من ضمن المحاضرات التي تابعتها مؤخرا والتي اديرت عبر النت ومن ثم اتيحت للمهتمين من خلال تطبيق يوتوب. عنوانها: الشرق الأوسط حسب مرداخاي كيدار. مردخاي مستشرق ومحاضر بقسم الشؤون العربيه بجامعة بار ايلان بضاحية تل لبيب. باحث بمعهد الدراسات الاستراتيجيه على اسم بيغن- السادات بنفس الجامعه،ورئيس رابطه ما يسمى البروفيسورات للمناعه السياسيه والاقتصاديه. تخصص من ضمن أشياء أخرى بدراسة عائلة الأسد في سوريا، هاجر والداه الى فلسطين المحتله من بولندا. كان عنوان رسالة الدكتوراه: اللغه السياسيه العلنيه لنظام الأسد (الاب) الرسائل وطرق التعبير عنها. اما موضوعنا اليوم فهو برنامجه المقترح لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي والذي يحمل العنوان: خطة الامارات الفلسطينيه كحل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. تبدو الفكره للوهله الولى عبثيه غير واقعيه،حتى ان احد البروفيسورات من الحضور سأله إن كان جادًا ؟ وجائه الجواب بدون اية تردد : نعم، لم اكن اكثر جديه في حياتي اكثر مما انا عليه الان! واردف انه لا يعمل لوحده وانهم على تواصل وفي مرحله لا باس بها من الحوار مع اطراف فلسطينيه. لذا، وعلى خلفية ان الرجل كان قد عمل لاكثر من عشرون عاما بالاستخبارات العسكريه الاسرائيليه وكان من الأسماء المهمه حينها وقد عاصر محاولة الاحتلال تأسيس ما يسمى بروابط القرى. وكما هو معروف فقد افشلت القيادات السطينيه هذا المشروع، وحاولت جهات اسرائيليه اغتيال ثلاثه منهم ، كريم خلف، بسام الشمعه وفهد القواسمة. وهو كذالك مستشرق ذو حظوه ومقرب من ناتانياهو. من هنا برأيي اهميه التعرف على المشروع وان بدى كما ذكرت بعيدا عن الواقعيه.
استهل كيدار محاضرته بعرض سريع لما أسماه مدرستان لفهم الصراع وعلاقة الغرب بالشرق: الأولى مدرسة ادوارد سعيد التي تحمل الغرب المسؤوليه عن ويلات وتخلف الشرق والثانيه هي مدرسة المؤرخ اليهودي برنارد لويس التي تقول بان الشرق متخلف أصلا والخلافات به قديمه قدم الزمن ، واعلن كيدار انه من انصار مدرسة برنارد والتي يعتبرها واقعيه بعكس طروحات الاستشراق لإدوارد سعيد والتي يعتبرها رومانسية بعيده عن الواقع. كما تذمر امام مستمعيه انه لم يعد من السهل( مناصره) برنارد ضد سعيد دون التعرض للمقاطعه الاكاديميه والإضطهاد! وذكر حادثه شطب دراسة دكتوراه لطالب إسرائيلي سبح ضد تيار سعيد!! الشيئ الذي لم يقتنع به الحضور وطلب احد الدكاتره معرفة اسم الطالب، دون جدوى.
