"عندما يفقد الناس الأمل في استخدام حقهم الدستوري لتغيير الحكومة، فإنهم سيمارسون حقهم الثوري لتفكيك تلك الحكومة والإطاحة بها" آبراهام لينكولن – ١٨٦١.
ظهرت نتائج استطلاع للرأي العام أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، أن أكثر من 77 في المئة من الفلسطينيين يعتقدون أن جهود المصالحة وإنهاء الانقسام غير جدية وغير كافية. هذه الكلمات تثير الحزن في نفوسنا . وللأمر وجوه اخرى كثيرة. هذا الموضوع يلح على خاطري كثيرا ، ولعلى كتبت عنه قبل ذلك ، ولكن احداثا كثيرة متنوعة تسوقه دائما.
ربع قرن من السياسة المدمرة الفاشلة ؛ وانقسام داخلي ادى الى العنف، وشعبنا وقضيته الشريفة العادلة، وامتنا العربية والاسلامية في اخطر ظروفها. والخلاف الداخلي ضارك فتاك ، والقضايا المطروحة للاختيارات وللقرارات تدور لها الرؤوس ، ونحن فوق هذا كله،هل نخرج من ظلمة الى نور؟ ومن تخلف سياسي , الى محاولة تحضر ، ومن انكفاء على الذات الى انفتاح ومن تجاهل العالم لنا الى اهتمامه بنا، و بحث عن استقلالنا. وحقوقنا المشروعة. فى ظل الركوع السياسي العربي.
فلماذا نقف اكثر من ربع قرن هذا الموقف ، المتردي داخلي وخارجيا بوجه عام؟ يطلق المواطن هذا السؤال على نفسه ؛ ثم ينتهي الى حالة من الحيرة والاحباط وعدم الاقتناع بما يلقى امامه او ما يعثر عليه هو من حيثيات ومبررات. برغم من ذلك ،لم يدفع القائمين على الانقسام الاسود, لإدراك أن غياب الوحدة الوطنية الحقيقة ؛ خطر كبير على القضية والوطن.
أراقب باهتمام ما يفعله هؤلاء وأقارن بينهم وبين هذه الحقوق بعد أن عزفوا ذات الأسطوانة المشروخة طوال سنوات الوحدة الوطنية الاستراتيجية وحق الشعب في الاختيار ، والحق الدستوري الشرعي ، لكنهم وجدوا ، أنها لم تعد مقبولة لدى الشعب وقد بدأ يشعر بالاستياء من هذه المهمات العبثية. ومن الكلمات التى فقدت معناها الحقيقي ، وقد تستخدم في مجال يحمل كل معانى الجدية ، واحينا تصبح من كثرة استخدامها في غير موضعها وتحمل لدى الناس كل معاني السخرية؛ كلمات كبيرة جدا لكن بعضها لحقه الاجهاد من كثرة الاستعمال اللغوي ،وانعدام الاستعمال الفعلي، وذلك انها كثيرا ما تكون عرضة للاستخدام الخاطئ المتعمد من رجال السياسة او الكتاب ، او للاستخدام في مجرد تخدير الراي العام فتفقد اعز الكلمات معناها ؛ او بمعنى اصح تفقد وقعها ، على النفس وهي القيمة الاساسية للكلمة.
لم تعد لهذه الكلمات اذن سخونتها القديمة صارت لا تحرك شعرة في راس أي مواطن، الكل يتحدث عن الوحدة فلا يوجد في الظاهر من هو معها، ومن هو ضدها ،لم تعد تثير نقاشا و بحثا ومؤتمرات. لكنها وضعت في الثلاجة العميقة، وهذا احسن الممكن على أي حال ، حتى تبقي صالحة للاستعمال ربما بعد وقت طويل و بدلا ان تفسد هي الاخرى.
لكن .. الشعب صار أكثر ادراكاً الآن بأن خطة الانقسام الاسود، لم تكن سوى غطاء لاستباحته، واستباحة حقوقه المشروعة والدستورية ، ومحاولات التعطيل مسيرة الاستقلال - القضية والشعب الذي يشقى بانقسامهم وليس فقط الشعب ؟! فعندما يصل الأمر إلى هذا النوع من العبث الاعلامي الاستعراضي فلابد أننا مقبلون على كارثة كبرى.
المفكر السياسي " مكس ويبر" يقول: بدون الشرعية , فان أي حكم ، او نظام يصعب عليه ان يملك المفاتيح الضرورية على ادارة الصراع ، بالدرجة اللازمة. وقد يحيط مغتصب السلطة نفسه بكل اشكال الشرعية , فأي حكم قد يتمكن عن طريق القوة من اقامة برلمان مثلا ، واصدار قوانين وتشريعات, ولكنها تبقي كلها ستائر تخفي عدم الشرعية ولا تحل محل الشرعية. القانون ليس أي ورقة عليها توقيع الحاكم. فالقوانين احكام خارجة من ضمير الناس معبرة عنهم في الاساس وما عدا ذلك فهي قوانين لا تساوى في ميزان الشرعية اكثر من ثمن الحبر الذى كتبت به.
واي حكم قد يتمكن من تحقيق الرضا وضع ما عن طريق القوة او العادة ، ولكن العلاقة بين الحاكم والمحكوم تظل قلقة ، ومصدر ضعف للسلطة والوطن معا، الى ان يقتنع المحكوم بجدارة الحاكم واحقيته في ان يحكم ويدير له الامور عنه؛ فاقتناع الشعب بأحقية السلطة وجدارتها ، هذا الاقتناع هو جوهر الشرعية ومغزاها ، لا تغنى عنه كل اشكال السطوة والرهبة والنفوذ ، حتى لو احاطت نفسها بعشرات الدساتير والقوانين.
انما الغاية ان نقول ان الشرعية بهذا المعنى عنصر حاسم في قوة الشعب او ضعفه ،وان نقول ان الشرعية بهذا المعنى غائبة او ضعيفة ، وان نقول، ان الاحداث اذا كانت قد علمتنا اهمية الديمقراطية والوحدة ، والعقلانية؛ فقد ان لنا ان ندرك الاهمية الكبرى للشرعية ، لان الشرعية في النهاية هي انسجام بين الحاكم والمحكوم، وبغير هذا الانسجام الداخلي, لن ترقى لنا حياة في داخل بلادنا ، ولن يقوى لنا عود في خارج بلادنا ولن يكون في سياساتنا أي انسجام.
وما اشد ما تتعاظم القوة التي يملكها الشعب ، اذا استطاع محو صفحة الانقسام الاسود، ونشر ثقافة الوحدة وتكريس صورة الشرعية و الديمقراطية؛ ان يشارك كل الشعب – وليست فئة قليلة منه – في هذا الحوار الأبدي الدائر باستمرار، شعب ينوى حقا ان يهزم مشكلاته وان يحصل على استقلاله وحقه المشروع. لان أي قضية / شعب – لا يتقدم على ساق واحدة الا تقدم اعرج غير حقيقي.