هآرتس تتساءل: هل هناك احتلال “متنور” وآخر مع أبرتهايد؟

السبت 23 يناير 2021 10:45 م / بتوقيت القدس +2GMT
هآرتس تتساءل: هل هناك احتلال “متنور” وآخر مع أبرتهايد؟



القدس المحتلة /سما/

عمل قليل وضجة كبيرة قام بهما مدير عام “بتسيلم” حاغي إلعاد، عندما لف إسرائيل والمناطق التي قامت باحتلالها ببطانية واحدة، ككيان واحد كبير بين البحر والنهر، يسري فيه نظام أبرتهايد (“هآرتس”، 19/1). بمرة واحدة ضم المناطق، ومنح الفلسطينيين مكانة مواطنين دونيين في دولة إسرائيل، التي تمتد حدودها من البحر إلى النهر.

ثمة دول ديمقراطية نموذجية (إسرائيل ليست كذلك) احتلت مناطق ودولاً؛ فبريطانيا احتلت مصر والسودان، وفرنسا احتلت الجزائر وحولتها إلى مقاطعة فرنسية، فيما احتلت الولايات المتحدة العراق وأفغانستان. ومن ناحية القانون الدولي، يعدّ الاحتلال حالة خاصة. وتحاول مواثيق جنيف، التي صيغت لتنظيم الحياة تحت الاحتلال، تقليص الضرر الداخلي الذي يخلقه؛ فخرق المواثيق والقوانين هذه يعتبر خرقاً للقانون الدولي، بل جريمة حرب، حتى بدون اعتباره أبرتهايد.

قال ميخائيل سفارد (“هآرتس”، 9/7/2020) إن الوضع في المناطق وضع أبرتهايد. وحسب تفسيره “الأبرتهايد نظام يخلق -بكل ما في حوزته من أدوات قانونية وسياسة أو ممارسة– تفوقاً لمجموعة معينة ويفرض دونية على مجموعة أخرى، وينعكس بشكل عام بالتمييز الممأسس في الحقوق والموارد”. صحيح أن هناك توسيعاً للتعريف الذي صيغ في ميثاق روما، لكنه شرعي وأخلاقي بالتأكيد. وجدعون ليفي أطال حدود التعريف أكثر، وقال إن إسرائيل -باستثناء فترة نصف عام- كانت وما زالت دولة أبرتهايد (“هآرتس”، 17/1).

ليس واضحاً لماذا أعفى ليفي الفترة الواقعة بين إلغاء الحكم العسكري الذي فرض على العرب في إسرائيل واحتلال المناطق في 1967 – ففي نصف السنة هذا كانت هناك أيضاً ثقافة أبرتهايد ضد عرب إسرائيل متجذرة بصورة جيدة. إن إلغاء الحكم العسكري لم يغطّ على الاغتراب والتفريق والإقصاء والكراهية التي شعر بها اليهود تجاه العرب، وعلى خوفهم منهم. هذه جزء من أسس الهوية القومية اليهودية، وقد تم صقلها مع الوقت. أي أن تفوق مجموعة معينة لا يقتضي احتلالاً بالضرورة، كما من الخطأ رؤية أي احتلال أبرتهايد. إضافة إلى ذلك، فإن استخدام فرشاة واسعة تلون إسرائيل والاحتلال بلون واحد، يسمح بتجاهل أن كل احتلال له مجموعة واحدة تفرض الدونية السياسية والثقافية والاقتصادية على مجموعة أخرى برعاية القانون الدولي.

إن الفشل الأخطر لمن يعرفون أبرتهايد إسرائيل يكمن في عرض المشكلة الفلسطينية على أنها مشكلة إنسانية، مشكلة حقوق إنسان ومساواة أمام القانون. وحسب وجهة النظر هذه، لو استطاع الفلسطينيون بناء البيوت كما يريدون، ولو أزيلت حواجز الطرق وكان جمع شمل العائلات مفتوحاً للجميع، لاختفى الاحتلال، وتنفست الأخلاق الصعداء. هذا هو أساس الخدعة؛ لأن المشكلة ليست جودة الاحتلال، بل وجوده. والتباكي على تحول الاحتلال إلى أبرتهايد هو خداع للنفس في أفضل الحالات. فحسب هذه المقاربة، قد يكون الاحتلال “متنوراً”. الإجابة المعدة مسبقاً على هذا الادعاء هي أنه ومن أجل التخلص من آفة الأبرتهايد يجب تحويل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية. ولكن إذا تحقق هذا الهوس فإنه سيحول إسرائيل إلى دولة أبرتهايد أبدية، بل وسيتم عرضها كنموذج لحل النزاع القومي.

إن أتباع الدولة ثنائية القومية أو من يؤيدون الضم، ليس هناك أي فرق فكري بينهم، فلا يهمهم مطلقاً معرفة إذا كان الفلسطينيون أنفسهم يريدون أن يكونوا جزءاً من دولة ستحدد مسبقاً مكانتهم الدونية وتسلب منهم هويتهم القومية. الخيار الآخر هو السعي بدون كلل إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة. صحيح أن هذا الأمر يحتاج إلى ثورة في النظام الحاكم وثورة فكرية في إسرائيل، أو ضغط دولي كبير عليها (حتى الآن هذه الأمور لا تبدو واقعية)، لكنها على الأقل ترسم مساراً للعمل، وليس صرخة الأبرتهايد التي تغذي خطاب الورع.