هآرتس تتساءل: لماذا يسعى "أبو مازن" لإحكام قبضته على جهاز القضاء في السلطة الفلسطينية؟

السبت 30 يناير 2021 04:50 م / بتوقيت القدس +2GMT
هآرتس تتساءل: لماذا يسعى "أبو مازن" لإحكام قبضته على جهاز القضاء في السلطة الفلسطينية؟



القدس المحتلة /سما/

هآرتس - بقلم: عميرة هاس   "اثنان من ثلاثة أوامر رئاسية جديدة تتعلق بجهاز القضاء الفلسطيني، يزيدان من تدخل السلطة التنفيذية في جهاز القضاء، ويكرسان بصورة قانونية اعتماد القضاة على الجهات السياسية والأمنية الفلسطينية. نقابة المحامين الفلسطينية تقوم منذ أسبوعين بسلسلة خطوات احتجاجية، منها عدم الظهور في المحاكم وإجراء المظاهرات، مطالبة بإلغاء هذه الأوامر. وقد سبق المراسيم الرئاسية تاريخ طويل من التدخل الفعلي للرئيس الفلسطيني محمود عباس وأجهزة الأمن الفلسطينية في تشكيل المحاكم، إلى جانب التدخل في أحكامها وتجاهل هذه الأحكام.

وقع محمود عباس المراسيم الجديدة، التي لها قوة القانون في ظل غياب المجلس التشريعي، ونشرت رسمياً في 11 كانون الثاني، أربعة منها جاءت قبل نشر المرسوم الرئاسي بشأن انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني (البرلمان). إن تقارب هذه التواريخ يزيد تشكك رجال القانون ومنظمات حقوق الإنسان الفلسطينية بأن الأمر يتعلق باختطاف متعمد، وأن جهات في حزب السلطة (فتح) ليست جدية فيما يتعلق بالانتخابات أو بجوهرها الديمقراطي: لو كانت هناك نية حقيقية لاستئناف نشاطات المجلس التشريعي، الذي كان مشلولاً منذ 2017 وتم حله قبل سنتين، لما كانت هناك حاجة إلى المسارعة وإصدار مراسيم رئاسية. إضافة إلى ذلك، صدر في 2002 قانون الجهاز القضائي بعد مناقشات مهنية بين رجال قانون وأعضاء المجلس التشريعي في حينه، وهو قانون اعتبر أحد أفضل القوانين في الدول العربية. وحسب القانون الأساسي الفلسطيني (الذي يعتبر نوعاً من الدستور)، فإن المراسيم الرئاسية يتم إصدارها فقط في حالات الطوارئ، وليس هذا هو الوضع الحالي.

أحد هذه المراسيم الثلاثة يغير ويستبدل قانون الجهاز القضائي الصادر في 2002، والأمر الثاني يؤسس محاكم للشؤون الإدارية، كي تحل محل محكمة العدل العليا. المبدأ الأساسي في المرسومين هو أن رئيس السلطة الفلسطينية هو الذي يختار رؤساء الهيئات القضائية العليا ونوابهم من بين عدة قضاة مرشحين. هذا خلافاً للقانون الصادر في 2002 الذي نص على أن يتم تعيينهم بشكل تلقائي حسب الأقدمية، والرئيس فقط هو الذي يصادق على التعيين. ومن يقدم المرشحين للرئيس هو “مجلس القضاء الأعلى”، الذي يعين القضاة في جميع الهيئات، وهو المسؤول من ناحية إدارية ومالية عن جهاز المحاكم وأدائها.

