غيّب الموت في السادس عشر من كانون الأول الجاري، الروائي والقاص جمال بنورة، في بيت ساحور التي ولد فيها العام 1938، تاركاً وراءه عدداً من النتاجات السردية البارزة، سواء على مستوى الرواية، أو القصة القصيرة، أو المسرح.
وعمل بنورة، الذي سبق أن اعتقلته سلطات الاحتلال عدة مرات، في سلك التربية والتعليم، وكان بدأ الكتابة القصصية في أوائل ستينيات القرن الماضي، ليكتب بعدها، علاوة على القصة القصيرة، المسرحية والرواية.
ونشر بنورة قصصه في صحف الجهاد، والفجر، والشعب، والاتحاد، والجديد والفجر الأدبي، كما أبدى اهتماماً لافتاً في جمع التراث الشعبي الفلسطيني ودراسته، هو الذي ترجمت قصصه إلى عدة لغات كالإنكليزية، والألمانية، والبلغارية، والإسبانية، فيما ترجمت له مجموعتان قصصيتان إلى الروسية والإيطالية، كما حاز العديد من الجوائز الأدبية.
حنا إبراهيم
كما غيّب الموت الشاعر ورئيس مجلس البعنة المحلي سابقاً، حنا إبراهيم إلياس، عن عمر ناهز 93 عاماً، في الخامس عشر من تشرين الأول، في مستشفى صفد، إثر معاناته من المرض.
واشتهر الشاعر إبراهيم، ابن "البعنة"، والمولود في قرية "البصة" في الشاغور بالجليل الفلسطيني العام 1927، وأنهى تعليمه الابتدائي في مدرستي "البعنة" و"الرامة"، والثانوية في مدرسة "عكا الثانوية"، بمواقفه المناهضة للاحتلال وللتشريعات العنصرية.
وفي العام 1996 منحه الرئيس الشهيد ياسر عرفات وسام القدس للثقافة والفنون، ونال كذلك جائزة الإبداع، وترأس مؤسسة الأسوار لعشر سنوات تطوعاً، كذلك له إسهامات في الكثير من الندوات والمؤتمرات والفعاليات الثقافية والسياسية.
محمد الجولاني
وفي الثالث من تشرين الأول، فُجِعَ الوسط الثقافي والفنّي برحيل الفنان التشكيلي الشاب محمد الجولاني، أحد أبرز أبناء جيله، والذي تميَّزَ بطريقته المُغايرة، ورؤيته العميقة في تقديمِهِ لمشاريعِهِ الفنية، ما دَفَعَ العديد من المُقَيّمين والفنانين إلى إطلاق لقب "فان جوخ فلسطين" عليه.
ومحمد الجولاني فنانٌ فلسطينيٌ حاصلٌ على شهادة الفنون الجميلة من جامعة القدس العام 2009، وكان يُكمل الدراسات العليا في الفنون المعاصرة بأكاديمية "بيساليل" في القدس، كما عَمِلَ محاضراً للفنون في جامعة القدس، ومُعَلِّماً للفنون في مدارس الفرندز، وكان قبلَ رَحيلِهِ يعملُ بشكلٍ مُسْتَقل، ويُدَرِّبُ في أكثر من مؤسسةٍ ثقافية.
وكان معرض الجولاني الأخير بمثابة محاولةٍ لاستكشاف فكرة عزل الدول والمدن والأفراد، وتشبيهها بأن أحداً ما يرسُمُ دوائرَ من حولنا، هو الذي قال عنه: "إنها تجربةٌ استثنائيةٌ.. الوقت الذي يستَمِرُّ في الطيران على الرغم من الانقطاع القسري، وعلى الرغم من ثبات المكان، ثمَّةَ مساحةٌ ضيقةٌ تتَّسِعُ لاستيعاب العمل الدائم والمستمر، بضعة أشهر مكثفة كما لو كانت محاكاة مع سيف ديموقليس فوق الرأس!
عبد الحي مسلم
وفي مطلع آب، توفي الفنان المناضل عبد الحي مسلّم، في العاصمة الأردنية، عمان، عن عمر (87 عاماً)، بعد رحلة كفاحية ونضالية وفنية قضاها دفاعاً عن قضية شعبه ووطنه.
