سلطت تقارير صحفية عربية، اليوم الأربعاء، الضوء على قصة اعتقال صدام حسين الرئيس العراقي الراحل مع حلول الذكرى الرابعة عشر لإعدامه بتاريخ 30 ديسمبر / كانون أول 2006.
وقال موقع الجزيرة نت في تقرير له إن قوات المارينز الأمريكية، نفذت قبل 17 عاما (فجر 13 ديسمبر/كانون الأول 2003)، عملية عسكرية مباغتة؛ أفضت إلى اعتقال الرئيس صدام حسين.
وأعلن بيان للجيش الأمريكي آنذاك، مشاركة المئات من جنود الفرقة الأولى وفرقة الفرسان والقوات الخاصة، في تنفيذ عملية حصار واعتقال صدام حسين.
وأوضح البيان أنه تم العثور عليه في قبو تحت الأرض بمزرعة قرب تكريت (مركز محافظة صلاح الدين شمال بغداد)، وتمت مصادرة أسلحة ومبالغ نقدية وجدت في المكان نفسه.
لكن البيان الأميركي كان مثار شكوك كثير من العراقيين، الذين أكدوا أن صدام اعتقل في مقر محصن تحت الأرض اتخذه للاجتماعات والقيادة.
قبل الاعتقال
ونقل الموقع عن الإعلامي مصطفى كامل قوله إن مواقع كثيرة تم تجهيزها في أنحاء مختلفة من العراق قبل الغزو الأميركي لتكون مقرات بديلة لعدد من كبار المسؤولين، ومنهم صدام حسين.
وبين الإعلامي كامل الذي كان سكرتير تحرير جريدة الجمهورية الناطقة باسم الدولة العراقية قبل الغزو أن بعض الأماكن البديلة كان عبارة عن منازل مهجورة، وبعضها مزارع أو بيوت ريفية بسيطة للغاية.
وأضاف كامل أنه لا شك في أن ظروف التخفي تستوجب إيجاد ملاجئ وسراديب بكل أشكالها، لكن كل ما قيل عن وجود صدام في مخبأ تحت الأرض غير صحيح.
ويسرد كامل عن مقربين من صدام قولهم إنه لم يكن يقضي في المكان الواحد يومين متتاليين، وكان كثير التنقل، وبالتالي فقد جاء إلى المكان الذي أُسر فيه في اليوم الذي سبق أسره، وهو مزرعة في منطقة الدور القريبة من مدينة تكريت على شاطئ نهر دجلة.
ولفت كامل إلى أن لهذا المكان رمزية خاصة عند صدام، فهو قريب من المكان الذي عبر فيه نهر دجلة عام 1959 عندما شارك في محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي السابق عبد الكريم قاسم.
وأوضح رئيس مركز القرار السياسي للدراسات هادي جلو مرعي أن شخصا مثل صدام تعايش مع تحديات جسيمة، وعلى مدى سنوات طويلة، وعاش ظروفا قاسية في مراحل من حياته، ويمكن له أن يتعايش مع ظروف طارئة مثل تلك التي واجهته قبيل الاعتقال.
الفجر الأحمر
اختارت القوات الأميركية اسم عملية "الفجر الأحمر" لإلقاء القبض على صدام حسين. وذلك بعد عملية البحث عنه التي استغرقت نحو 8 أشهر، حيث بدأت منذ التاسع من أبريل/نيسان 2003 حتى 13 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، كما قال المؤرخ العراقي طارق حرب.
وذكر حرب أن عملية القبض على صدام تمت بناء على وشاية وصلت إلى قوة عسكرية أميركية كبيرة من أحد المقربين من صدام في الدور، قبل أن يعلن الحاكم المدني الأميركي بول بريمر القبض على صدام.
وأضاف أن صدام لم يحاول مقاومة القوة التي اعتقلته، ولم يكن وضعه طبيعيا، ولا ندري هل سبب ذلك تناوله أدوية معينة، أم بسبب وجوده فترة طويلة في نفق تحت الأرض.
وتابع المؤرخ حرب: عندما رأيناه في المحكمة كان متوازن القوى، يناقش كل شيء ويبيّن رأيه، خلافا للوضعية التي اعتقل فيها بشعر كثيف.
