أعلن الرئيس الأميركي جوزيف بايدن مراراً بأنه ينوي العودة للاتفاق النووي مع إيران، لكنه كان يضيف دائماً جملة غامضة في تصريحاته تعبر عن رغبته في استخدام الاتفاق السابق لاتفاق أوسع يشمل برنامج إيران الصاروخي ونفوذها المتزايد في المنطقة العربية.
هذه الرغبة عبر عنها أيضا وزير الخارجية الأميركي توني بليبكن عندما وافق مجلس الشيوخ على تعيينه، حيث قال إن ادارته تريد استخدام العودة للاتفاق إذا قامت إيران بإلغاء جميع نشاطاتها النووية التي خرقت الاتفاق منذ خروج أميركا – ترامب منه العام ٢٠١٨، مضيفاً إن ذلك سيمهد الطريق لاتفاق «أقوى» يضمن عدم تمكين إيران في أي وقت من انتاج سلاح نووي ويتضمن أيضا برنامجها الصاروخي ودعمها لحلفائها في الإقليم.
إيران من جانبها أعلنت بأنها ليست الطرف الذي خرج من الاتفاق وإذا كانت أميركا- بايدن راغبة في العودة اليه فإن عليها أن تبادر بذلك وبعدها ستقوم إيران بالتراجع عن الخطوات التي اتخذتها الى الآن في برنامجها النووي، وأهمها زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم. بعض الأطراف في إيران تطالب أيضا بتعويضات مالية عن الحصار الاقتصادي المتشدد الذي فرض عليها من قبل أميركا- ترامب.
هنالك إذاً مسألتان في عودة أميركا للاتفاق النووي: واحدة تقنية والأخرى جوهرية.
التقنية تتعلق بالطرف الذي عليه أن يبادر بالالتزام بالاتفاق النووي. هل تعود إيران للالتزام به حتى تعود أميركا اليه، أم تعود أميركا اليه ثم تقوم إيران بإلغاء ما قامت به من خروقات.
هذه مسألة ليست جوهرية ويمكن للطرفين عبر قنوات التفاوض بينهما الاتفاق عليها، وقناعتنا بأن لدى الطرفين النية والقدرة على تجاوز هذه العقبة.
المشكلة الأكبر تتعلق في توسيع الاتفاق ليشتمل على برنامج إيران الصاروخي وعلى دعمها لحلفائها في المنطقة أو لما يقول عنه خصوم إيران بـ «سلوكها المزعزع للاستقرار في الاقليم».
المسألة هنا أكثر تعقيداً وهنالك ما يكفي من الأسباب للقول بأن إيران سترفض أي اتفاق مع أميركا على هاتين المسألتين.
أحد أهم الأسباب هو تجربة إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية الأولى (١٩٨٨٠-١٩٨٨). خلال تلك الحرب قام العراق خلال حكم صدام حسين بتدمير المطارات والطائرات الحربية الإيرانية في بداية الحرب، وبعد أن فشل العراق في تحقيق انتصار على إيران بداية من العام ١٩٨٢ قام العراق وعلى مدار سنوات بضرب إيران بصواريخ سكود.
بلا طائرات أو صواريخ مضادة، وبلا حلفاء في العالم يزودنها بما يلزمها لمواجهة العراق، تولد شعور عام في إيران بعد نهاية الحرب، بأن ما حدث خلال الحرب لن يتكرر ابداً. لذلك انكبت إيران بعد الحرب على تطوير قدراتها العسكرية وتحديداً في مجالي الصواريخ والأسلحة الجوية بشكل كبير.
اليوم تمتلك إيران قدرات عسكرية تقليدية لا تمتلكها معظم الدول الإقليمية باستثناء إسرائيل. إيران لديها صواريخ بالستية دقيقة تصل لمسافة الفي كيلومتر، غواصات وزوارق حربية من صناعتها، طائرات متقدمة بدون طيار، وهي تمكنت فوق ذلك من ارسال قمر صناعي تجسسي للفضاء وهي تسعى لتوظيف قدرتها الفضائية لتعزيز قدراتها العسكرية التقليدية.
العلاقة بين القدرات العسكرية التقليدية وتحديداً الصاروخية والأسلحة النووية مباشرة. إذا امتلكت إيران أسلحة تقليدية متقدمة يمكنها توظيفها لحمل رؤوس نووية فإن كل ما عليها هو انتاج تلك الرؤوس النووية في ساعة الصفر.
بالنسبة لإيران ساعة الصفر قد تأتي في أي وقت: هجوم إسرائيلي مباغت، تغيرات إقليمية تؤدي الى حرب شاملة، تغيرات دولية مثلما حدث بعد هجمات ١١ أيلول والتي راح العراق ضحية لها.
في العقلية الإيرانية، سواء خلال حربها مع العراق أو من الحرب الاميركية على العراق العام ٢٠٠٣، إيران بلا وسائل دفاع كافية ورادعة، هي عرضة للحرب عليها ونظامها واستقلالها السياسي في خطر. لذلك إيران لن تفرط في برنامجها الصاروخي مهما كانت الأسباب ومهما كانت الضغوط.
السبب الثاني الذي يمنع إيران من ادراج بند نشاطاتها الإقليمية في أي اتفاق نووي جديد مع إيران له ركيزتان:
الأول له علاقة بسياستها الدفاعية. إيران ترى بأن وجود حلفاء لها في المنطقة العربية مستعدون لمحاربة إسرائيل وأميركا سيمنع أي حرب عليها. بلغة أخرى، كلما كانت ساحة أي حرب محتملة أكبر، قلّت احتمالات قيام إسرائيل او الولايات أو كليهما بشن حرب على إيران. لذلك ترى إيران أن دعم حلفائها في سورية، العراق، اليمن، لبنان وفلسطين مسألة ضرورية وحيوية لأمنها الذاتي.
إيران لا تساعد حزب الله او النظام السوري او الحشد الشعبي او أنصار الله او حماس والجهاد الإسلامي لأسباب عقائدية ولكن لأسباب تتعلق باستراتيجيتها الدفاعية.
الركيزة الثانية لها علاقة بحالة الانهيار التي يعاني منها النظام العربي. مثل أي دولة إقليمية إيران لها مصلحة في أن تخدم نتائج الصراعات في سورية والعراق واليمن مصالحها.
وجود حلفاء لإيران في الحكم في العراق وسورية ولبنان واليمن يعزز المصالح الإيرانية ويمنع هذه الدول على الأقل من أن تكون مصدرا لزعزعة أمنها: أو ليس هذا ما تسعى له تركيا في سورية مثلاً، والعربية السعودية في اليمن؟.
لكل ما سبق، من المستبعد جداً أن تقبل إيران تضمين أي اتفاق مع أميركا على برنامجها النووي شروطاً جديدة.