المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية في مذكرات أوباما..محمد ياغي

الجمعة 25 ديسمبر 2020 02:08 م / بتوقيت القدس +2GMT



في المقال السابق، كتبت أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قد بين في مذكراته «أرض موعودة» أنه يعي جيداً تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ويدرك أيضاً أن الإسرائيليين قد أصبحوا أكثر ميلاً لليمين الإسرائيلي الذي لا يرغب في السلام وأنه أيضاً يعي مدى وقوة تأثير اللوبي اليهودي في بلاده.
في هذا المقال أستكملُ ما قاله أوباما عن المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية التي تمت في ولايته الأولى.
أوباما الذي يقول في مذكراته إن إدارته قد قدمت لإسرائيل «مساعدات مالية وعسكرية أكثر من أي حكومة أميركية سابقة»، يذكر أيضاً أن العديد من أركان إدارته قد نصحوه بأن يبتعد عن الملف الفلسطيني – الإسرائيلي لأن فرص حل هذا الصراع محدودة «عندما ينتمي الرئيس الأميركي ورئيس وزراء إسرائيل لخلفيات سياسية وإيديولوجية مختلفة»، وأنهم قد طلبوا منه أن يكتفي بإدارة الصراع بين الطرفين لمنع وصوله إلى مرحلة الصدام العنيف.
رغم ذلك، يقول أوباما، إنه رفض هذه النصائح لأنه يدرك أن حل هذا الصراع هو مصلحة أميركية لسببين: الأول لأن السلام بين الطرفين يوفر الأمن للمصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط والثاني لأن الولايات المتحدة عليها أن تكون منسجمة مع نفسها فهي لا تستطيع أن تطالب خصومها في العالم مثل الصين وإيران باحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي بينما أهم حلفائها في العالم «إسرائيل» لا يقوم بذلك.
هذا «النفاق»، يقول أوباما، «انتقاد الصين وإيران لمخالفتهما للقانون الدولي والدفاع عن إسرائيل في نفس الوقت الذي تنتهك هذا القانون» جعل الدبلوماسية الأميركية موضع تساؤل.
هذه المقدمات عن إدراك أوباما لجذور الصراع والظروف المحيطة به وانعكاساته على أميركا ومصالحها توحي للقارئ بأن أوباما قد وضع خطة مفصلة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، لكن المفاجأة أننا نكتشف أن الرجل لم تكن لديه خطة أو مشروع باستثناء إقناع الطرفين بالعودة إلى طاولة التفاوض وكأن ذلك بحد ذاته كافٍ لإنهاء الاحتلال وتحقيق السلام.
يقول أوباما، بما أن إسرائيل هي الطرف الأقوى وأن الفلسطينيين هم الطرف الأضعف فإن المنطق اقتضى «أن يتم الطلب من الطرف الأقوى تقديم التنازلات لبدء المفاوضات.»
وبما أن الفلسطينيين قد رفضوا المفاوضات قبل وقف إسرائيل لأعمال الاستيطان فإن إدارته كان عليها أن تطلب من إسرائيل وأن تضغط عليها لوقف الاستيطان.
أوباما لا يذكر طبيعة الضغوط التي مارستها إدارته على إسرائيل، إن كانت فعلاً قد مارست الضغوط باستثناء «محاولات الاقناع»، لكنه يذكر كيف تعرضت إدارته للضغوط بسبب موقفها من الاستيطان.
«الهاتف لم يتوقف عن الرنين في البيت الأبيض» يقول أوباما. أعضاء من الكونغرس، صحافيون، ممولون للحزب الديمقراطي، وزعماء الجالية اليهودية، جميعهم كانوا يتصلون للتعبير عن استيائهم من إدارته بسبب مطالبتها إسرائيل بوقف الاستيطان و«متسائلين» في نفس الوقت «لماذا اختارت إدارته إثارة موضوع الاستيطان بينما يعلم الجميع أن العنف الفلسطيني هو الذي يمنع السلام».
هنا يذكر أوباما أن أحد أعضاء الكونغرس من الحزب الديمقراطي تحدث ساعة كاملة مع مستشاره للأمن القومي «معارضاً لأي ضغوط على إسرائيل بهدف دفعها لوقف الاستيطان».
