تطرق الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في كتابه "أرض الميعاد" إلى أحداث الثورة المصرية في كانون ثاني/ يناير 2011، وعمله على إقناع الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك بالتنحي عن منصبه.
ويمهد أوباما للحديث عن انطباعه عن الزعماء العرب في الشرق الأوسط، ويرسم صورة قاتمة لهم.
ذكر أوباما اسم مبارك في كتابه 75 مرة، وورد اسم مبارك للمرة الأولى في الكتاب خلال وصفه القاهرة في زيارته لها حزيران/ يونيو 2009، حيث ألقى خطابا للعالم الإسلامي في جامعة القاهرة. ويلاحظ أوباما في كتابه أن الشوارع التي مر بها في المدينة المتروبوليتانية التي يقطنها 60 مليون نسمة كانت خالية تماما، "في دلالة على القوة الهائلة لقبضة مبارك الأمنية"، وقدرتها على بسط السيطرة على شوارع مدينة بهذا الحجم، وسكان بهذا العدد.
ويوجه أوباما اللوم في كتابه لمبارك، قائلا إنه "لم يهتم أبدا بإصلاح الاقتصاد الراكد لبلده، ما تسبب في ضيق الحال لجيل كامل من الشباب الذي لا يجد عملا".
وقبيل الخطاب، قضى أوباما مع مبارك ساعة كاملة يتناقشان في مكتب الأخير بقصر القبة الرئاسي، وتطرق النقاش للأوضاع الاقتصادية، وكيفية تنشيط اتفاقية السلام مع إسرائيل، ولكن حين تحدث أوباما عن أوضاع حقوق الإنسان والسجناء السياسيين وحرية الصحافة، رد عليه مبارك بالتقليل من خطورة هذه الأمور، مؤكدا أن أجهزته الأمنية تستهدف فقط المتطرفين الإسلاميين، وأن هذه السياسات تلقى تأييدا واسعا بين المصريين.
ويقول أوباما إنه خرج من الاجتماع بانطباع صار يلازمه في كل مقابلاته مع "الأتوقراطيين كبار السن"، وهو أنهم معزولون داخل قصورهم، ولا يدركون حقيقة الأوضاع في بلادهم، وأنهم لا يفرقون بين مصالحهم الشخصية ومصالح دولهم، وأن ما يحرك قراراتهم حقا هو الحفاظ على شبكة المصالح المعقدة من المقربين ورجال الأعمال وأصحاب المصالح التي تحفظ لهم أماكنهم.
وقبيل اندلاع أحداث الربيع العربي، تحدث أوباما عن خطة بتوحيد خطاب الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط حول ضرورة الإصلاح السياسي، وفتح الباب أمام المجتمع المدني، كوسيلة لحماية المنطقة من الاضطرابات والانتفاضات المفاجئة، غير أن هذه الجهود كانت متأخرة، على حد قول أوباما، ففي كانون أول/ ديسمبر 2010، أشعل البائع الجائل محمد البوعزيزي النيران في نفسه، لتبدأ معها مظاهرات الربيع العربي في تونس.
اتخذت الإدارة الأمريكية موقفا واضحا مؤيدا لحقوق المتظاهرين التونسيين، ويقول أوباما إنه تحدث مع مبارك على الهاتف حول احتمالية أن تمتد هذه المظاهرات في مصر، لكن مبارك "بدا غير مكترث"، وقال: "مصر ليست تونس"، وإن المظاهرات ضد حكومته ستنتهي بسرعة.
وعندما وصلت المظاهرات لمصر، تحدث أوباما عن إدراكه لمخاطر القرار الأمريكي بين دعم حاكم مستبد، وبين تأييد المتظاهرين ومطالبهم بالديمقراطية والدولة المدنية.
يقول أوباما إنه قال لأحد مساعديه: "لو كنت مصريا في العشرينات لشاركت في المظاهرات"، لكن كان عليه أن يتذكر أنه ليس مصريا وليس في العشرينات، بل إنه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وإن موقعه يحتم عليه أن يتفهم أن هؤلاء المتظاهرين لا يعبرون عن كل المجتمع المصري، وإن رحيل مبارك المفاجئ قد يترك فراغا في السلطة لا يملأه إلا الإخوان المسلمون".
وفي مكالمة هاتفية ثانية مع مبارك، حاول أوباما إقناعه بأن يعلن عن إصلاحات كبرى تهدئ من الأوضاع، لكن مبارك مرة أخرى قال إن المظاهرات وراءها تنظيم الإخوان المسلمين، وأكد أن الأوضاع ستعود للهدوء.
ويقول أوباما إنه حاول مرة أخرى أن يقنع مبارك باتخاذ خطوات أسرع للتغيير، لكن مبارك أصر مرة أخرى على أن من يقف وراء المظاهرات هم الإخوان المسلمون، وأن الأمور ستعود لنصابها سريعا.
وبعد خطاب مبارك الأخير عن المؤامرات المحاكاة ضد مصر، يقول أوباما إنه واجه مبارك بمخاوفه، بأنه إن أطال فترة انتقال الحكم وظل في منصبه، قد تتطور المظاهرات إلى خارج السيطرة، وأنه إن أراد التأكد أن الإخوان المسلمين لن يكونوا الجهة المسيطرة في الانتخابات القادمة، فعليه التنحي واستخدام مكانته في أن يحرك العملية من الظل.
عندها، يقول أوباما إن مبارك اختار أن يرد عليه بالعربية، رغم تفضيله عادة أن يتحدث بالإنجليزية، حيث قال الأخير: "أنت لا تفهم ثقافة الشعب المصري"، مضيفا بصوت أعلى: "الرئيس أوباما، إن بدأت في مرحلة نقل السلطة الآن، سيكون ذلك الأكثر خطورة على مصر".
ويقول أوباما إنه أكد على أنه لا يفهم ثقافة الشعب المصري مثل الرئيس مبارك بالطبع، "لكن هناك لحظات في التاريخ تتغير فيها الأمور.. أنت خدمت بلدك 30 عاما، وأنا أريد أن أتأكد أنك انتهزت الفرصة التاريخية كي تترك وراءك سيرة رائعة".
لكن مبارك، بعد نقاش طويل، قال: "أنا أعرف شعبي. إنه شعب عاطفي، سأتصل بك بعد فترة، وأخبرك أنني كنت على صواب".
وعندها، قرر أوباما أن الاستمرار في دعم النظام المصري تحديدا أمر شديد الصعوبة، ففي حين لم تستطع الإدارة الأمريكية أن تمنع الصين وروسيا من سحق المعارضين والمتظاهرين، فإن الحكومة المصرية تلقت مليارات الدولارات من المعونات الأمريكية من أموال دافعي الضرائب، كما ساهمت أمريكا في تدريب وتسليح الجيش المصري.
وانتهى أوباما إلى أن قال لمساعديه بعد المكالمة: "هيا بنا نحضر تصريحا. سندعو مبارك للتنحي".