صحيفة اسرائيلية: هكذا يمكن تصحيح مسار "أوسلو" بين الفلسطينيين وإسرائيل!!

السبت 21 نوفمبر 2020 04:45 م / بتوقيت القدس +2GMT
صحيفة اسرائيلية: هكذا يمكن تصحيح مسار "أوسلو" بين الفلسطينيين وإسرائيل!!



القدس المحتلة /سما/

هآرتس - بقلم: ميخائيل سفارد   "في الأسبوع الماضي نشرت محكمة اتحاد إسرائيل – فلسطين قرار حكم حول المسألة التي تشغل المواطنين في إسرائيل الذين يعيشون في فلسطين منذ فترة طويلة. وهذه المحكمة، التي يقع مقرها في القدس، ألغت قرار حكم المحكمة الفلسطينية العليا وقررت بأن الإسرائيليين من سكان فلسطين يحق لهم نفس الامتيازات الضريبية الممنوحة لمواطني فلسطين، وأعلنت عن إلغاء البند ذي الصلة بقانون ضريبة الدخل الفلسطيني بذريعة أنه يخرق حلم البلاد الواحدة.

هذا بالطبع لم يحدث في الأسبوع الماضي، وما حدث هو أن فوز بايدن على ترامب في الانتخابات الأمريكية حرك خلايا دماغ كانت في سبات عميق خلال أربع سنوات، وفجأة بدأت مصطلحات مثل “مفاوضات” و”عملية سياسية” و”حل الدولتين” في شق طريق عودتها إلى الخطاب العام. ومن المبكر التقدير هل سنشهد استئناف “العملية السلمية” القديمة والدؤوبة، وبالأساس هل تم استخلاص الدروس من الإخفاقات السابقة. ولكن من المهم القول لكل من يدفعون لاستئنافها بأنه ممنوع العودة إلى العوامل التي رسمت اتفاقات أوسلو بدون استخلاص العبر من إخفاقاتهم حتى الآن وإجراء التعديلات الحادة الضرورية.

الفلسفة السياسية الموجودة في أساس اتفاقات أوسلو تقوم على فرضيتين: الأولى هي أن الشعبين الموجودين في هذه البلاد يريدان تطبيق حقهما في تقرير المصير بصورة سياسية، وأنهما لن يتنازلا عن هذا التطلع في المستقبل المنظور. لذلك فإن مسار أوسلو يقود (رغم عدم قول ذلك بصورة صريحة ولم يتم فعل ذلك بصورة فعلية) إلى دولتين مستقلتين. والفرضية الثانية هي أنه بعد أكثر من مئة سنة على النزاع بين شعبين يكرهان بعضهما، يحتاج الاستقرار إلى الفصل الكامل بينهما، بما يشبه الطلاق بين زوجين لا أولاد لهما وليسا بحاجة إلى ترتيبات لرؤيتهم. لهذا، فإن حلم أوسلو بدرجة كبيرة حزين ويمكن تشبيهه بصورة إسرائيليين وفلسطينيين يقفون وظهرهم الواحد للآخر. هؤلاء ينظرون نحو الغرب، وأولئك ينظرون نحو الشرق، ويفصل بينهماجدار عال يضمن أن كل واحد منهما سيتبخر من حياة الآخر. ليس كرؤية يوم القيامة، بل هو أشبه باتفاق هدنة.

لم ينجح مسار أوسلو في إطفاء نار النزاع لأسباب كثيرة، فللطرفين إسهامات كبيرة في الفشل رغم أن أساس المسؤولية يقع على إسرائيل التي هي الطرف الأقوى والمحتل. ومنذ أن وقعت على الاتفاقات زادت سرقة الأراضي، وزادت بأكثر من ثلاثة أضعاف عدد المستوطنين. ولكن هذا ليس كل شيء، ففحص دقيق وشجاع لمبادئ أوسلو يستوجب الاعتراف بأنه كان فيه عيب منذ الولادة. ففي حين أن الاتفاقات رسمت طريقاً كان يمكن أن تجيب على حاجة الطرفين إلى تحقيق سياسي لطموحاتهما، وبهذا استبقا معالجة إحدى غرف قلب النزاع. وقد قاموا بشل الغرفة الثانية من خلال الارتكاز على فكرة الفصل وتقسيم البلاد بإزميل، التي يراها كثير من الشعبين وحدة واحدة، لأن تقديس الفصل هو استمرار للتعامل مع الطرف الآخر كعدو خطير يثير الاشمئزاز ويجب الابتعاد عنه وإبعاده. وأوهام “نحن هنا وهم هناك” تعكس الكراهية وليس المصالحة، وتنمي عدم الثقة والخوف التي هي نبوءة تجسد نفسها، يا الله، كم جسدت نفسها في السنوات التي انقضت.

