فقدت تونس المفكر اليساري جلبار نقّاش الذي يعتبر من أبرز المعارضين لنظامي بورقيبة وبن علي، فضلا عن سجله الحقوقي الحافل ومعارضته لإسرائيل، ودعوته للفصل بين الدين اليهودي والحركة الصهيونية.
وتوفي جلبار نقاش، عن عمر ناهر 81 عاما، وفق ما أكد نجله سليم نقاش، الذي قال إن والده عانى بسبب مواقفه المعارضة للأنظمة المستبدة ولإسرائيل.
وُلد جلبار نقاش عام 1939 في العاصمة التونسية، لأبوين يهوديين، قبل أن يكمل دراسته لاحقا في فرنسا، وبعد عودته إلى تونس انضم إلى حركة “برسبكتيف” التي أسسها في باريس طلبة تونسيون ينتمون إلى تيارات ماركسية وقومية متنوعة.
وبسبب نشاطه السياسي، حُكم عليه بالسجن لمدة 14 سنة، تعرض خلالها لشتى أنواع التعذيب من قبل نظام الحبيب بورقيبة، قبل أن يتم إطلاق سراحه بعد عشر سنوات، لكنه بقي تحت المراقبة والإقامة الجبرية.
كما تعرض للتعذيب والتنكيل حلال حكم زين العابدين بن علي، قبل أن يتم نفيه إلى فرنسا، التي بقي فيها حتى قيام الثورة التي أطاحت بحكم بن علي عام 2011.
واستغل فترة وجوده الطويل في السجن لكتابة أول مؤلفاته “الكريستال”، والذي خطّه على أغلفة عُلب سجائر لعلامة “كريستال” التونسية.
وعام 2016 نظمت هيئة الحقيقة والكرامة جلسة علنية لضحايا التعذيب، أدلى خلالها نقاش بشهادة حول التعذيب والمضايقات التي تعرض لها خلال حكم بورقيبة وبن علي.
كان نقاش ماركسياً وعُرف بمواقفه المعادي لإسرائيل وللصهيونية كحركة استعمارية عنصرية، كما ندد خلال عقود بالانتهاكات المتكررة لدولة الاحتلال ضد الفلسطينيين، ودعا للفصل بين الدين اليهودي والحركة الصهيونية، وهو ما دفع إسرائيل لاتهامه بمعاداة السامية.
ونعت الطبقة السياسية في تونس، جلبار نقاش، حيث اعتبر الرئيس قيس سعيد أن نقاش هو “من رموز التحرر الوطني، بل كأحد رموز تحرر الإنسانية جمعاء (وهو) من المناضلين الصادقين ممن آمنوا بمبادئ التحرر والعدل وناضلوا من أجلها إلى آخر رمق”.
وأشار إلى أن تونس خسرت بوفاة جلبار نقاش “أحد الذين ثبتوا وصمدوا وثابروا بالرغم من غياهب السجون التي قضوا فيها سنوات طويلة من شبابهم وبالرغم من الأصفاد التي أدمت أياديهم ولكنها لم تثل أبدا في عزائمهم وإرادتهم وإخلاصهم”.
كما اعتبرت حرك النهضة أن تونس ” فقدت احد أهمّ مناضلي الحريات وحقوق الإنسان على مدى عقود من الزمن، وشخصية وطنية كان لها السبق في مواجهة الاستبداد والتسلّط والانتصار لقيم الحرية والعدالة الاجتماعيّة ومناهضة الصهيونية”.
وكتب الرئيس السابق منصف المرزوقي: “توفي اليوم السيد جلبار نقاش الذي عرفته طيلة عقد الثمانينيات جمعتنا نفس قيم اليسار الاجتماعي والحركة الحقوقية وكان أيضا من القلائل الذي غامر بنشر إحدى كتبي باللغة الفرنسية. ثم فرقتنا الخلافات الايدولوجية حول الموقف من الإسلاميين، لكنني لم أتخل يوما عن احترامي لوطنيته وصدقه وإخلاصه للمبادئ التي قادته سنوات طويلة للسجن والمضايقات والعزل الاجتماعي ناهيك عما تعرض له من عنصرية وتمييز بسبب ديانته اليهودية. وداعا أيها الرجل الفاضل وكل تعازي الصادقة لأهله وذويه”.