خلص تقرير صادر عن مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب إلى أنّ التطوّرات المتوقّعة للمحور الإيراني شمال البلاد ستصعّب على الجيش الإسرائيلي العمل في الحرب المقبلة.
والتقرير، الذي أعدّته الباحثة أورنا مزراحي، التي عملت سابقًا في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، التابع لمكتب رئيس الحكومة، صدر في فصل ضمن كتاب بعنوان "الحرب المقبلة في الشمال: السيناريوهات، البدائل الإستراتيجيّة وتوصيات"، أمس، الإثنين.
ويلفت التقرير إلى تهديدات محتملة أبرزها "الوتيرة السريعة لأحداث بالتوازي، استصعاب توزيع اهتمام الجيش الإسرائيلي بين الجبهات، والتهديدات التي تواجه سلاح الجو الإسرائيلي، وتقليص الفجوة التكنولوجية بين إسرائيل وأعدائها، بالإضافة إلى حجم الضرر الذي قد تتعرّض له جبهتها الداخليّة".
التحوّلات منذ الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006
ويشير إلى التقرير إلى أن التغيّر الأبرز هو تطوّر تهديد عسكري تقليدي "الذي اليوم هو التهديد الأكبر على إسرائيل، ومن المتوقّع أن يتزايد خلال السنوات المقبلة" وتابع أن "إيران تمكّنت من استغلال الحربين الأهليّتين في العراق وسورية للدفع بطموحها لإنشاء محور شيعي بقيادتها، الذي تحوّل في السنوات الأخيرة إلى تحالف متماسك لجهات لديها قدرات عسكريّة، تعمل مباشرة بتوجيهاتها وتقدّم لها الخدمات".
وركّز التقرير في هذا الجزء على "حزب الله" اللبناني وعلى التموضع الإيراني في سورية، بالإضافة إلى تطرّقه للوجود العسكري الروسي على الأراضي السوري، وكيفيّة تقييده للعمليات الإسرائيلية في الحرب المقبلة.
"حزب الله".. ليست الصواريخ الدقيقة ما يؤرق فقط
وكتب التقرير أنّ "حزب الله" خلال السنوات الأخيرة جمع قدرات نارية بقوّة كبيرة وتزوّد بوسائل قتاليّة متنوعّة، وقدّر أن "حزب الله" يملك حوالي 150 ألف صاروخ وقذيفة لكل الأمدية (قصيرة، متوسّطة وبعيدة) تغطّي تقريبًا كافة مساحة إسرائيل. بالإضافة إلى "الارتفاع الملحوظ على سلّم التهديد الذي يشكّله جهد ’حزب الله’ بمساعدة إيران، في السنوات الأخيرة، للدفع ببرنامج تدقيق الصواريخ، ويشمل صواريخ باليستيّة، صواريخ كروز والصواريخ المضادة للسفن، وطائرات مسيّرة هجوميّة".
وأشار إلى أن التقديرات في إسرائيل هي أن لدى "حزب الله" صواريخ دقيقة تقدّر بـ"عدّة عشرات" بينما يملك "عشرات كثيرة" من الطائرات المسيّرة، ومن المتوقّع أن تستمرّ جهود "حزب الله" وإيران في السنوات المقبلة لزيادة هذه الأعداد.
وتابع التقرير أنه "من المقبول الاعتقاد أنّ إسرائيل ستستصعب منع تكديس الصواريخ الدقيقة بشكل واسع تمامًا عبر المعركة بين الحربين".
وزعم التقرير أن "حزب الله" استثمر في العقد الأخير ببناء خيار هجومي بريّ ضد إسرائيل. "للمنظمة قوّة كوماندو مدرّبة تعدّ آلاف المقاتلين اسمها ’قوّة الرضوان’، اكتسبت خبرة خلال مشاركتها في الحرب السورية، وهناك نيّة لإشراكها في الحرب ضد إسرائيل بهدف احتلال مناطق مفتاحيّة شمالي إسرائيل، منها بلدات مدنيّة وقواعد عسكريّة".
ورغم إعلان الجيش الإسرائيلي أنه دمّر أنفاق "حزب الله" في العملية التي أطلق عليها اسم "درع شماليّ" عام 2018، إلا أنه "ما تزال هنالك إمكانيّة لاختراق الحدود من فوق سطح الأرض و’حزب الله’ يركّز على تحضيرها. كل هذا بالإضافة إلى وسائل متطوّرة أخرى يملكها ’حزب الله’ أمام التهديدات في البحر وفي الجوّ، وقدرات أخرى في مجال السايبر".
التموضع الإيراني في سورية
ووصف التقرير التموضع الإيراني في سورية واقتراب قواتها وأذرعها من الحدود الإسرائيليّة بأنّه "تغيير إستراتيجي من الدرجة الأولى". وشرح أنّ "إيران عرفت كيفيّة استغلال حاجة (رئيس النظام السوري، بشار) الأسد لمساعدتها من أجل تعميق سيطرتها على سورية، وأكثر من ذلك إلى بناء تهديد عسكري جديد من سورية على إسرائيل".
