عن متلازمة التحرر والبقاء..مهند عبد الحميد

الثلاثاء 24 نوفمبر 2020 10:56 ص / بتوقيت القدس +2GMT
عن متلازمة التحرر والبقاء..مهند عبد الحميد



أثناء الأزمات والاستعصاءات السياسية تنثال الأفكار ويتعاظم الجدل بحثا عن مخارج وحلول.
هذا الافتراض كانت له حظوظ فلسطينية في ندوات ومؤتمرات وأوراق ومقالات قدمت أفكارا مهمة وأخرى جاءت تكرارا للأفكار السابقة.
من بين الإسهامات المهمة والجريئة كانت الحلقات الأربعون للصديق الكاتب عبد المجيد حمدان «أبو وديدة»، التي نشرت على الفيس بوك بعنوان «صراع من أجل البقاء».
يمكن القول إن الأفكار المطروحة خرجت عن المألوف بطرحها اسئلة وأجوبة جوهرية، وبِحفزها للحوار بغية التطوير والنقد والمحاججة.  
في البدء يدعو أبو وديدة، المثقف إلى الكف عن حث المسؤولين من قادة احزاب وفصائل وقيادة السلطتين في رام الله وغزة على تقديم مبادرات وإجابات وحلول، كما يدعو إلى هجرة الاتكالية بكل أشكالها، والانتقال إلى المبادرة والعمل. يقول، إن المسؤولية فردية وجماعية شعبية ورسمية ولا يجوز انتظار طرف فيها لبدء الآخر، لا يجوز الاتكال على الغير كائنا من كان.
ويرى أبو وديدة أن أدوات واساليب ووسائل النضال السابقة لا تصلح في غالبيتها للمرحلة الحالية بفعل التحولات الكبيرة التي يتم تجاهلها وعدم التوقف عندها.  
ويدعو الى اشتقاق استراتيجية للنضال تلائم المتطلبات الراهنة، وما يستدعيه ذلك من تغيير جذري في تفكيرنا، تخطيطنا، نشاطنا، نضالنا، وفي وسائل عملنا. ولا يترك ذلك في إطار العموميات حين يحدد: علينا إحداث ثورة في التعليم كي يضاهي في جودته التعليم في بلدان متقدمة، وفي عودة النخب الطلابية إلى طليعة مستنيرة تتراجع عن كونها ميليشيا تهدر الديمقراطية وتنتهك الحرم الجامعي بالجنازير.
ويدعو إلى إحداث ثورة في الصحة ببناء مجمعات طبية تضاهي نظيراتها في دول متقدمة. وثورة في القضاء ومنظومة القوانين بحيث تغدو محاكمنا قصور عدل حقيقية. وثورة في الزراعة تنقلها من حيز الشعار الى الفعل المنتج.
ويدعو الى اعتماد منهج النضال اللاعنفي المدني السلمي من خلال تجديد ما قدمته الانتفاضة الشعبية 1987 في سنتها الأولى والاخذ بتجربة صمود الشعب الفلسطيني في مناطق 1948.
ودراسة تجربة مئات من أمثلة صمود فلاحين وبدو وقرى في مواجهة الاقصاء والتدمير الاسرائيلي، وتعميم هذه التجربة وترجمة شعار تعزيز الصمود إلى أفعال وإلى صناعة مقومات هذا الصمود الهائل والمسكوت عنه.
وينقد أبو وديدة اجتماع الامناء العامين بالقول: يتفادى الامناء العامون سؤالا جوهريا من اي مكان ستعود منظمة التحرير لممارسة دورها بثوبها الثوري، في غياب ملاذات آمنة وداعمة.
فإذا كانت المقاومة قد فشلت في مرحلة الصعود، بدعم سوفييتي واشتراكي، وبمستوى من الدعم العربي، فكيف تستعاد المقاومة راهنا في شروط  الحصار والخنق والاستفراد الاسرائيلي؟
ويفجر أبو وديدة قنبلة عندما يقول إن رؤى التيارات الوطنية الفلسطينية الثلاثة: القومية، الإسلامية، الشيوعية، لحل القضية الفلسطينية، قد طوتها حركة التغيير الجارية عالميا، إقليميا، ووطنيا.