على رأس مجلس القضاء الأعلى يقف رئيس المحكمة العليا ونائبه وقضاة كبار في هيئات مختلفة ونائب وزير العدل والنائب العام. السلطة المعطاة لرئيس السلطة الفلسطينية في اختيار رؤساء المحكمة العليا، تخلق اعتماداً لهم به. بدوره، فإن مجلس القضاء الأعلى حصل الآن على صلاحيات لم تكن له في السابق: سيكون بإمكانه إقالة قضاة بعد الثلاث سنوات الأولى من تعيينهم. التفسير الرسمي لذلك هو الحاجة إلى الحرص على مهنية القضاة وجودتهم. ولكن فعلياً، يقول رجال قانون ونشطاء حقوق إنسان، سيجبر سيف الإقالة هذا القضاة على إرضاء مجلس القضاء الأعلى، الذي سيكون عليه إرضاء رئيس السلطة الفلسطينية. المرسوم الرئاسي أيضاً يعطي مجلس القضاء صلاحية نقل قاض من منصبه وتعيينه في وظيفة غير قضائية، مثل مستشار قضائي في هذه الهيئة الحكومية أو تلك. وسيكون من صلاحيات المجلس تشكيل لجنة من ثلاثة قضاة يمكنها أن تحيل زملاءهم إلى التقاعد، بعد أن استمروا في مناصبهم 15 سنة على الأقل، وقبل وصولهم إلى سن التقاعد حسب المرسوم الجديد (70 سنة). ومن صلاحيات المجلس أيضاً فرض التقاعد المبكر على القضاة قبل الوقت المحدد بخمس سنوات، والحصول على 50 في المئة من راتبهم.

صلاحيات المجلس هذه لا تسلب القضاة أمنهم الوظيفي والمهني فحسب، بل وتشير إليهم بأنه لا يجدر بهم إظهار الاستقلالية في أحكامهم، خصوصاً في الملفات المرتبطة بأجهزة الأمن والقرارات الرسمية على أنواعها. وليس هذا مجرد شك؛ ففي السنة الماضية أقيل أربعة قضاة، من بينهم قضاة بقي لهم بضع سنوات على موعد التقاعد. ولم يكن لعدد منهم أي نقاش فيما يتعلق بمهنيتهم، ولكنهم قضاة أصدروا أحكاماً لم ترق لرغبة السلطات أو أنهم انتقدوا تدخل السلطة التنفيذية والرئيس عباس في عملهم وعمل المحاكم، وأنهم كانوا أعضاء في نقابتهم المهنية، نادي القضاة.

المرسوم الثاني يشكل محاكم إدارية، وهي هيئة جديدة يكون من صلاحياتها مناقشة التماسات ضد جهات حكومية ومؤسسات رسمية أخرى. قال أحد كبار القضاة المقالين للصحيفة: بهذا ألغيت محكمة العدل العليا فعلياً، التي كان من صلاحياتها مناقشة التماسات ضد المؤسسات الحكومية وسياسة الحكومة.

حسب المرسوم، رئيس السلطة هو الذي يعين الرئيس ونائب الرئيس لمحكمة الشؤون الإدارية والقضاة في هيئة الالتماسات. ولرئيس السلطة أيضاً صلاحية تعيين قضاة في هذه الهيئة ممن كانوا يعملون كمستشارين قضائيين في وزارات حكومية. رجال القانون المستقلين يخافون من أن تكون لدى هؤلاء القضاة محاباة مسبقة لصالح المؤسسة الحكومية، وضد المواطن. الشكوك تجاه دوافع عباس ومقربيه عالية جداً، إلى درجة أن منظمات حقوق إنسان تخشى أن تُستغل هذه المحكمة لتخريب إجراء الانتخابات. “حسب المرسوم، فإن من صلاحيات محكمة الشؤون الإدارية مناقشة التماسات ضد لجنة الانتخابات العامة. إذا أرادت السلطة التنفيذية عدم إجراء الانتخابات، فيمكنها أن تقف سراً من وراء فلان الذي سيجد ذريعة معينة لتقديم التماس ضدها”، قال أحد أعضاء هذه المنظمات، للصحيفة.