«كنت أعتقد بأنه ضد الاستيطان»، يقول أوباما لأحد مستشاريه. «نعم هو ضد الاستيطان لكنه أيضاً ضد ممارسة الضغوط على إسرائيل لوقفه» يجيب مستشاره.
أوباما هنا يقول إن إدارته قد استنفدت عامها الأول (٢٠٠٩) وهي تحاول إقناع إسرائيل بوقف الاستيطان من خلال مبعوثها لعملية السلام جورج ميتشل ووزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون، وإن ذلك قد أثمر مع نهاية العام عن إعلان نتنياهو تجميد الاستيطان في الضفة باستثناء القدس لمدة عشرة أشهر.
أوباما يعتبر ذلك تنازلاً من إسرائيل تمكن هو من انتزاعه وينتقل هنا لتحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية رفض العودة للمفاوضات.
يقول أوباما إن الرئيس عباس قد رفض إعلان نتنياهو لأنه لم يشتمل على تجميد الاستيطان في القدس وإنه اعتبر الإعلان مخادعاً لأن أعمال البناء في المستوطنات القائمة ستبقى مستمرة خلال فترة التجميد.
ويقول أيضا إن الرئيس عباس قد استمر في رفض المفاوضات لمدة تسعة أشهر متتالية «لاحقاً لإعلان نتنياهو» وإنه أضاع هذا الوقت دون مفاوضات.
هنا يذكر أوباما كيف قامت إسرائيل بإحراج إدارته عندما أعلنت في آذار ٢٠١٠ عن نيتها بناء ١٦٠٠ وحدة استيطانية جديدة في القدس خلال زيارة نائبه جو بايدن لإسرائيل وكيف اضطرت إدارته لبلع الإهانة وأنه اكتفى بالطلب من وزير خارجيته الاتصال بحكومة نتنياهو للتعبير عن استيائه من قرارها.
«موافقة الفلسطينيين على العودة للمفاوضات حدثت في آب من العام ٢٠١٠»، يقول أوباما بفضل الرئيس مبارك والملك عبد الله، لكن الرئيس عباس اشترط حينها موافقة نتنياهو على الاستمرار في تجميده للاستيطان.
هنا يذكر أوباما أنه قام بجمع الرئيس عباس والرئيس مبارك والملك عبد الله ونتنياهو في البيت الأبيض في ذلك الشهر لإطلاق المفاوضات.
«كان شهر رمضان» يقول أوباما، وإن إدارته قد حرصت على تقديم وجبة الإفطار في موعدها» وفق شعائر المسلمين. وإن «القادة استذكروا في أحاديثهم خلال الافطار ضحايا الصراع بين العرب وإسرائيل، وعبروا عن تطلعاتهم ورغبتهم بإحلال السلام من أجل الأمن والازدهار والاستقرار لشعوبهم.»
لكن ذلك لم يحدث انطلاقة حقيقية للمفاوضات، يقول أوباما. كان هنالك اجتماعان فقط بعد ذلك بين الفلسطينيين والإسرائيليين: واحد في اليوم التالي لإفطار رمضان في واشنطن والثاني بعد اثني عشر يوماً في منزل نتنياهو في القدس.
كانت «المحادثات جوهرية» يقول أوباما بناء على تقارير تلقاها من جورج ميتشل وهيلاري كلينتون، دون أن يذكر هنا ما الذي يعنيه ذلك، لكن المحادثات توقفت بسبب إصرار الرئيس عباس على الاستمرار في تجميد الاستيطان وإعلان نتنياهو الصريح رفضه لذلك في كانون الأول ٢٠١٠.
هنا يقول أوباما إنه أصبح واضحاً لديه أن أي اختراق في محادثات السلام خلال ولايته الأولى غير ممكن وأن للشرق الأوسط حقائقه الخاصة به: «نتنياهو الذي يدعي دائماً أن الرئيس عباس رجل ضعيف ولا يستطيع إقامة سلام مع إسرائيل يعمل كل شيء من أجل إبقاء الرئيس عباس ضعيفاً». والأخير «يهدد بالذهاب للمحكمة الجنائية الدولية» لمحاكمة إسرائيل على جرائمها «لكنه يحافظ على علاقات تجارية وأمنية معها»، وأن القادة العرب «يتحدثون دائماً عن حقوق الإنسان الفلسطيني تحت الاحتلال لكنهم يضطهدون شعوبهم ومعارضيهم بشكل دائم».