أزمة رواتب «الأونروا»..سما حسن

الخميس 07 يناير 2021 12:47 م / بتوقيت القدس +2GMT



قالت لي جارة تعتاش على مخصصات الشؤون الاجتماعية ضاحكة وبلهجة لا تخلو من شماتة: الدنيا ما عاد فيها خير، إذا كانت رواتب «الأونروا» صارت تتأخر، وضحكت وقالت: لكن موظفي «الأونروا» ليسوا بحاجة لانتظار الراتب.
ضحكت وقلت لها: أنت مخطئة، والحقيقة هي مخطئة تماماً، فلا يوجد موظف على وجه الأرض لا ينتظر راتبه، فكل موظف يحدد سقف مصروفاته بناء على دخله، ودائماً ما تزيد متطلبات حياته عنه، ولكنه في النهاية هو الذي يجب أن يحرص عليه، وكما قال أجدادنا قديماً: «إن الوظيفة إن لم تغنِ صاحبها فهي تستره، وإن الميري لو فاتك فعليك أن تتمرغ في ترابه ألماً وحسرة»، ويقصد بـ «الميري» وظائف الحكومة، فهي أمان من الفقر، وليست باباً للغنى أو طريقاً له.
عشت سنوات من عمري فخورة بكون والدي موظفاً في وكالة الغوث الدولية، فلديه راتب يعتبر كبيراً قياساً برواتب موظفي الحكومة، ولم ينقطع راتبه ولم يتأخر عن الأسبوع الأخير من الشهر في أي حال من الأحوال، وظل أبي يحيا في أمان بسبب هذا الراتب الذي تدخر له «الأونروا» جزءا منه يحصل عليه كمكافأة نهاية الخدمة، وطالما تفاخر جدي رحمه الله بوظيفة أبي، وكثيراً ما عقد مقارنة بين راتب أبي الكبير وراتب أمي التي كانت تعمل معلمة في مدرسة حكومية البسيط والمتواضع، ولكنه في النهاية كان يضع ساقاً فوق ساق وهو يتفاخر بأن ابنه وزوجته يخرجان كل صباح إلى عملهما في سلك التعليم، وبأن كل واحد منهما لديه وظيفة إن لم تغن فهي تستر.
لا أذكر أن تأخيراً قد مر على رواتب «الأونروا» مثل هذه الأيام، ومن خلال حديث الشارع تثير انتباهك التعليقات والتندرات على تأخر موظفي «الأونروا» الذين يطلق عليهم «ملوك البلد» لارتفاع رواتبهم النسبي، بل إن رواتبهم هي مدعاة لأن يطمع فيهم كثيرون، ويتعرضون للنصب والاحتيال بعد حصولهم على مدخراتهم الضخمة عند سن التقاعد.
وبعيداً عن الاعتقاد بأن موظف «الأونروا» مثل المعلم لا ينتظر الراتب لأن لديه ما يكفيه من ادخار، فالحقيقة أنه بقدر ما يحصل عليه الموظف من علاوات تبدأ المقترحات التي يقدمها أفراد الأسرة لصاحب الراتب سواء الأب أو الأم للاستثمار، والاستثمار يعني المزيد من الأعباء أو حتى القروض من أجل مشروع صغير كبناء بيت أو شراء سيارة حديثة.
الموظف الذي يعمل في وظيفة تابعة لوكالة الغوث الدولية هو مجرد موظف سواء كان راتبه كبيراً أو متواضعاً، وأعرف كثيرين من هؤلاء مسؤولين عن عائلتين أو أكثر، فهناك دائماً في الحكاية أخٌ متوفى وقد ترك عائلة كبيرة في رقبة الموظف هذا، أو هناك إخوة صغار لا يزالون في سلك التعليم أو والدان عجوزان في بيت بحاجة إلى الترميم ولديهما قائمة طويلة من الأدوية والمستلزمات.
نعم هذه الحقيقة وهي أن الراتب ينتظره الجميع، وأزمة تأخر رواتب موظفي «الأونروا» التي وصلت إلى الأسبوع الأول من شهر كانون في سابقة نادرة تؤكد أن موظفي «الأونروا» مثلهم مثل موظفي الحكومة، ومثل أي موظف ينتظر راتبه لكي يفي بالتزاماته.
فهو لا يضع الراتب تحت فراشه وينام قرير العين حتى تتضخم العملة الخضراء، بالطبع لا يحدث ذلك أبداً وهذا ما يدعو إلى ألا ننقم على موظف يشكو تأخر راتبه مهما كان.