وثمة انتقاد آخر يتعلق بالعبء المالي الذي يفرضه تشكيل المحاكم الجديدة. ففي المظاهرة التي جرت أول أمس في مجمع المحاكم في رام الله، قال متحدثون بأنه يجب الاستثمار في إضافة محاكم في المناطق البعيدة، وليس في تشكيل محاكم جديدة. وجه المتحدثون في المظاهرة إصبع الاتهام نحو رئيس المحكمة العليا ومجلس القضاء الأعلى، عيسى أبو شرار، لأن المرسوم الرئاسي ينص على أن سن التقاعد للقضاة هو 70 سنة، ولكن محمود عباس استثنى أبو شرار ابن الـ 85 سنة.

سابقاً، عارض أبو شرار تدخلات السلطة التنفيذية في جهاز القضاء، والناس يجدون صعوبة في تفسير التغيير الذي حدث في موقفه. في مظاهرة أول أمس، هتف المحامون “ارحل، ارحل”، وكان هو المقصود. الأمر الأول الذي أصدره أبو شرار بعد نشر المراسيم الرئاسية الجديدة، هو منع القضاة من التعبير عن مواقفهم بشكل علني. قال المحامون إن أبو شرار، الذي كان قاضياً عسكرياً في عهد الحكم الأردني، يكثر من الإشارة إلى الجودة المتدنية، حسب رأيه، للقضاة الفلسطينيين، وهو الانطباع الذي نقله لمحمود عباس. وإذا كان هناك محامون ورجال قانون ومنظمات حقوق إنسان يوافقون على وجود أساس لهذا الانتقاد، فإنهم يقولون إن الإصلاح المطلوب لا يمكن أن يستند إلى هذا النبش الذي تقوم به السلطة التنفيذية في جهاز القضاء.

من ينتقدون المراسيم قالوا إنها كُتبت ونشرت بدون مشاورة المجتمع المدني وبدون أي نقاش عام حولها، خلافاً لإجراءات التشريع في البرلمان، التي دائماً ما تشرك أجزاء مختلفة في المجتمع خارج منتخبي الجمهور. حتى الآن، لم تسمع أي أقوال للتفسير أو التهدئة من جانب مقربي عباس أو من الشخص، الذي -حسب التقديرات- صاغ المراسيم، وهو علي مهند، المستشار القانوني للرئيس، الذي كان في السابق وزير العدل ورئيس المحكمة العليا ورئيس مجلس القضاء الأعلى.

من أجل تعقيد الأمور، فإن احتجاج نقابة المحامين، التي يتماهى ثمانية أعضاء فيها مع “فتح” من بين 9 منتخبين، يتم تحريكه أيضاً بواسطة العداوة بين كبار شخصيات الحركة ورجال أجهزة الأمن الفلسطينية الذين يقفون من وراء معسكرات مختلفة في النقابة. بعض الأشخاص يذكرون توفيق الطيراوي، الذي كان في السابق رئيس المخابرات العامة، كصاحب التأثير الأكبر على نقابة المحامين. الطيراوي خصم لشخصين رفيعين مقربين جداً من عباس: حسين الشيخ، وزير الشؤون المدنية. وماجد فرج، رئيس المخابرات العامة الحالي. ويخشى محامون غير حزبيين، من الذين يعارضون المراسيم، أن يصبح لهم -فعلياً- دور في صراعات القوى داخل حركة فتح، إذا ما انضموا إلى هذه الاحتجاجات. ومع ذلك، يشاركون الدعوة إلى إلغاء المراسيم. التحالف الوطني من أجل الإصلاح القضائي والهيئة المستقلة لحقوق الفرد، نشرت بياناً مشتركاً جاء فيه: “هذه المراسيم تسعى إلى تقويض الجهود لإجراء إصلاحات في جهاز القضاء، وتخضعه للسلطة التنفيذية… تتضمن المراسيم نصوصاً قانونية تمس باستقلالية القضاة بصورة أساسية، وتسلبهم الضمانات الأكثر أهمية لاستقلاليتهم، عن طريق تشويه مبدأ الحصانة من الإقالة التعسفية”.