إسرائيل «تجر شكل» إيران..رجب أبو سرية

الجمعة 29 يناير 2021 05:42 م / بتوقيت القدس +2GMT
إسرائيل «تجر شكل» إيران..رجب أبو سرية



رغم أن إسرائيل ليست طرفاً في الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه عام 2015 في عهد الرئيس باراك أوباما، بين كل من إيران ومجموعة الدول الخمس + واحد، وهي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي إضافة الى ألمانيا، إلا أن الدولة المارقة، أي إسرائيل، نظرت لذلك الاتفاق نظرة الريبة وعدم الرضا، وبعد عام فقط، دخلت من الشق الموارب، وهو فوز دونالد ترامب بالبيت الأبيض، لتقوم بتحريضه على الاتفاق، ومن ثم دفعه الى الانسحاب بالولايات المتحدة منه، ولم تكتف إسرائيل بذلك، بل أشاعت أجواء التوتر في الشرق الأوسط، بالسعي لعدم إقفال ملف الحرب في سورية، باستمرار الاعتداءات عليها، ثم بمواصلة النفخ في بوق العداء بين إيران وجاراتها الخليجية، لتحقيق مصالحها الاحتلالية بطي الملف الفلسطيني دون تحقيق الحقوق الفلسطينية المشروعة.
مع مرور الوقت اتضح للمؤسسات الأميركية الحاكمة بأن ترامب سعى وراء مصالح إسرائيل، بل حتى اليمين الإسرائيلي المتطرف، تنفيذاً لما تهمس به في أذنه الجوقة المتصهينة التي احاطت به، والتي توافقت تماماً مع نتنياهو وحلفائه في اليمين المتطرف الإسرائيلي، اكثر مما سعى من أجل المصالح الأميركية ذاتها، الأمر الذي تراجع بمكانة بلاده في المنطقة، وحشرها مع حكومة إسرائيلية رافضة للسلام، الذي لا يمكنه ان يتحقق إلا عبر مروره الإجباري بالممر الفلسطيني، ما دفع المؤسسات الأميركية وفي مقدمتها المؤسسة الأمنية الى إسقاطه، وطرده بشكل مهين من البيت الأبيض.
وهكذا وجدت إسرائيل، المحكومة حالياً من قبل اليمين المتطرف الذي ما زال يحلم بتحقيق الإمبراطورية الصهيونية عبر التوسع والسيطرة على كل الشرق الأوسط، نفسها في مشكلة، ذلك ان جو بايدن يدرك تماما، وعلى عكس ترامب بنسبة 100%، بأن مصالح اليمين الإسرائيلي لا تنطبق تماماً، بل لا تعني بالكامل مصالح الولايات المتحدة، لذا اعلن صراحة بأنه سيراجع، بل سيتراجع عن تلك السياسة التي سار عليها سلفه، فيما يخص ملفي الشرق الأوسط، اي الملف الفلسطيني، والملف الإيراني وما بينهما من ملف التطبيع.
ولم تتلعثم إدارة بايدن، ومنذ اليوم الأول لدخول الرئيس الديمقراطي السادس والأربعين للبيت الأبيض، شرع فوراً في توقيع الأوامر التنفيذية الخاصة بالوضع الداخلي، فيما كان أركان إدارته يعلنون تباعاً، عن تمسكهم بالاتفاق مع إيران، وعن العودة عما عبث به ترامب بالملف الفلسطيني، فاعلنوا بوضوح بان بايدن سيعيد فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وسيعيد صرف أموال الدعم للمؤسسات الفلسطينية، كما انه سيعيد فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، والتي هي بمثابة «سفارة أميركية» لدى دولة فلسطين، وانه سيقف ضد رعاية الاستيطان باعتباره عملاً أحادي الجانب، وانه يتمسك بحل الدولتين، وان صفقة ترامب التي بذلت إدارته جل وقتها من اجل فرضها، لم تعد على الطاولة، بل حتى انه سيراجع وعود ترامب للعرب مقابل التطبيع، وذلك بهدف التراجع عما قام به ترامب من دفع فاتورة التطبيع من الجيب الأميركية، لكل من الإمارات ببيع طائرات اف 35، ومن شطب السودان من قائمة الإرهاب بالتنازل عن مطالب تعويض عائلات أميركية فقدت بعض أفرادها، بدعوى تسبب السودان في مصرعهم، وبالطبع اعتراف أميركا بمغربية الصحراء المتنازع عليها مع البوليساريو.
