معضلة كل أسبوع..سما حسن

الخميس 17 ديسمبر 2020 09:47 ص / بتوقيت القدس +2GMT



ذهب كثيرون أن لا فائدة من الإغلاق الأسبوعي، أي أن يفرض شبه منع التجول في يومي الجمعة والسبت، وتصبح الحركة محدودة، ويلتزم السكان في بيوتهم، وأكدوا أن ذلك لن يأتي بثمرة، ولكن النظر ببعض التدقيق ربما يدفعنا للتساؤل، وهو لماذا أوصلنا أنفسنا لهذا القرار الأسبوعي، بحيث يتحول يوما الإجازة الأسبوعية لبقاء إجباري في البيوت؟
قبل هذين اليومين تشهد الأسواق حركة اكتظاظ واسعة، ومخجلة في نفس الوقت، تشير بكلمة واحدة ولا فرار منها وهي البطون، فنحن نفكر فيما يملأ البطون، ونتفنن في اختيار الطعام والشراب لثمان وأربعين ساعة كان من الممكن قضاؤها بصورة أفضل.
كان من الممكن أن نفكر أن يومي الإجازة يمكن البقاء فيهما في البيت مع العائلة، ولا يقصد بالعائلة ان تجتمع العائلة الممتدة في بيت العائلة، وكل واحد من الابناء والبنات يأتي بعائلته من مكان بعيد في البلد لكي يجتمعوا في "بيت الحج والحجة"، فهذه كارثة، تخيلوا ان كل واحد من الابناء يقيم في مكان مختلف ولديه اولاد وبنات، وعندما يأتي فهو يصحب معه خارطة تنقلات وشبكة متشابكة، فكل فرد له حياته ما بين العمل والدراسة وأماكن الترفيه وحتى التسوق، ثم يجتمعون في بيت مغلق ويأكلون سوياً ويتجالسون ويتحدثون ويتسامرون مستغلين يومين من الإغلاق ثم ينتشرون إلى حيث اتوا، وهنا تكون الكارثة قد حلت.
أنت لا تعرف مَن المصاب بفيروس كورونا ولا مَن هو الحامل للفيروس ولا مَن الذي أصيب وتعافى وربما لديه استعداد للإصابة مرة أخرى، ومَن يُخفي أعراضه، وهكذا تنتشر الإصابة وتتوزع وتتصاعد، والجميع يريد ان يجتمع ويستغل يومي الإجازة لكي يُرضي ضميره بتقصيره في زيارة الأحبة والرحم والحجاج.
تخيلوا لو تحلينا بروح ليست انانية، لو فكرنا ان يكون هذان اليومان للبيت فقط، فرصة للانعزال عن العالم، فرصة للبقاء مع الابناء والبنات والزوجة فقط، ثم نترك باقي ايام الاسبوع لزيارات خاطفة لأرحامنا ولأعزتنا من كبار السن والمرضى.
الزاوية الاخرى هي زاوية التسوق، هل لاحظتم مقدار الانفاق في هذين اليومين، هل لاحظتم وأعدتم حساباتكم بأنكم تشترون زيادة عن المطلوب، وأكثر من المعتاد فقط لأن الفراغ سيكون كبيراً و "اللمة بتخلي الواحد يشعر بالجوع"، والحقيقة أن اللمة أي الاجتماع لا تجعلك تفكر باستثمار 48 ساعة في تنظيف وتقليم الحديقة أو ترتيب المكتبة أو تعزيل السدة العلوية المليئة بالكراكيب، أو حتى الجلوس للتأمل في الشرفة بعيدا عن صخب العالم.
الخطأ الأكبر هو الهرع إلى التسوق يوم الخميس، فأين أنت من باقي ايام الأسبوع، ولماذا تسمح للتجار باستغلالك وترويج بضائع كاسدة أو غير مجدية أو غير مفيدة لمجرد أنك تصاب بحمى الشراء أمام الآخرين الذين يشترون بلا تفكير أو تخطيط.
لماذا لا تجعل تسوقك خلال أيام الأسبوع، فتشتري براحتك واقل القليل وبأسعار مناسبة ليس فيها استغلال ولا احتكار؟ ولماذا لا تستغل باقي ايام الاسبوع بالزيارات او حتى المكالمات بدلا من التكدس في البيوت ونشر المرض، مثل شِلل الأصحاب التي تقرر قضاء يومي الإجازة في شقة أحدهم وهم عزاب بالطبع، ولا الصديقة التي تنتقل لشقة صديقتها لتبقى عندها حتى انتهاء الحظر وهي لا تدري أي منهما سوف تسبب الأذى للأخرى؟
مشكلة الحظر يومي الجمعة والسبت أثبتت للأسف نظرية أننا نفكر باستغلال الإجازات الإجبارية ولو على حساب جيوبنا وصحتنا ومحبتنا لأقرب الناس لنا، فالمهم اننا في إجازة إجبارية ونُمنع من الخروج، علما ان كل شيء ممنوع يكون مرغوباً، ولذلك فلو جلست على قارعة الطريق في صباح الجمعة سوف تشعر بمتعة مختلفة لمجرد أنك تخالف الأوامر، ولكنك لم تنظر نحو هذه القارعة وانت تمر أمامها كل يوم واكثر من مرة.
يجب علينا ان نكون اكثر وعياً ونعلّم إولادنا وبناتنا أن الإجازة الإجبارية هذه الايام هي صورة مصغرة لحياة أسير في سجن الاحتلال، وصورة مصغرة لأيام منع التجول في زمن الانتفاضتين، وبأن علينا ان نتعلم الصبر، وتحويل كل أزمة إلى منفعة وفائدة دون إهدار وإنفاق واستنزاف لأموالنا ومشاعرنا وطاقاتنا.