من جهته، استبعد كامل فرضية الوشاية بصدام، مؤكدًا أنه تم العثور عليه بعد تعقّب أحد أقارب زوجته (ساجدة خير الله)، وهو محمد إبراهيم عمر المسلط، الذي كان أحد آخر ضباط الحماية الذين ظهروا معه في أبريل/نيسان 2003 في منطقة الأعظمية ببغداد، حيث اعتقله الأميركان، وبالضغط عليه اعترف ببعض المعلومات التي أدت -على ما يبدو- إلى معرفة الأماكن المتوقع وجود صدام فيها، ومنها هذا الموقع الذي أسر فيه.
غازات كيميائية
وأكد كامل أن لديه معلومات موثوقة من موقع الحدث تبيّن استخدام القوات الأميركية كميات كبيرة من الغازات الكيميائية خلال عملية التطويق والمداهمة أثّرت سلبا حتى على أصحاب المزارع المجاورة.
وقال إن الصور التي ظهر فيها الرئيس الأسبق كان من الواضح أنه مخدر ولا يملك الوعي الكافي للسيطرة على حركاته، والذي يعرف شخصية صدام حسين لا يمكن أن يتصور أن تكون هذه حاله الطبيعية، وبدت واضحة قوة شخصيته خلال المحاكمة وأثناء تنفيذ الإعدام.
وأشار كامل إلى أن "الحالة التي ظهر عليها الرئيس أثناء أسره جرت مناقشتها في جلسات مجلس الحكم الانتقالي، وطلب بعض أعضاء مجلس الحكم إظهار صدام حسين بأبشع صورة حين القبض عليه لإسقاط هيبته أمام أنصاره".
بدوره، لفت الشيخ فلاح حسن الندا -النجل الأكبر لزعيم قبيلة البوناصر التي ينتمي إليها صدام- إلى أن الروايات حول طريقة اعتقال صدام متضاربة، ولكن المؤكد أنه كان في دار قيس نامق الدوري في قضاء الدور المحاذي لنهر دجلة.
في حين يشير المحامي الأردني زياد النجداوي -وهو أحد أعضاء فريق الدفاع عن صدام حسين- إلى أن القوات الأميركية استطاعت -وبالتعاون مع عملاء محليين- الوصول إلى أحد مرافقي صدام، الذي كان على علم واطلاع بمكان الرئيس صدام، وليس كما أخرجته القوات الأميركية بأنه في الحفرة التي صوّر بها، بل كان في بيت قيس نامق الدوري، الذي يحتوي على ملجأ تم إنشاؤه منذ أيام الحرب الإيرانية، كما هي حال الكثير من البيوت العراقية.
من جانبه، يرى المحلل السياسي نجم القصاب أن عملية اعتقال صدام لم تكن مفاجئة، بسبب تخلّي كل الأطراف وكل المقربين عنه، حتى من عائلته ومن عشيرته.
وقال القصاب إن صدام حسين كان يعتقد أن أجهزته ستقاوم القوات الأميركية لسنوات وليس لأشهر، ولم يعتقد أنه سيلقى القبض عليه، ويتخلى عنه المقربون منه.
أما الباحث والكاتب السياسي كفاح محمود، يقول: لم أكن أتوقع اعتقاله بهذا الشكل، كل توقعاتي أنه سيقود مجموعاته للمقاومة حتى يُقتل، لكن يبدو أننا لم نكن ندرك سريرة هذا الرجل الحقيقية.
وأعرب عن اعتقاده أن صدام كان ينتظر أمرا ما، أو يأمل تغييرا في توجهات الأميركان أو بعض مفاصلهم معه، لكن ما حصل أنهى كل ما كان يظنه.
مقتنيات صدام
وينقل الشيخ الندا عن المحامين الذين دافعوا عن صدام أن القوات التي هاجمت مكان اختباء صدام عثرت على مبالغ مالية، وأسلحة شخصية خفيفة مكونة من بندقية كلاشينكوف ومسدس من نوع براوننك "9 ملم".
كما يفيد النجداوي بأنه لم تكن مع صدام يوم اعتقاله سوى بندقيته ومسدسه وملابسه وبعض الطعام الموجود في مطبخ المنزل، والأشياء التي تكفيه لمؤونة الحياة.
وفي هذا السياق، يؤكد كامل أن ما عُثر عليه مع صدام كانت مستلزمات شخصية بسيطة، ومبلغ مالي بحدود 750 ألف دولار، كان يجري الصرف منه على بعض الفصائل لتهيئتها لمقاومة القوات الأميركية.
