الإحجام عن إجراء فحوصات «كورونا».. الأسباب وخطوات الإقناع..الإحجام عن إجراء فحوصات «كورونا».. الأسباب وخطوات الإقناع

السبت 09 يناير 2021 02:55 م / بتوقيت القدس +2GMT



عملت قبل عدة سنوات على عدد من المشاريع التي لها علاقة بالصحة العامة، وكان من ضمنها مشروع بإدارة «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» في فلسطين، وبالتعاون مع وزارة الصحة ومع العديد من مؤسسات المجتمع المدني والأهلي التي لها اهتمامات في الصحة والبيئة والوقاية، وكان المشروع يتعلق بكيفية الحماية من والتعامل مع أمراض معدية، وبالتحديد أمراض السل والايدز والملاريا، التي تنتقل عن طريق العدوى بين بني البشر سواء من خلال البكتيريا أو الفيروس أو الحشرات والبعوض.
وكان تمويل المشروع تحت مظلة «الصندوق العالمي» لمكافحة هذه الامراض في معظم دول العالم، والتي تقدر ميزانيته على مستوى العالم بأكثر من 15 مليار دولار، يتم جمعها سنوياً من خلال الحكومات أو عن طريق تبرعات من مؤسسات مختلفة، حيث الإطار العام لعمل البرنامج واحد من حيث التدخل والوقاية والمتابعة والتقييم في كل دول العالم، وبما أن فلسطين لا تحوي أيا من الإصابات بحالات الملاريا، فالتركيز كان على أمراض مثل السل الذي تسببه عدوى من البكتيريا، والإيدز الذي يسببه فيروس، أي ما بات يعرف بـ فيروس» نقص المناعة المكتسبة».
وبالطبع كان من أهم المحاور الأساسية للبرنامج هو التعرف أو تحديد عدد ومواقع انتشار الاصابات، لأن ذلك كفيل بتحديد خارطة التدخلات المختلفة، سواء من حيث العلاج أو الوقاية، وكان التعرف على الاصابات سواء في حالة أمراض السل أو الايدز، من الامور الصعبة، أي أن موضوع الوصمة كان حاضراً وبقوة، وليس ذلك فقط ولكن التوجه نحو إجراء الفحوصات حين تكون هناك أعراض فيما يتعلق بمرض السل لم يكن بالأمر السهل، أي أنه كان هناك نوع ما من الإحجام عن ذلك، أي ما يشبه وضع «كورونا» هذه الايام، والسبب هو الاعتقاد بوجود العيب أو الخجل أو الوصمة أو الخوف من خسارة معينة، رغم أن مرض السل معدٍ، وفي نفس الوقت من السهل علاجه من خلال أدوية بسيطة متوفرة وتحت رقابة وزارة الصحة.
وكان من الممكن تصور صعوبة ذلك بالنسبة لمرض الايدز، حيث الربط المباشر بين الإصابة وتصرفات غير مقبولة في ثقافة المجتمع، رغم أن اسباب انتقال فيروس الايدز متنوعة ومنها طبعاً التواصل الجنسي، ولكن هناك اسبابا أخرى وسببت حالات في بلادنا، ومنها عملية نقل الدم الملوث واستخدام الحقن الملوثة وبالاخص لمتعاطي المخدرات وانتقال الفيروس من الأم الحامل الى الجنين، وما الى ذلك من أسباب لا علاقة لها بالخجل أو الوصمة أو العيب، أو انها تقع خارج تحكم المصاب، ورغم ذلك فإن هالة ضخمة من الوصمة وما يتبعها من تداعيات اجتماعية وتربوية واقتصادية وحتى دينية ما زالت ترافق مصابي فيروس الايدز، وما الى ذلك من تداعيات وخيمة.
وبغض النظر عن مدى منطقية الأسباب لهذا الإحجام سواء فيما يتعلق بمرض السل أو الايدز، إلا أن التدخل كان مطلوباً من أجل الوصول الى الناس وبالاخص الى الفئات الهشة أي الأكثر تعرضاً للإصابة، وفي اماكن الاكتظاظ أو التجمع فيما يتعلق بمرض السل، من خلال نقل المعلومة الصحيحة أو الصورة الواضحة عن طبيعة هذه الامراض واسبابها وخطورتها ووسائل الوقاية، والاهم اثبات عدم دواعٍ للخجل أو العيب من وسائل نقلت من خلالها اليهم.
