جديد أميركا وثوابتها..طلال عوكل

الخميس 28 يناير 2021 11:51 ص / بتوقيت القدس +2GMT
جديد أميركا وثوابتها..طلال عوكل



ثمة من يختصر الكلام، فيسند ظهره إلى الجدار، وينتظر ألا يعارضه أحد حين يقول، أن الانتخابات الأميركية الأخيرة، لم تأتِ بجديد بالنسبة للفلسطينيين، حتى يتابع موقفاً عدمياً ينتهي بمطالبة السياسيين بالانقلاب دفعة واحدة على الواقع الجائر.
هناك فرق بين تغير في السياسة التي يديرها البيت الأبيض خلال فترة سيده الجديد، وبين السياسة والاستراتيجيات العامة التي تحرك المصالح الأميركية. إذا كان علينا أن نتفق بأن الولايات المتحدة، هي لا تزال القوة الأعظم والقوة الأظلم، التي تدير سياسات استعمارية على مستوى الكرة الأرضية، وهي القوة التي ترعى المشروع الصهيوني، فإن علينا أن نلاحظ الفارق التكتيكي، والفارق في رؤية المصلحة حتى بالنسبة لإسرائيل.
لا تختلف أوروبا الغربية، عن الولايات المتحدة إزاء دعمها المطلق لإسرائيل وبعض دولها وقف «بالباع والذراع،» لإنجاح المشروع الصهيوني، وبأن سياساتها تحرص شديد الحرص، على استمرار وجود وتفوق إسرائيل.
أوروبا كما الولايات المتحدة، تلتزم رؤية الدولتين، انطلاقاً من رؤية للحل الأفضل الذي يساعد إسرائيل على الاستمرار لأطول فترة ممكنة.
هذا الاستنتاج لا يعود الى قناعة شخصية واعتقد أنها صحيحة، ولكنه أيضاً يستند الى اعتراف من قبل وزير الخارجية الجديد انتوني بلنكن، الذي يقول، إنه يعتقد بأن الرئيس جو بايدن ويوافقه الرأي بأن افضل طريقة وربما الطريقة الوحيدة لضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية يكمن في منح الفلسطينيين الدولة التي يحق لهم الحصول عليها من خلال ما يعرف بحل الدولتين.
هذا التصريح لبلنكن يلخص على افضل ما يمكن من الوضوح الربط بين التكتيكي والاستراتيجي في السياسة الأميركية من حيث انه ينطلق أساساً من مصلحة إسرائيل وبالتالي الولايات المتحدة ومن ثم الى التكتيك الذي يحقق تلك المصالح ويخدم أهداف الطرفين.
التصريحات التي تصدر عن اكثر من مسؤول في إدارة بايدن بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والعلاقة مع الفلسطينيين، تتفق جميعها على أن الإدارة الأميركية مقبلة على سياسة مختلفة عن سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب ولكن كل تلك التصريحات تتجنب القطع بأن هذه السياسة ستؤدي الى حل سياسي بموجبه سيؤدي الى إقامة دولة فلسطينية على مقاسات القرارات الدولية.
من المهم ابتداءً ان نلاحظ الأهمية الناجمة عن إقفال صفحة صفقة القرن ووقف المخاطر الكبيرة التي كانت ستقع لو أن ترامب فاز مرة أخرى في السباق الماراثوني نحو البيت الأبيض.
خلال جلسة مجلس الأمن، يوم الثلاثاء الماضي، لمناقشة الملف الفلسطيني قدم ممثل الولايات المتحدة، ريتشارد ميلز مطالعة مهمة لخص فيها الموقف الأميركي.
ميلز قال، «ان الرئيس يعتزم إعادة الدعم للفلسطينيين والتحرك، لإعادة فتح البعثات الدبلوماسية وانه يجب الحفاظ على حل الدولتين وندعم أي حل يتفق عليه الطرفان،  وان بلاده ستعيد العلاقة مع القيادة والشعب الفلسطيني.