ولفت التقرير إلى أنّ إسرائيل نجحت في الإضرار بقدرة إيران على بناء قواعدها العسكرية الخاصة في سورية عبر "المعركة بين الحربين" لكنّها "لم تمنع بشكل نهائي إنشاء أنظمة صواريخ أرض – أرض ومسيّرات هجوميّة، ولا وجود مستشارين إيرانيّين وعشرات آلاف الميليشيات" التي تعمل بأوامر وتمويل إيرانيّين.
وفصل التقرير بين التموضع الإيراني في سورية وبين بناء "حزب الله" قواعد في الجولان وقوّات موالية له، رغم إشارته إلى أنه حدثا بالتزامن. ولفت إلى تهديدات أخرى، مثل إعادة بناء جيش النظام السوري وبالأساس تقوية أنظمة الدفاع الجوي، بالإضافة إلى التموضع الإيراني غربيّ العراق، برعاية الحكومة العراقيّة وبالتعاون مع ميليشيات "الحشد الشعبي" العراقيّة.
ولفت التقرير إلى أنّ الوجود الروسي في سورية يشكّل تغييرا كبيرًا في توازن القوى، ويشمل هذا الوجود "نصب أنظمة دفاع جوي متطورة في سورية، لم تفعّل حتى الآن ضد إسرائيل لحسابات موسكو"، ما يعطي لروسيا تأثيرًا أكبر في الحرب المقبلة من السابق.
وفي مقابل ازدياد الدور الروسي، لاحظ التقرير انخفاض الاهتمام الأميركي والغربي في سورية وعدم استعدادهما للاستثمار في إعادة إعمار سورية.
تحدّيات على المستوى الإستراتيجي
وخلص التقرير إلى أنّ التحدّي الأكبر الذي يجب أن تستعدّ له إسرائيل هو الحرب متعدّدة الجبهات، وتطلّب تعاملا متزامنًا في الجبهات "القريبة والبعيدة".
وفي هذه المعركة "سيكون مطلوبا من إسرائيل اتخاذ قرارات تحدّد ساحة الحرب، ومن ضمنها الجبهات الأساسيّة والثانويّة، وتحديد سلّم الأولويّات وتوزيع الاهتمام والموارد. وأكثر من ذلك، ستستصعب إسرائيل السيطرة على حدود المعركة ومدّتها"، وفق التقرير، الذي أورد أنه سيكون من الصعب جدًا الفصل بين جبهتي سورية ولبنان في الحرب المقبلة. وتحدّث مسؤولون إسرائيليّون سابقًا عن "حرب الشمال" في إشارة إلى وحدة الجبهتين.
وأشار التقرير إلى تحدٍّ مركزي آخر هو الجبهة الداخلية الإسرائيليّة التي من المتوقّع أن تتعرّض لأضرار كبيرة "على الأقلّ في المرحلة الأولى" على عدّة مستويات: إمكانيّة الإضرار بالقدرات الضرورية لدولة إسرائيل بالتشديد على عرقلة نشاطات الجيش (مقرّات القيادة، قواعد سلاح الجو، منظومة التجنيد)؛ الإضرار بالبنى التحتية الإستراتيجيّة وبمنشآت حيويّة (مطارات وموانئ والطاقة والمواصلات والمياه)؛ أو الإضرار بالمراكز البشرية، في محاولة لتقويض الشعور بالأمان والمناعة القوميّة لمواطني إسرائيل، بحسب التقرير.
ولفت التقرير إلى تحديات كبيرة تواجه منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي، بالإضافة إلى تحدّي التفوق التكنولوجي للجيش الإسرائيلي المتوقعة عند "حزب الله" وإيران وأذرعها، في عدّة مجالات: السايبر، الدفاع الجوّي، الحرب الإلكترونيّة، الطائرات المسيّرة والصواريخ المضادّة للسفن. وتابع "سيكون مطلوبا من الجيش الإسرائيلي تدمير منظومة الدفاع الجوي لـ’حزب الله’ وسورية ومكوّنات إيرانيّة، مع الاجتهاد بعدم الإضرار بالروسيّين في المجال السوري" بالإضافة إلى الاستعداد لما سمّاها التقرير "مفاجآت إستراتيجيّة".
تغيّر على مستوى التدخّل الدولي
كما توقّع التقرير أن تغيّر القوى الدولية في الحرب المقبلة ستغيّر، لصالح دور روسي أكبر بسبب استمرار وجودها في الشرق الأوسط وفي البحر المتوسط، "وبهدف الحفاظ على مصالحها في المنطقة، ستحاول روسيا الحدّ من مجال النشاط الإسرائيلي في سورية، حتى تضطرّ إسرائيل إلى أخذ الموقف الروسي بعين الاعتبار – أكثر من الماضي – بما يتعلّق بأهدافها في الحرب". أمّا الولايات المتحدة، فتوقّع التقرير على الأقلّ دعمًا سياسيًا ومساعدة عسكريّة لإسرائيل، لكنّها قدّرت أن "الإدارة الأميركيّة – ديمقراطيّة كانت أو جمهوريّة – ستطمح إلى منع التدخل النشط في القتال وستطلب من إسرائيل الأخذ بعين الاعتبار بالآثار المحتملة للحرب على القوات الأميركيّة طالما هي موجودة في المنطقة.
ودعا التقرير إلى بلورة "إستراتيجيّة خروج" من الحرب منذ الآن، تتيح "إنهاءً سريعًا للحرب وترجمة إنجازاتها العسكرية إلى أفضلية أمنية – سياسيّة".