هذه جملة قالها رئيس شركة دولية من الامارات في معرض تأكيده وحماسه ورؤيته للسلام مع إسرائيل، كان يتحدث بالإنجليزية بلكنة محلية لا تخفى، بدا الرجل بوجه الحليق مستمتعاً وواثقاً ومسيطراً... ولكن أمي لا تملك بيتاً، فقد هدم منذ عام 1948، ثم طوردت في أماكن كثيرة، واعتبرت في بعض الأحيان هدفاً سهلاً أو إرهابية محتملة أو عبئاً ديمغرافياً أو خطراً كامناً، أمي ليس لها بيت تستطيع أن تستقبلك فيه، فهي لا تستطيع أن تستدعي أحدا إلى بيتها لأن كل من يزورها سيفحص ويحاصر بالأسئلة، أمي هي التي تستوقف في المطارات وتطرد من الطائرات وتعطي وثائق سفر لا يعترف بها حتى من أصدرها.
أمي ليس عندها ما تقوله أو تحكيه سوى حكاية طردها وجرحها ونكبتها، أما الأم الأخرى فهي التي طردت أمي وأخذت مكانها ولبست ثوبها وأكلت طعامها الساخن، وقطفت ورود حديقتها، وأخذت طبق القش الملون الذي عادة ما تزين به أمي صدر بيتها.
ان شعار " أزور أمك وتزور أمي" باعتباره التتويج الأسمى للسلام هو عمى ألوان حقيقي، واعتداء على السردية التاريخية، وتشويه للوقائع، وتجميل للجريمة، وانكار للجرح، وتجاوز عن الاهانة.
ان التطبيع مع اسرائيل –رغم انه غير مجدٍ ولا يقدم الحلول أو الحماية أو الشرعية- لا يعني الانسلاخ عن الثوابت، ولا يتضمن التنكر للعقائد، ولا يتطلب شطب الشعب الفلسطيني عن الخارطة، ولا يعني أيضاً نهاية أو انهاء للصراع العربي الإسرائيلي. ولا يعني الاشتراك في محاصرته أو تجفيف تمويله أو تبني رؤية المحتل. فالشعب الفلسطيني رغم تشتته في البقاع كلها إلا أنه قائم ومستمر وصامد وما يزال يطالب بحقه، وإذا كان الفلسطينيون في مناطق 1948 يعانون من التهميش والانكار والتمييز الفقر والمرض والجريمة، إلا انهم أقلية صامدة وعصية على الكسر، أما الفلسطينيون في مناطق 1967 فهم يقودون النضال الفلسطيني بكل أشكاله وألوانه، ولا أعتقد أنهم سيهاجرون أو يهجرون أو يختفون عن المشهد، أم الفلسطينيون في مناطق الشتات، فهم متمسكون بفلسطينيتهم بطرقهم وأساليبهم التي لا تخفى على أحد. نحن، شعب لم نحصل على حقوقنا، ولهذا، فلا يحلم أحد بأن يتجاوزنا أو يتجاوز حقوقنا، حتى لو زار الجميع أمهات الجميع.
نحن أيضاً لنا أمهات، ونريد أن نزورهن. هناك فلسطينيون لم يتمكنوا من رؤية أمهاتهم لعشرات السنين بسب الاعتقال أو عدم القدرة على الوصول إليها بسبب عدم امتلاك جواز سفر. هناك امهات غادرن عالمنا وكانت آخر أمنياتهن مشاهدة فلذات أكبادهن. هناك أمهات فلسطينيات –الآن تماماً- لا يستطعن توفير الغذاء أو الدواء لأطفالهن.
"أزور أمك وتزور أمي" شعار يعكس الخواء والخور والخوف والاستجداء والاستخذاء ليس إلا..