ويرى أن ذلك يتطلب تراجعا عن سلبيات وأساليب جرّت علينا فشلا بعد فشل، كخطاب العنتريات ونموذج ذلك «التأكيد على حقنا في استخدام كل أساليب النضال المشروعة» بمعزل عن شروطها الملموسة على ارض الواقع. في كل ذلك أصاب ابو وديدة كبد الحقيقة.
ثم ينتقل أبو وديدة إلى البرنامج السياسي بالقول: «علينا تركيز فكرنا، نشاطنا، نضالنا على ما أراه الحلقة المركزية التي تتمثل في تثبيت جماهيرنا على الارض ما بين النهر والبحر، وإفشال مخطط الترحيل».
ويرى ان مرحلة التحرر الوطني (انهاء الاحتلال والاستقلال وإقامة الدولة) تراجعت أو أخلت المكان الى مرحلة الصراع من اجل ضمان البقاء. هذه قراءة من وجهة نظري إشكالية وبحاجة الى نقاش. هل الفشل الراهن في تحقيق التحرر الوطني يستدعي النكوص الى ما يسمى البقاء؟ إذا رَكّبْنا على هذا السؤال سؤالا آخر، من أجل ماذا سنبقى ؟ البقاء من أجل الحرية وتقرير المصير والخلاص من علاقات التبعية والعنصرية والنهب. اذا كان البقاء هو في المحصلة تحررا لماذا يتراجع التحرر الوطني كمرحلة ويستبدل بالبقاء؟
قد يتحول البرنامج الوطني من حالته الاجرائية إلى حالته الدعاوية بفعل متغيرات وتحولات من نوع التوحش الإسرائيلي والاميركي في عهد ترامب وعلاقات التتبيع العربية المزرية وحالة الضعف الفلسطينية. لكن ذلك لا يجعلنا ننتقل من مرحلة التحرر الوطني الى مرحلة البقاء. بالعكس إن الثورة في كل شيء التي دعا لها أبو وديدة، والتي تعني إعادة بناء عناصر القوة الذاتية الفلسطينية من المفترض ان يكون هدفها العودة بالتحرر الوطني الى المستوى الإجرائي، وبخاصة في حالة توفر شروط اخرى تختلف عن شروط  الجائحة الترامبية. كما ان الوقائع الاستعمارية (مستعمرات ومستعمرون) التي جرت إضافتها على الأرض بغطرسة القوة، لا يعني انها أمر واقع منته لطالما كانت متناقضة مع القانون الدولي وقرارات الشرعية ومرفزضة من الشعب الفلسطيني.
هذه الوقائع الاستعمارية لا تسقط بالتقادم ولا تفرض علينا الانتقال من هدف التحرر الى هدف البقاء. صحيح ان المشروع الاسرائيلي الصهيوني المعبر عنه في الوثائق والفكر ومناهج التعليم وقانون القومية لا يعترف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني على ارضه. ولانه لا يعترف ولديه مخططات لمواصلة التطهير العرقي الكولونيالي لا يعني ذلك ان نتراجع  نحن عن مرحلة التحرر الوطني ونستبدلها بمرحلة بقاء. التحرر الوطني هو الذي يصنع البقاء وتقرير المصير وبالعكس البقاء لا يصنع تحررا ولا حتى بقاء.
الثورة في كل شيء التي دعا لها ابو وديدة، تدعم التحرر وتؤدي الى استقطابات داعمة للحقوق الفلسطينية على صعيد دولي كما نرى دعم (البي دي اس) ودعم الحقوق الفلسطينية وسط حركات السود والاتجاه اليساري في الحزب الديمقراطي الاميركي (ساندرز). فضلا عن دول ومجتمعات اوروبية، كما ان الثورة الداخلية الفلسطينية ستفتح على احتمالات اختراق قوى وحركات شعبية عربية  للحظة العربية المريضة التي يمثلها النظام العربي. الترامبية هزمت في الانتخابات ولكن اذا ما هزمت على الأرض في أميركا وهزمت امتداداتها الخارجية. فان هذا سينعكس ايجابا على الخلاص الفلسطيني من الاحتلال الذي يبقى مع تقرير المصير الهدف المركزي لكل المكونات الفلسطينية داخل وخارج فلسطين.
نحن ضمن معادلة عالمية واقليمية تؤكد وتدعم حقنا في التحرر والخلاص من الاحتلال وتقرير المصير هل نطالبهم بتغيير موقفهم وتحويله الى دعم البقاء الفلسطيني؟. للحديث بقية
Mohanned_t@yahoo.com