يديعوت - بقلم: ناحوم برنياع "في الرابع من شباط 2018 جرت في مينيابوليس، منسوتا، المباراة النهائية لكرة القدم الأمريكية. فقد لعب فريق نيوانجلاند باتريوت ضد فيلادلفيا ايغلز منافسه الذي لم يحصل على اللقب قط. وانتصر فريق فيلادلفيا 33:41. وكانت مسيرة النصر بعد المباراة حدثاً مقرحاً عرفته المدينة. وأكبر من هذه الفرحة كانت الفرحة التي تبينت صباح السبت عندما قدمت فيلادلفيا الأصوات التي منعت عن ترامب ولاية ثانية.
ثمة قصة. فقد درج البيت الأبيض على دعوة لاعبي الفريق المنتصر إلى البيت الأبيض في صورة مشتركة مع الرئيس. رفض ترامب دعوة الإيغلز. وكانت الإهانة كبيرة، لا تغتفر. ففيلادلفيا تتنفس الرياضة وتعيشها، فمدينتها الرياضية هي مواساتها في الأيام الصعبة. وهذه السنة فيأاثناء مظاهرات الاحتجاج في المدينة، أكثر ترامب من توجيه الإهانات للسكان ولقيادة المدينة. فيلادلفيا مدينة مختلطة: لها تاريخ فاخر، وثقافة غنية وجامعات رائعة وإلى جانبها فقر مدقع، ومخدرات وجريمة. إن خطيئتها الكبرى، في نظر ترامب، هي ولاؤها للحزب الديمقراطي.
سجل السكان أمامهم المهانة وردوا بناء على ذلك. قبل أربع سنوات انتصر ترامب في بنسلفانيا، بأغلبية صغيرة. كان أحد أسباب الانتصار هو عدم الاكتراث النسبي للناخبين السود في فيلادلفيا. أما هذه المرة فقد صوتوا بجموعهم. سياسة، رياضة، وطنية محلية، ولون… كلها تسير معاً.
الدرس واضح: احذر من تهينه؛ اليوم أهنته، وغداً ستتلقى الضربة منه. يمكن لترامب أن يقول دفاعاً عن نفسه بأنه لم يميز ضد فيلادلفيا: فقد أهان الجميع. وهو يواصل ما كان علي هذه الأيام أيضاً بوتيرة متسارعة: أتلقى كل يوم نحو 50 رسالة إلكترونية موقعة من ترامب، ونائبه، وأبنائه، وكنته وقيادته الانتخابية. سرقت الانتخابات، وتعرضت لسطو، وزورت، هكذا يصرخون. الديمقراطيون ووسائل الإعلام اليسارية سرقوها. والنصوص دنيئة، هستيرية، لا توجد أدلة. سأل ترامب “هل يمكنني الاعتماد عليك؟” وهو لا يتوقع جواباً، بل مال فقط. كل دولار أتبرع به للصندوق الجديد الذي أقامه لتمويل صراعه، سيتضاعف ألف مرة.
عند مراجعة نتائج الانتخابات في الولايات المترددة يسهل على المرء أن يفهم ترامب. قبل أربع سنوات كان له حظ مجنون: فقد فاز في هذه الولايات المتحدة بفارق بضعة آلاف من الأصوات. أما هذه المرة فانتقل الحظ إلى بايدن. بعد إحصاء 99 في المئة فأكثر من الأصوات، بقي فارق أقل من 50 ألفاً في بنسلفإنيا، وأقل من 13 ألفاً في أريزونا، و36 ألفاً في نيفادا، و20 ألفاً في ويسكنسون. ناخبون أكثر بقليل في الجوانب الريفية من بنسلفانيا وويسكنسون؛ أقل بقليل من الناخبين الهسبانيين في أريزونا والسود في جورجيا – فكان الانتصار له.
يمكنه أن يستأنف النتائج. وعندما يكون الفرق صغيراً بهذا القدر يكون الاستئناف خطوة مشروعة. ولكنه لا يستأنف على النتائج بل على قواعد اللعب، على النظام. كل نتيجة ليست لصالحه يجب أن تكون مؤامرة ظلامية، وجريمة لم يسبق لها مثيل. لماذا؟ هكذا. وفي هذه الأثناء، ينجر وزراؤه وحزبه وراءه. في إسرائيل يعرفون الظاهرة.
عشرة الأسابيع المتبقية حتى دخول بايدن إلى البيت الأبيض كفيلة بأن تكون مشوقة. وهذه تكون عموماً فترة هادئة. فالرئيس المنصرف يستضيف الرئيس المنتخب في مكتبه. يعدان بأن يتركا وراءهما خصام الانتخابات وخدمة كل الأمريكيين. ويجري الرئيس المنصرف وفريقه سلسلة من الاطلاعات للفريق الجديد. المنصرف يتشاور مع المنتخب أو على الأقل يطلعه قبل كل قرار مهم. ما يمكن تأجيله، يؤجل، فالزمن ليس زمن الثورات. زميلي شمعون شيفر وأنا رأينا الرئيس بوش في البيت الأبيض في كانون الأول 2008، قبل شهر من نقله المفاتيح لبراك أوباما. هذا المكان الهائج، مركز أعصاب العالم كان هادئاً على نحو عجيب، مثل كوخ سياحي في كورونا.
ولكن ترامب يروي في هذه اللحظة قصة أخرى. فهو يعتزم استخدام كل القوة التي تعطيه إياها الدولة. فوزارة العدل ستحقق في التزويرات في صنادق الاقتراع. والوزراء سيقالون. ووزراء آخرون سيعينون. والعزف الموسيقي على التايتنك سيتواصل. وأحد المجالات التي قد يعمل فيها هي السياسة الخارجية. لقد نشر روب مالي وفيليت غوردون، المسؤولان الكبيران في الإدارات السابقة، مقالات في “نيويورك تايمز” ادعيا فيه بأن ترامب كفيل بأن يعترف بضم جزء من الضفة، ويشدد العقوبات على إيران، وقد يصل إلى مواجهة عسكرية معها. وسيكون الهدف تنغيص حياة بايدن. ومع الزمن قد يلغي معظم الخطوات، ولكن سيتعين عليه أن يدفع ثمناً سياسياً. هذا سيناريو متطرف، ولكن لدى ترامب، في مزاجه الحالي، من الصعب أن نعرف. كل أنواع الأفكار يمكنها أن تطرأ على رأسه في طريقه إلى ملعب الغولف.