وتم هذا من خلال حملات التوعية عن طريق ورشات العمل وحلقات التوعية والنشرات التثقيفية والبرامج الإعلامية، وتدخل فئات لها تأثير في المجتمع، ومنها بالإضافة الى الجهات الرسمية، جهات تربوية واجتماعية ودينية وما الى ذلك، وايصال المعلومة الواضحة وببساطة كان لها الأثر الكبير في ازالة أو التخفيف من وصمة رافقت هذه الأمراض ولفترة طويلة، وربما ما زالت موجودة سواء عندنا أو في بقاع أخرى في العالم.
وهذا الوضع ينطبق كذلك على فيروس كورونا، حيث تطالعنا الأخبار والتقارير هذه الايام، ومنها الاحاديث والتصريحات الرسمية، عن احجام الناس عن التوجه لإجراء فحوصات لفيروس كورونا، الذي أصبح الشغل الشاغل للعالم قاطبة. والإحجام يشمل فئات مختلفة من الناس، أي فئة الشباب التي ورغم قلة نسبة الاصابات الخطرة أو الوفاة عندها، الا أنها قادرة على نقل الفيروس الى فئات أكثر هشاشة من كبار السن أو المرضى وبالتالي التسبب في الوفاة.
وبغض النظر عن أسباب الإحجام عن إجراء فحص كورونا، سواء أكانت اقتصادية أي الخوف من خسارة العمل أو الوظيفة، أو اجتماعية أي الخوف من العزلة، أو أية اسباب أخرى، فان هذا يستدعي التدخل، سواء من خلال الجهات الرسمية أو غير الرسمية العاملة في هذا المجال، وبعيداً عن العقوبات أو المخالفات أو التهديدات، فمن المفترض أن يتم من خلال وسائل مختلفة لإيصال المعلومة الواضحة للناس، ولتوفير الحماية لهم، آخذين بعين الاعتبار خصوصية المجتمع أو البلد الذي نعيش فيه، ومن الواضح أن هذا لم يتم وبشكل ممنهج حتى الآن.
والإحجام عن إجراء فحوصات كورونا يأتي في ظل مواصلة الانتشار المجتمعي لهذا الفيروس وبشكل خطير، سواء من حيث عدد الاصابات أو الوفيات، وفي ظل وضع يقف العالم عاجزا عن القيام بالكثير امام كورونا، حيث إن إجراء الفحوصات بدون أو مع اعراض يعتبر من الإجراءات الوقائية الاساسية، حيث تبقى هذه الإجراءات الاستباقية لمنع وصول الفيروس الى داخل الجسم هي الاساس، من أجل الحد من وتيرة العدوى وبالتالي من نسبة إشغال الاسرّة في المستشفيات ومن حالات الوفاة.
يتفق جميع المختصين والباحثين والمهتمين الآن على أن فيروس «كورونا» سوف يبقى لفترة ليست بالقصيرة، وسوف يواصل انتشاره افقيا وعموديا، أي سوف يكون هناك انتشار وتوطن في اماكن جديدة، وسوف تظهر طفرات جديدة واكثر خطورة، وفي نفس الوقت سوف يكون هناك تصاعد كبير في عدد الاصابات في المكان الواحد، وما يحدث هذه الأيام يؤكد ذلك تماما، وفي معظم بلاد العالم، ومن الواضح أن هذا السيناريو ينطبق كذلك على بلادنا، كما نشهد خلال الاسابيع القليلة الماضية، واذا لم نتخذ الإجراءات المطلوبة من أجل حصر الخريطة الوبائية والتعامل معها بسرعة، وفقط من خلال التركيز على الوقاية ومن أهمها إجراء الفحوصات، فأننا سوف نفقد السيطرة على هذا الوضع، في ظل ظروفنا المعقدة وإمكانياتنا الضئيلة والمحدودة.
وفي ظل مواصلة إحجام الناس عن إجراء فحوصات كورونا، فالمطلوب حملات توعوية وإجراءات عملية توفر الحماية الاقتصادية والاجتماعية للمصابين أو للمتوقع اصابتهم، لأن هذا الفيروس الذي أدى الى اغلاق دول كبرى مثل بريطانيا، والى شل النظام الصحي في دول مثل الولايات المتحدة، لقادرٌ على إحداث أسوأ الأضرار في مجتمع مثل مجتمعنا، يملك القليل من الإمكانيات التي تملكها تلك الدول.