أضاف ميلز، ان واشنطن ستحث الحكومة الاسرائيلية والسلطة الفلسطينية على تجنب الخطوات أحادية الجانب مثل النشاط الاستيطاني وخطوات الضم في الضفة وعمليات هدم المنازل ومنع مدفوعات الأسرى.
من يتجاهل أهمية هذه المواقف بالنسبة للفلسطينيين، عليه ان يراجع مهاراته في العمل السياسي، ولكن أيضاً من يراهن على ان هذه المواقف يمكن ان تؤدي الى حل سياسي يؤدي الى تحقيق التطلعات السياسية، فإنه هو الآخر يحتاج إلى مراجعة سياساته وقراءاته.
بلنكن بعد ان تحدث عن الخطوات او المواقف التكتيكية التي أشرنا لها، يقول مستدركاً، ان حل الدولتين يواجه تحديات كبيرة في الوقت الحالي وانه من الناحية الواقعية من الصعب رؤية آفاق على المدى القريب تبشر بتحقيق تقدم على هذا الصعيد.
هذا يعني ان الإدارة الجديدة كما الإدارات السابقة، لا تفكر في ان تدخل في أي مواجهة مع إسرائيل، أو حتى ان تستخدم الضغط المجدي لإرغامها على تغيير سياساتها التوسعية والعنصرية. في كثير من محطات الخلاف بين الحكومات الاسرائيلية والإدارات الأميركية، فازت إسرائيل، ولاحظنا ان الإدارات الأميركية بما في ذلك الديمقراطية أيام اوباما وكلينتون كانت تقتفي اثر السياسة الاسرائيلية.
واضح ان إسرائيل هي جوهر التاج بالنسبة للولايات المتحدة، وعديد الدول الرأسمالية، وهي ان اختلفت معها، فإنها تختلف حول الطرق الأفضل لاستمرار تلك الجوهرة بأفضل لمعان ممكن.
مبكراً، أبدى الكثير من المسؤولين والكتّاب الإسرائيليين قلقهم بعد انتخاب بايدن، وحذروا من التصادم معه، حتى ان السفير الأميركي المستوطن فريدمان، نصح الإسرائيليين بعدم التصادم مع الإدارة الجديدة.
إسرائيل بدأت تشعر بالقلق إزاء إمكانية تحرك قضاة المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، نحو فتح تحقيق ضد إسرائيل فيما يتعلق بجرائم الاحتلال في الضفة وغزة ذلك ان القرار موجود على الطاولة منذ نهايات العام 2019 وقد توقف تنفيذه بسبب ضغوط وعقوبات كانت إدارة ترامب قد اتخذتها بحق المحكمة وقضاتها.
يأتي هذا القلق المتزايد اثر بيان صدر عن الخارجية الأميركية يشير الى أن الإدارة، ستعيد النظر في العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على محكمة لاهاي ومسؤوليها.
البيان أضاف، انه على الرغم من الجدل حول تصرفات المحكمة بخصوص أفغانستان والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن أميركا شريك في أهداف المحكمة لرفع المسؤولين عن اخطر الجرائم التي عرفتها البشرية، الأمر الذي يوجب إعادة النظر بعمق في العقوبات.
تعتقد إسرائيل ان هذا البيان، يعزز الاعتقاد بأن قضاة المحكمة سيشعرون بأن فتح التحقيق، لن يؤدي بهم الى مواجهة مع الولايات المتحدة، وسيشجعهم على الإعلان عن بدء التحقيق.
تتيح هذه التغييرات التكتيكية في سياسة الإدارة الأميركية للفلسطينيين مجالاً لحراك سياسي واسع ومجد في مواجهة السياسات الاسرائيلية التوسعية والعنصرية الأمر الذي يقتضي القيام بواجبهم إزاء انفسهم أولاً، للتمكن كحد أدنى من وقف التغول الإسرائيلي على الأرض والحقوق الفلسطينية.