في ظل أجواء التفاؤل الحذر حول إجراء الانتخابات التشريعية، يتطلع الناس في الضفة الغربية وقطاع غزة، لتغيير ظروف حياتهم اليومية والمعيشية بمجرد انتخاب مجلس تشريعي جديد وحل مشكلات الناس المستغصية منذ بداية الإنقسام الفلسطيني.
وفي إنتظار نتائج حوار القاهرة تترد الأسئلة حول مدى جدية إجراء الإنتخابات وما قد يسفر عنه، وكذلك البدء بالإستعداد للانتخابات من فئات مختلفة. في حين أن المتابع للفصائل الفلسطينية المختلفة بما فيها حركة حماس لا يشعر باستعدادات والتحضير للإنتخابات، على الرغم من عقد عدد كبير من اللقاءات والندوات من المهتمين بالشأن العام بمشاركة الفصائل.
تدور النقاشات حول التحديات التي ستواجه العملية الانتخابية، وما بعد العملية الانتخابية، في ظل انقسام سياسي وما افرزه من نتائج خطيرة وتداعياته قائمة وستسمر طويلاً، والاستبداد في الحكم والسيطرة على الناس والفساد وغياب تكافؤ الفرص.
وأصبحت أنماط انتهاكات حقوق الإنسان سمة أساسية من سمات النظام الفلسطيني، بدء من انتهاكات الحق في الحياة وليس انتهاء بإنتهاك الحق في التجمع السلمي، ومنع عقد الاجتماعات أو الاستدعاءات والاعتقالات والتعذيب والاعتداء الجسدي والمعنوي، وتقييد الحركة. وفض التجماعات بالقوة.
إضافة إلى الإنتهاكات التي طالت منظمات المجتمع المدني، والحق في تشكيل الجمعيات والانضمام إليها وتقييد عملها والتدخل بشؤونها وتغيير مجالس ادراتها واغلاقها، في تعد واضح على الحق في حريـة تكوين الجمعيات التي تعتبر عنصـرا أساسيا من عناصر الديمقراطية، من خلال تأسيس أحزاب سياسية.
وخلال السنوات الماضية كان إنتهاك الحق في حرية الرأي والتعبير سمة وجريمة ارتكبها النظام الفلسطيني وحرمان المواطنين من التعبير والتمتع بالحق في حرية الرأي والتعبير.
وتعرض هذا الحق للانتهاك من خلال تقييد مجموعة من الحريات من ضمنها حرية الصحافة والإعلام، وحرية تأسيس وسائل الإعلام وحرية النشر والبث وحرية العاملين في المجال الإعلامي وحرية تداول والوصول للمعلومات، ومن انماط انتهاكات حرية الراي والتعبير الاعتقال لصحافيين ومدونين على خلفية تعليقاتهم وابداء آرائهم بشأن قضايا سياسية واجتماعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات والمواقع الالكترونية.
وساد الاحتجاز التعسفـي الإداري الذي أستخدم كوسيلة لتخويف الأفراد ومضايقتهم ومعاقبتهم، وكانت أبرز أشكاله في قطاع غزة على خلفية الإنقسام السياسي والتواصل مع رام الله وفي الضفة الغربية ما يسمى الاحتجاز التعسفي والتوقيف على ذمة المحافظين.
وشاهدنا خطاب الكراهية والتحريض على العنف وتداعياته الخطيرة على المجتمع الفلسطيني.
والاخطر هو مصير وشكل السلطة القضائية في ظل استباق الرئيس الانتخابات باصدار ثلاثة قرارات بقوانين تعنى بتنظيم وإعادة تشكيل السلطة القضائية، وهي القرار بشأن تعديل قانون السلطة القضائية والقرار بقانون بشأن تشكيل المحاكم النظامية، والقرار بقانون بشأن المحاكم الإدارية، في استمرار لنهج إصدار قرارات بقانون في ظل استمرار غياب المجلس التشريعي، والتي بلغت أكثر من 270 قرار بقانون منذ العام 2007 حتى يومنا هذا.
ووفقا لبيان الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان إن القرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائية، والقوانين الجديدة بشأن تشكيل المحاكم النظامية والمحاكم الإدارية، انطوت على نصوص تشريعية من شأنها المساس بشكل جوهري باستقلال القاضي الفرد، وجردت القضاة من أهم ضمانات استقلالهم، لا سيما إهدارها لمبدأ عدم قابليتهم للعزل.