وكان مسلم فاز بجائزة محمود درويش للإبداع، عن مؤسسة محمود درويش في العام 2014، هو الذي قال في استذكار نشرته الأيام، عقب رحيله: لم تربطني بمحمود درويش علاقة قوية إذ كان ضمن الطبقة الأولى، أما أنا فكنت من الطبقة الأقل حظاً، إلا أن محمود درويش زارني برفقة إسماعيل شموط، زارا المعمل الخاص بي، وأحضرا لي غراءً ونجارة للعمل.. وكانا مستغربين كيف أعمل تحت القصف، كان ذلك في العام 1982 في بيروت.
هارون هاشم رشيد
ورحل الشاعر الفلسطيني الكبير هارون هاشم رشيد، في السابع والعشرين من تموز، بعد مسيرة حافلة بالعطاء في مجالَي الأدب والصحافة، بدأت مع النكبة الفلسطينية العام 1948.
جدير بالذكر أن هارون هاشم رشيد (1927 - 27 تموز 2020) شاعرٌ فلسطيني من مواليد حي الزيتون بمدينة غزة، وأصدر قرابة عشرين ديواناً شعرياً منها: "عودة الغرباء" (1956)، و"غزة في خط النار" (1957)، و"أرض الثورات" (1958)، و"حتى يعود شعبنا" (1965)، و"سفينة الغضب" (1968)، و"رسالتان" (1969)، و"رحلة العاصفة" (1969)، و"فدائيون" (1970)، و"مزامير الأرض والدم" (1970)، و"الرجوع" (1977)، و"مفكرة عاشق" (1980)، و"يوميات الصمود والحزن" (1983)، و"النقش في الظلام" (1984)، و"المزّة" (1988)، و"ثورة الحجارة" (1991)، و"طيور الجنة" (1998)، و"على جبين القدس" (1998)، وغيرها.
واختار "الأخوان رحباني" عندما زارا القاهرة العام 1955 من أعماله حوارية "بين فتاة فلسطينية من اللاجئين واسمها ليلى وبين والدها"، بالإضافة لقصيدتَي "سنرجع يوماً"، و"جسر العودة" فغنتهما فيروز، وتم تسجيلهما بالقاهرة، كما اختير نحو 90 قصيدة من أشعاره قدمها أعلام الغناء العربي، وفي مقدمة من أنشدوا أشعاره فيروز، وفايدة كامل، ومحمد فوزي، وكارم محمود، ومحمد قنديل، ومحمد عبده، وطلال مداح، وآخرون.
وأصدر الراحل أعمالاً روائية منها: سنوات العذاب (1970)، وقدم دراسات عدة منها: الشعر المقاتل في الأرض المحتلة، ومدينة وشاعر: حيفا والبحيري، والكلمة المقاتلة في فلسطين.
ونال عدة جوائز تقديرية منها: وسام القدس العام 1990، والجائزة الأولى للمسرح الشعري من "الألكسو" العام 1977، والجائزة الأولى للقصيدة العربية من إذاعة لندن 1988.
وكتب رشيد أربع مسرحيات شعرية، مُثل منها على المسرح في القاهرة مسرحية "السؤال" من بطولة كرم مطاوع وسهير المرشدي، وبعد حرب العام 1973 كتب مسرحية "سقوط بارليف" وقُدمت على المسرح القومي بالقاهرة العام 1974، ومسرحية "عصافير الشوك"، إضافة إلى العديد من المسلسلات والسباعيات التي كتبها لإذاعة "صوت العرب" المصرية وعدد من الإذاعات العربية.
وفي العام 2014، اختارت وزارة الثقافة الفلسطينية الراحل رشيد شخصية العام الثقافية، تقديراً لدوره الفاعل والكبير في سبيل إعلاء قضية شعبنا الفلسطيني الثقافية والسياسية، فيما منحه الرئيس محمود عباس في العام 2016، وسام الثقافة والعلوم والفنون (مستوى الإبداع)، بينما كان منحه الرئيس الشهيد ياسر عرفات وسام القدس في العام 1990.
