة العلاج الفعلي" .

 

 

 

 

 

واعتبرت عوض نتائج المسح "مدخلاً أساسياً لصناع القرار وراسمي السياسات في مختلف القطاعات، وفرصة للمختصين والباحثين بأخذ زمام المبادرة نحو إجراء المزيد من البحث والتحليل المعمق في نتائج المسح، لتسليط الضوء أكثر على واقع مختلف الفئات التي يغطيها المسح، فرسالتنا للجميع، بأن نتائج هذا المسح تشكل فرصة حقيقية لإحداث التغيير المطلوب عبر ترجمتها لخطط وبرامج وتدخلات تسهم في الحد من ظاهرة العنف ومحاصرتها ومعالجتها".

 

وهناك أسباب كثيرة لظاهرة العنف ولا يمكن تفسيرها بمتغير أو عامل واحد فقط فالمؤكد أن هناك مجموعة من العوامل تتفاعل بل تتداخل وتترابط وتؤثر في بعضها البعض سلباً أو إيجاباً فيما بينها ليتفجر العنف ، لذلك عند محاولة إيجاد الحلول يجب البحث عن العوامل غير المباشرة التي تقف خلفها وعدم الاكتفاء بالعوامل المباشرة ، وهناك أسباب كثيرة تؤدي  إلى العنف نذكر منها :ـــــــ

 

***************

 

 

أسباب الُعنف

 

1. التعرض للعنف الأسري، كالعنف من قبل أحد أفراد العائلة أو مشاهدة الإنسان لأفعال عنف أمامه وقت الصغر .

2. الأجواء الأسرية الصعبة والمتوترة طوال الوقت والتي يتعرض فيها الطفل أو الأم إلى التعنيف المستمر والإيذاء البدني أو اللفظي.

3. الفقر وعدم وجود عدالة اجتماعية وانتشار البطالة بين الشباب وقلة فرص العمل، فمن المعروف أن الفراغ يخلق حالة سلبية للشخص وعدم وجود العدل يشعر الإنسان بالسخط وبالتالي يؤدي إلى قيامه بأفعال غير صحيحة وغير مسؤولة.

4. ضعف سلطة القانون مما يحذو بأفراد المجتمع للجنوح نحو العائلة أو العشيرة والتمترس خلفها طلباً للحماية ،وبالتالي يصبح المجتمع عبارة عن تكتلات وجماعات متنازعة تعيدنا للأيام الغابرة ويصبح الولاء للوطن والمجتمع ضعيفاً.

5. الثقافة المنتشرة عبر وسائل الاتصال والتي تبث المشاهد العنيفة والدموية .

6. التعصب للأحزاب والفرق السياسية المختلفة .

 

 

 

 

7. عدم وجود فهم صحيح للدين ،وما نتج عنه من انتشار للجماعات المتطرّفة التي لا تمت للدين  بصلة ،وتحتكر الصواب ،وتعتبر غيرها من الأحزاب الأخرى على خطأ ،بل على باطل .

8. المقارنات التي تُعقد بين الفرد وبين غيره من الأفراد تؤدي إلى الحقد والضغينة .

9. الحسد والغيرة من الأشخاص الآخرين الذين يمتلكون أموراً لا يمتلكها الشخص نفسه.

10. قضاء العديد من الساعات مع رفاق السوء الذين يتميزون بأفكارهم الشريرة وطباعهم القاسية والعنف في تعاملاتهم.

 

11. عدم احترام الآخر ،وعدم سيادة ثقافة الحوار مع المختلف، الأمر الذي ينشر البغضاء والأحقاد بين الناس ويزيد من فرص ارتكاب الجرائم والعنف .

12. الشعور بالنقص لأسباب كثيرة مثل قلة الإمكانيات المادية والاجتماعية مما يولد شعوراً بالحقد والنقمة على الآخرين ويستخدم الشخص العنف للتعبير عن هذه المشاعر السلبية لذلك يجب على الأبوين في هذه الحالة غرس قيم القناعة والرضى في نفوس أبنائهم.

13.  قلة البرامج الهادفة والتوعوية والتي تهدف إلى غرس روح المحبة والتعاون بين أفراد المجتمع.

***********

خلاصة

 بات من الواجب توعية الناس بخطورة هذه الظاهرة  والعمل على زرع ثقافة التسامح والمحبة فيما بينهم ، مع إعلاء سيادة القانون وتطبيقه على جميع  دون تمييز وبشكل صارم حتى لا يتم أخذ القانون باليد  فحسب فقهاء القانون "القانون يضطلع  بدور أساسي في حفظ لحمة المجتمع والحفاظ على استقراره وتماسكه عن طريق توفير العدالة والأمن والحرية" ، والحد من سلطات القضاء العشائري في الوقت عينه مع توفير عدالة اجتماعية " فعند ذلك كله  ستنخفض وتيرة  العنف رويدًا رويدًا .