فالقضاء هو ملاذ الأفراد الأخير في مواجهة السلطات العامة، وهو لا يكون كذلك إلا إذا كان القضاة مستقلين، ولا يتحقق ذلك إلا بتوفير ضمانات تحميهم من أن يعزلوا بدون مبررات قانونية مشروعة ووفق ضمانات إجرائية وموضوعية واضحة، والسماح بعزل القضاة واحالتهم للتقاعد او الاستيداع، بموجب إجراءات لا توفر ضمانات كافية ضد التعسف في استخدام السلطة من قبل المجالس القضائية.
وعلى ضوء ذلك والحديث عن الانتخابات وضمانات النزاهة والشفافية وعلى قاعدة المساواة وعدم التمييز وإتاحة المجال للمشاركة السياسية عبر تنظيم انتخابات حرة ونزيهة ودورية والتي تحميها المنظومة الوطنية لحماية حقوق الانسان وهي السلطة القضائية ولجنة الانتخابات المركزية والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان من خلال جملة القوانين والتشريعات والتدابير الإدارية إجراء الإنتخابات لممارسة هذا الحق وعلى قاعدة تكافؤ الفرص والتنافس الحر تدابير رقابة وحماية من خلال الأجهزة والمؤسسات وفي مقدمتها السلطة القضائية.
والسؤال كيف ستمارس السلطة القضائية دورها واستقلاليتا ونزاهتها بعد التغول عليها خلال سنوات الإنقسام، وجعلها تابعة للسلطة التنفيذية وتدخلات الاجهزة الامنيية؟ حيث تعتبر السلطة القضائية الجهة المكلفة بحماية سيادة القانون اثناء فترات الانتخابات وفي الفترات الفاصلة بينها. إن وجود سلطة قضائية مستقلة محايدة، يشكل عاملاً هاماً وأساسياً من اجل ضمان حرية ونزاهة الانتخابات ويشكل الضمانة لجميع المواطنين للاعتراض على أية خروقات قد تواكب الانتخابات، وينبغي أن تكون السلطة القضائية بمعزل عن أي تأثيرات من أي جهة رسمية أو غير رسمية تشارك في الانتخابات.
هذا عدا عن الانتهاكات التي طالت الحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وقصور السياسات والتدابير الحكومية لحماية المواطنين واستفحال البطالة والفقر والذي بلغ نسب كبيرة لدى الفلسطينيين خاصة في قطاع غزة.
والأسئلة حول عودة موظفي السلطة الوطنية الى عملهم في غزة، واعادة الرواتب المقطوعة وكذلك وقف التقاعد المالي، وملف تفريغات 2005 وعمال البطالة، والمستحقات المالية لأسر الشهداء والجرحى والأسرى، وشهداء عدوان 2014.
والمعتقلين على خلفية الإنقسام السياسي من الطرفين، ومن يعوضهم عن سنوات احتجازهم ومنهم من اصدرات قرارات ادانة بحقهم بالاعدام والسجن المؤبد، وأولئك الذين هربوا او هاجروا من القطاع نتيجة الإنقسام وخشية على حياتهم، وأزمة جوازات السفر وحرمان عدد من سكان غزة من الحصول على حقهم بجوازات السفر من السلطة في رام الله.
في حال أجريت الانتخابات وظهرت النتائح، كل هذه الملفات العالقة والمرحلة لما بعد الإنتخابات ستكون على أرفف أعضاء المجلس التشريغي الذين سيغرقوا في معالجتها لسنوات عديدة قادمة، بدون حلول جوهرية، وسنشاهد آلاف المحتجين والمطالبين بحقوقهم أمام أبواب المجلس التشريعي.
يعتقد كثيرون أنه بمجرد إعلان نتائج الانتخابات ستتغير حياتهم إلى الأفضل، ولا ينظرون للصورة الكاملة وما خلفه الانقسام الفلسطيني من تحديات والإستبداد الذي ساد سنوات الإنقسام، فالصورة معتمة وسوداوية والضوء في أخر النفق لم يظهر بعد.
وسيتم إشغال الفلسطينيين لسنوات في همهم الداخلي واحوالهم المعيشية، فالانتخابات التشريعية على أهميتها كمدخل لإصلاح النظام الفلسطيني، غير أن الواقع لا يعبر عن ارادة حقيقية لاصلاح شامل للنظام الفلسطين