يرتكز كيدار على قناعه راسخه لديه بان المجتمعات العربيه ما هي الا مجتمعات قبليه لا تناسبها الدوله القوميه الحديثه، والولاء عندها للقبيله ونظامها وليس للدوله. تحدث بحراره واعجاب عن نظام التكافل لدى افراد القبيله الواحده، وعزى استقرار وازدهار دول الخليج الاقتصادي (حسب رأيه)لاعتمادهم نظام القبيله، والذي لا يناسبهم شيئ غيره! ثم عرض خارطه للعالم العربي تلتها خارطه للعراق مقسم الى دوائر ومربعات بالوان مختلفه موضحا ان هذه الألوان تدل على اعراق وطوائف وديانات مختلفه: العرب، الاكراد، الفرس، السنه، الشيعه، التركمان، الكلدان، الصابئة ، اليزيدية، السريان الاشوريين الخ الخ...وقال ان الولائات عند تلك الجماعات ليست للدوله وانما للقبيله او الطائفه، وان كل المحاولات لصهر هذه المجموعات بدوله قوميه واحده لم تفلح حتى الان وان لا علاقه للغرب في هذا وانما الامر يتعلق بسوسيولوجيا المنطقه! هكذا هم وهكذا كانوا وهكذا سيبقون. ليس هناك شعب عراقي وانما قبائل وطولئف وليس هناك شعب ليبي ولا سوري ولا لبناني. اذا لماذا محاولة فرض نظام الدوله الحديثه على الفلسطينيين وهي التي فشلت عند جميع إخوانهم العرب ؟ لماذا هذه التجربه ونحن نعلم نتائجها سلفا؟
وعوده الى الموضوع الفلسطيني: الفلسطينيين ليسوا استثنائا فلكل قريه حكمها الذاتي ولكل عشيره حكمها الذاتي مدعيا ان الحكومات الاسرائليه تعامت معهم على هذا الأساس ، دون تدخل بتركيبتها الاجتماعيه من اجل نوع من الهدؤ. لذا حسب كيدار فإن اية محاوله لاعطاء الفلسطينيين دولة عصريه مصيرها الفشل ومن ثم حمام من الدماء كما هو حاصل في اليمن وليبيا وسوريا. ما الحل اذا؟ الحل حسب كيدار يكون بالعوده الى العشيره والحموله لاعطاء زعمائها نوع من السلطه( وبهذا اخاله يتطلع الى مرحلة حكم المخاتير اللذين استمدوا قوتهم من السلطه المركزيه (ونظام العشيره )التي خولتهم ببعض الأمور الإدارية لكي يفرضوا سلتطهم على من تبع لهم وبهذا يكونوا بمثابة حلقة الوصل بين العامة من عشيرتهم والسلطه المركزيه- سلطة الاحتلال في حالتنا الفلسطينيه) حسب خطة كيدار. اذا علينا(الإسرائيليون) العمل على إقامة ثمانية امارات فلسطينيه، كل على حده وتسليمها للحمائل الكبيره الحاكمه فعلا هناك. اذا نعلن الخليل اماره تسلم السلطه بها لحمائل الجعبري، قواسمه، تميمي، أبو سنينه. وامارة اريحا لعشيرة عريقات. وامارة رام الله توزع السلطه بها على آل الطويل، برغوثي وأبوعين. وامارة نابلس لآل المصري، طوقان والشكعه. وامارة طولكرم لحمولة الكرمي. وامارة جنين وأخرى بمدينة قلقيليه وغزه، كل واحده من تلك الامارات تكون مستقله منفصله إداريا عن الأخرى وتمنح مواطنها الجنسيه الخاصه بها، الجنسيه النابلسيه، الخليلية ، الخ الخ.
ماذا عن المدى الريفي المنتشر بين تلك المدن؟ الحل عند كيدار هو ضمهم الى إسرائيل ومنحهم الجنسيه، وهم على اية حال لا يشكلون اكثر من خمسه بالمئة من تعداد سكان الامارات المقترحة ولا خوف من ان يشكلوا خطرا ديموغرافيا. وتكون تخلت إسرائيل بهذا عن المسؤوليه المباشره على ثمانين بالمائه من سكان الضفه الغربية والذين سوف يصبحون من سكان الإمارات الثمانيه. كما ان كيدار يراهن-مشيرا الى تجارب البلدان الغربيه- بان العشائر هي من تطرد السلفيين وتقطع دابر الاخوان من بينها.
ولكن كيف لهذا المشروع ان يتحقق؟ يقول كيدار ان الناس سئمت رجال السلطه الفاسدين، والعامه لا يكنون لهم لا المحبه ولا الاحترام وينتظرون بفارغ الصبر للخلاص منهم. كما ان العائلات لم تعد تخشى سطوة المنظمه ولن يردعها شيئ من المضي نحو تحقيق ذاتها من خلا خطة الإمارات الفلسطينيه المقترحه.
هذه الخطه برأيي لا يمكن ان تاتي الى من يميني عنصري لا يكن اية احترام للمجتمع الفلسطيني، وهي خطة مجنونه وطموحه في آن، ولكن علينا التمعن بها ودراستها ومن ثم مراقبه التغيرات والحراك ربما العلني ولكن المشبوه أيضا على ارض الواقع. لقد اقامت إسرائيل كما ذكرت سابقا روابط القرى، حينها كانت المنظمه باوج قوتها وبطشها اذا احببتم وكان أهلنا يتطلعون اليها بعين من الاحترام، فهل تحظى السلطه الان على نفس الاحترام من أهلنا بالضفه الغربيه وقطاع غزه؟
غسان، أوسلو ٥/١/٢٠٢١