ومثلما هناك إسرائيليون غير مستعدين للتفكير بأنهم سيضطرون إلى القيام بزيارة إلى الحرم الإبراهيمي كسياح، وفي “شيلا” و”بيت إيل”، فهكذا بالنسبة للفلسطينيين، فإن يافا وحيفا لا تقل فلسطينية عن رام الله وجنين. العلاقات الثقافية والتاريخية والدينية للشعبين هي في كل البلاد وليس في جزء منها. هذا الفهم لا يبدو لمهندسي أوسلو باعتباره عائقاً، وأعترف بأنني، بصفتي شخصاً علمانياً وليس لدي صعوبة في ترك مواقع التوراة خلف الجدار الحدودي، لم أقدر المعنى السياسي المهم للعلاقة التي يشعر بها الكثيرون في الطرفين بالبلاد كلها. هذه الصعوبة إلى جانب الاستيطان والقمع الوحشي والنهب المنهجي من جانبنا وموجات العنف والعمليات من جانبهم، قوضت فضاء المصالحة وشرعيتها، إلى درجة أن الشعبين فيهما أجزاء واسعة تنصلت من هذه الطريق التي رسمت في أوسلو، أوسع من أن تسمح بالقيام بمصالحة تاريخية (“مؤلمة”).

وفي الوقت الذي يرتكز فيه المبدأ الأول لنموذج الدولتين على فرضية صحيحة – أن الشعبين يريدان استقلالاً وطنياً على صورة دولة ذات سيادة (ليغفر لي من يؤيدون الدولة الواحدة)، إذ لم يظهر الجمهور في فضائنا أي دلائل على الانتقال إلى عهد ما بعد القومية في القريب – فإن تبني المبدأ الثاني (فصل وتقسيم شامل للبلاد) عكس فشل فهم مغزاه إبقاء العداء بين الطرفين ورفع الثمن المطلوب دفعه من قبلهما في اتفاق الحل الدائم. بناء على ذلك، فأي استئناف للعملية السياسية يحتاج من جهة إلى الحفاظ على فكرة الدولتين، ومن الجهة الأخرى إلى التنازل عن فكرة الفصل. يبدو هذا متناقضاً؟ ليس بالضرورة.

إن مبادرة إسرائيلية – فلسطينية باسم “بلاد للجميع”، التي تعمل منذ بضع سنوات في إسرائيل والضفة الغربية، تستهدف تربيع الدائرة. وقد أسسها الصحافي ميرون ربابورت والمحلل السياسي والناشط في فتح عوني المشني، وقد كنت مشاركاً معهم ومع آخرين في صياغة مبادئها. تعترف المبادرة بالحاجة إلى دولتين، وأيضاً بحقيقة أن مساحتها وحدة تاريخية ودينية وثقافية واحدة.

بناء على ذلك، تقترح المبادرة كونفيدرالية بين دولتين مستقلتين في حدود مفتوحة، فيها مواطنو الدولتين هم في الوقت نفسه سكان البلاد جميعها. إسرائيليون، من بينهم مستوطنون، يعيشون الآن في الضفة الغربية يمكنهم أن يكونوا سكاناً في فلسطين. والمواطنون الفلسطينيون، من بينهم أيضاً لاجئون سيصبحون مواطنين في فلسطين، ويمكنهم أن يصبحوا من سكان إسرائيل، بما يشبه الوضع في الاتحاد الأوروبي. ليس فوراً وليس الجميع – كل ذلك طبقاً لقدرة استيعاب الدولتين، تحت مبدأ أنه لا يمكن إصلاح الظلم بظلم، والسعي إلى التمكين بحرية الإقامة الكاملة في جميع أرجاء الفضاء.

هذا النموذج الذي يحافظ على العلاقة بين كلا الشعبين والبلاد جميعها، يرعى فضاء المصالحة ويخفف الصعوبة المرتبطة بترسيم حدود سيادية – مثلاً على الخط الأخضر. وبدلاً من تقسيم البلاد بين شعبين، فإن “البلاد للجميع” تقترح على الشعبين المشاركة فيها. وفي فرضية مناقضة تماماً لفكرة الفصل، فإن نموذج الكونفدرالية يقترح أن يكون للدولتين مؤسسات مشتركة في مجالات مختلفة، منها محكمة عليا لحقوق الإنسان، التي ستضمن بأن حقوق سكان الدولتين الذين ليسوا من المواطنين فيهما، تكون محفوظة.

أفترض أن الكثير من القراء يتساءلون في هذه المرحلة عن المادة التي قمت بتدخينها. أتفهم التشكك، لكني واثق من أنه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فإن من تجرأ على اقتراح أن تكون هناك حدود مفتوحة بين ألمانيا وفرنسا وعملة واحدة وحرية إقامة للجميع، كان عليه الذهاب إلى علاج نفسي. فالأوروبيون أسالوا في النزاعات بينهم أضعاف الدماء التي أسالها الإسرائيليون والفلسطينيون، وفي نهاية المطاف فهموا أن الفصل ليس حلاً، بل الاتحاد.