غاوي غاوي
وفي ذات اليوم، غيّب الموت، الموسيقار الدكتور غاوي غاوي، مؤسس كلية الفنون الجميلة في جامعة النجاح الوطنية بمدينة نابلس، وعميدها السابق، إثر مرض عضال.
ولد غاوي في الناصرة العام 1950، وحصل على شهادة الدكتوراه في الموسيقى من جامعة صوفيا في بلغاريا العام 1978، وله العديد من الأعمال الموسيقية منها: "ملحمة كفر قاسم"، و"أنا من هذه المدينة"، كما لحن أشعاراً لمحمود درويش وتوفيق زياد، والعديد من الشعراء الآخرين، وكان قائداً لفرقة الجامعة الموسيقية التي قدمت العديد من العروض على مسارح مختلفة.
أيمن صفيّة
وفي 28 أيار رحل مصمم الرقص المعاصر والراقص المبدع أيمن صفية، بعد أن ابتلعه البحر الذي كان ملجأه، كما ابتلع أحلامه وإبداعاته هذه المرة، ليوارى جثمانه الثرى، في "كفر ياسيف"، بعد رحلة استمرت لأيام في البحث عن آثاره.
وقال مقربون من صفية إن حادث الغرق حدث في رحلة "تخييم" عند شاطئ بالقرب من مدينة حيفا، وعند الساعات الأولى لاختفاء صفية، لم يكن الخبر منتشراً بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، على عكس ما حدث، حين أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إيقاف البحث عنه عند منتصف الليل لاستئنافه في اليوم التالي، فتداول أصدقاؤه وأقاربه الخبر، وتنادوا للبحث عنه، معممين المقطع الأخير الذي نشره على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، راقصاً في لوحة حملت عنوان "واصل التحرك"، وهو العنوان الذي استخدموه في شحذ الهمم من قبيل "واصل التحرك يا أيمن.. ننتظر عودتك".
يحيى حسن
وفي مطلع الشهر ذاته، تصدر نبأ وفاة الشاعر الشاب يحيى حسن (24 عاماً) صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية الدنماركية، بل والعالمية، باعتباره، وفق تعبير الكثير من كتبة التقارير حوله "كان معروفاً برسائله العظيمة، ولم يكن قذراً ولا صدفة".
وكان حسن سطّر مجموعتيه بحروف كبيرة، وهو ما استطاع أن يعكسه ببراعة عند قراءة قصائده للقراءات، كما كان عندما نشرت قصائده في مجموعاته الشعرية.. كُتب كل شيء بحروف كبيرة وأصبح إحدى السمات المميزة للشاعر المتوفى.
وأشار نقاد دنماركيون إلى أن كتابات حسن تترك انطباعات جميلة مع أنها تفيض ألماً وغضباً مرهقاً، فمجموعاته الشعرية تصلح لأن تكون صرخات وبيانات صيغت بأسلوب شعري متميز.
عبد الرحمن أبو القاسم
وفي العاشر من نيسان، رحل الفنان الفلسطيني القدير عبد الرحمن أبو القاسم، عن عمر ناهز 78 عاماً في العاصمة السورية دمشق، ويعتبر الفنان أبو القاسم من مؤسسي المسرح العربي والفلسطيني في الشتات.
وأبو القاسم ساهم في تأسيس المسرح الوطني الفلسطيني، وعمل على نهضة الحركة المسرحية الفلسطينية بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، حيث آمن بدور المثقف والفنان في إسناد الفعل الكفاحي حماية لغايات وأهداف التحرر، لكنه توفي بعيداً عن مسقط رأسه بلدة صفورية المهجرة، بعد رحلة حافلة بالعطاء في المسرح والتلفزيون والسينما.
جدير بالذكر أن قائمة الراحلين عن المشهد الثقافي الفلسطيني في الوطن والمهجر، كانت طويلة، فمحنة الثقافة الفلسطينية المكلومة بالاحتلال منذ عقود، وبجائحة "كورونا" المتواصلة منذ عام أو يزيد، فجعت، ولا تزال، برحيل مبدعيها، من أجيال ومجالات إبداعية متعددة.
الايام