في الزنزانة
وحول مكان احتجاز صدام حسين -يقول النجداوي- إنه احتجز في أحد القصور الرئاسية، الذي حولته القوات الأميركية إلى مكان للاعتقال.
ويضيف أن الأميركيين تعاملوا معه إجمالا بطريقة إيجابية، "لإعطاء صورة أمام الإعلام أنهم يحترمون حقوق الإنسان ويحترمون قواعد القانون الدولي الإنساني".
ويكشف محامي صدام عن محاولات أميركية لعقد لقاءات وجلسات مع صدام في مكان الأسر، وكان من ضمنهم جنرال أميركي، فتفاوضوا معه، وخيّروه بين مصير كمصير نابليون أو غيره، إذا لم يطلب من المقاومة العراقية أن توقف أعمالها.
ويتابع أن العملية التحقيقية كانت تجري من قبل أجهزة الاستخبارات الأميركية، إلا أنه كان يحاور ويناور، فلم يستطيعوا أخذ إلا ما يريد إعطاءه.
قبر مجهول
وكان قبر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في منطقة العوجة قرب تكريت، حيث دُفن بعد إعدامه في قاعة للمناسبات، وفق الندا.
وقال الندا إنه بأمر من وزارة الداخلية -في حينها- جرى رفع جثمانه من هذه المقبرة إلى المقابر العامة، "ولكن لا أعلم حقيقة أين دفن".
ونوه مرعي إلى أن القبر موجود، ولكن هناك نوعا من القلق لدى من يرقب زيارته، عدا عن تحول في المزاج العام، بسبب حجم الأحداث المريرة التي توالت على العراقيين.
ويعتقد محمود أن موضوع قبر صدام لم يعد يشكل رمزية كما كان متوقعا، وما يواجهه العراقيون اليوم -بمن فيهم بعض مؤيديه- يجعلهم لا يهتمون بقبره أو مكانه.
وقال "الجزيرة نت" في ختام التقرير إنه حاول التواصل مع مسؤولين حكوميين في فترة اعتقال صدام حسين، لكنهم رفضوا التصريح، وعلل المستشار السابق للأمن الوطني موفق الربيعي رفضه الحديث لنا بأن "جميع السياسيين يريدون أن يبعدوا أنفسهم عن هذا الحدث التاريخي".
رغد صدام حسين
وفي ذكرى إعدامه الـ14 نشرت رغد صدام حسين ابنة الرئيس العراقي الراحل، مقطع فيديو عبر حسابها الشخصي بموقع تويتر، قالت فيه إن "قوى الشر اجتمعت لتدمير بلادها، تحت ذريعة الديمقراطية والتحرر".
وأضافت: الرئيس الشرعي والدستوري للعراق وباني نهضته كي تصبح بغداد عمود الخيمة العربية، ولم ترق تلك النهضة للبعض من أعداء يقظة الشعوب، فانساقت حفنة ضالة من حملة الجنسية العراقية، فضربوا البلد وأهله بعصي الشر والطغيان، وكبدوا العراقيين خسائر هائلة من الدماء والأرواح البريئة.
وتابعت: هؤلاء الذين ظنوا ظن السوء أن التغيير نحو الأفضل سيكون باحتلال العراق وتدمير شعبه وقيادته، ونفذوا جريمتهم القذرة التي انتهت باحتلال البلد في التاسع من نيسان/أبريل 2003.
كلمة السيدة رغد صدّام حسين بمناسبة الذكرى الرابعة عشرة لاستشهاد الرئيس صدّام حسين
— رغد صدام حسين (@RghadSaddam) December 29, 2020
-1- #رغد_صدام_حسين #ذكرى_استشهاد_صدام_حسين pic.twitter.com/PqWKMqegvJ
وأردفت رغد: ذلك اليوم الأسود سيبقى عارا في تاريخ البشرية، وهو اليوم الذي اجتمعت فيه كل قوى الشر للتخلص من رمز العراق والدي الشهيد صدام حسين وقيادته الوطنية.
وأشارت ابنة الرئيس العراقي الراحل إلى أن كل الأقنعة سقطت بعد ذلك، لتظهر الوجود القبيحة لهؤلاء الجناة الذين ادعوا الديمقراطية والتحرير. وفق حديثها بمقطع الفيديو.