حكومة نتنياهو كانت على وعي بأن التغيير في ساكن البيت البيض، سيكون بمثابة كابوس بالنسبة لها، لذا ومنذ ان أكدت صناديق الاقتراع يوم السادس من تشرين الثاني الماضي فوز بايدن، شرعت على الفور في محاولة فرض «منجزات ترامب» كحقائق أمر واقع يستحيل على بايدن التراجع عنها، وهي سارعت على الفور بدفع المغرب للصعود الى قطار التطبيع، الذي دفعت به أصلاً قبل ذلك بشهرين فقط، حين بدأت إشارات خروج ترامب من البيت الأبيض تأتي تباعاً.
وبدأت إسرائيل مسلسل استفزاز إيران لدفعها لتوتير الأجواء، وكان احتمال ان يقدم ترامب اليائس من نتيجة الانتخابات وقبل مغادرته البيت الأبيض، على شن الحرب في الخليج وارداً، بحيث ينشغل بايدن بمساراتها او حتى بنتائجها، وطي ملف الاتفاق النووي، فقامت باغتيال العالم النووي محسن فخري زادة، في قلب طهران، لكن إيران ورغم ما لديها من أسباب القوة الإقليمية والذاتية، ضبطت النفس لتفوت تلك الفرصة، فيما إسرائيل ما زالت تحاول ان تبقي على التوتر الإقليمي، بما يحول دون إطلاق الحوار بين الطرفين، خاصة بعد ما أبدته إدارة بايدن من مرونة فيما يخص معاهدة ستارت 3 مع روسيا.
إسرائيل اليوم تبدي ضيق ذرع واضحاً، فنتنياهو اعلن بوضوح مؤخراً بأنه لا يجب ان تمتلك إيران السلاح النووي، فيما رئيس أركانه يقول بصراحة بانه لا يجب العودة للاتفاق بل بتوجب تشديد العقوبات على إيران، وكأن إسرائيل تفرض ما تريده على الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، بل وعلى العالم بأسره !
واضح ان الفجوة بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي كبيرة، وحيث ان سفير إسرائيل في الولايات المتحدة نصح بعدم التصادم مع واشنطن، فإن السؤال هنا، هو ماذا يمكن لإسرائيل ان تفعله لتفرض موقفاً مختلفاً على واشنطن؟ فقد هددت بوضوح بتدمير المنشآت النووية الإيرانية، وان كان هذا مستبعداً، فإسرائيل تفضل دائماً ان تحارب أميركا عنها حروبها التي لا طاقة لها بها، لكن غارات جوية خاطفة على تلك المنشآت وبغض النظر عما ستحققه، ستدفع إيران لإطلاق صواريخها البالستية تجاه إسرائيل، والعالم بما فيه أميركا لن يسارع للدفاع عن إسرائيل، بعد ان تكون قد اعتدت على إيران، وخرجت عن المسار التفاوضي الدولي معها، لكن إسرائيل من خلال كل ذلك اللغط، تسعى لتحقيق اقل الخسائر، اي عدم ترك بايدن يعيد ترتيب الأمور كما لو ان إدارة ترامب لم تكن.
وتسعى إسرائيل الى ان تكون شريكاً وإن كان من خارج الطاولة في الاتفاق، وإدخال التعديلات الخاصة بالصواريخ البالستية ضمن تلك الاتفاقية، ومجرد ان تتلقى اتصالاً من البيت الأبيض، بضبط النفس، ستطالب بثمن ما، في الملف الإيراني نفسه، او فيما يخصه من ملف التطبيع، او حتى فيما يتعلق بالملف الفلسطيني.