( دعا خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، إلى إعادة تغيير وظيفة السلطة، موضحًا أن إنهاء السلطة بحاجة إلى توافق وطني، مشددًا على ضرورة وجود توافق فلسطيني على كيفية إدارة غزة، في حال اختيار حلّ السلطة، مع تأكيده بعدم قبول دولة في غزة بمعزل عن الضفة الغربية أو الكل الفلسطيني.
وطرح مشعل مقاربة لإنهاء الانقسام تقوم على ثلاثة عناصر: أولها العمل معًا في الميدان وفق برنامج نضالي لمواجهة الاحتلال؛ وثانيها، الشراكة في بناء المرجعيات والمؤسسات الوطنية في السلطة والمنظمة على أسس ديمقراطية؛ وثالثها، المسارعة إلى خطوات على الأرض تعزز الثقة وتعيد الاعتبار للحريات بالضفة وغزة.
وأشار مشعل إلى أن تعطيل المصالحة يعود إلى تدخلات خارجية، تتمثل في الولايات المتحدة وإسرائيل والرباعية الدولية، وهذه التدخلات تراجع تأثيرها، وإلى عوامل ذاتية نابعة من وجود تخوف عند الطرفين فيما يتعلق بالبرنامج السياسي، وتخوف آخر حول موضوع الشراكة، موضحًا أن "حماس" تؤكد ضرورة أن يكون الجميع شريكاً في القرارين السياسي والنضالي.
وأشار إلى أن الرئيس محمود عباس حين رأى ممارسات نتنياهو وترامب، ومشاريعهم في صفقة القرن وقرار الضم، رفض ذلك بصورة واضحة، ورفض إعطاء غطاء فلسطيني للمهرولين نحو التطبيع، وأخذ خطوة للوراء نحو المصالحة، وهذا يُقدَّر له، لكن نريد أن نكمل المشوار.
وأوضح مشعل أننا اليوم متفقون على المقاومة الشعبية، وهذا ما طرحته على الرئيس عباس بعد اتفاق القاهرة في العام 2011، مشيرًا إلى أن موقفنا هو التمسك بسلاح المقاومة، وعدم إخضاعه لشروط التوافق، ويكون استخدامه ضد الاحتلال بقرار وطني، وهذا لا يكون في ظل الانقسام، وإنما في ظل استعادة الوحدة، والشراكة في القرارين السياسي والنضالي. مضيفًا أن غزة قدمت الكثير، وأن المقاومة أبدعت ولم تفشل، ولكنها تعاني من الحصار، كما أن جملة الظروف المرتبطة بغزة، خاصة بعد خروج الاحتلال والاستيطان منها، لا تتيح وجود مقاومة يومية في غزة، وهذا ما ينبغي أن نعمل على ممارسته وإطلاقه في الضفة الغربية في مواجهة الاحتلال والاستيطان.
وحول إجابته عن سؤال وجه إليه حول انتخابات "حماس" الداخلية ونيته المنافسة على رئاسة الحركة، قال مشعل إنّه في تقاليدنا وأعرافنا التنظيمية في "حماس" لا أحد يرشح نفسه، ولا أحد يطرح نفسه منافسًا في الانتخابات، موضحًا أن قواعد الحركة ومؤسساتها هي من تنتخب القيادات على مستوى الضفة وغزة والخارج، في حين ينتخب مجلس الشورى العام رئيس الحركة والمكتب السياسي، والجميع يصطف خلف القيادة المنتخبة، مضيفًا أن حماس تتمتع بمستوى عالٍ من المؤسسية والديمقراطية والشورى، وهذا لا يعني أننا بدون أخطاء أو ثغرات.
جاء ذلك خلال لقاء حواري نظّمه المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، بمشاركة أكثر من 240 مشاركًا/ة عبر برنامج زووم، وسط مشاهدة أكثر من 7 آلاف للقاء عبر منصات التواصل الاجتماعي. وقد أدار الحوار، هاني المصري، المدير العام لمركز مسارات.
ورحب المصري بالحضور، موضحًا أن هذا اللقاء ينقسم إلى أربعة محاور: أولًا، الرؤية التي طرحها خالد مشعل مؤخرًا، والموقف من السلطة؛ ثانيًا، لماذا لم تنجح محاولات إنجاز المصالحة، وكيف يمكن تحقيقها، وما تصوّر خالد مشعل لتحقيقها؟؛ ثالثًا، الموقف من بايدن، وإمكانية استئناف المفاوضات والعملية السياسية، والموقف من المحاور العربية والإقليمية؛ رابعًا، إلى أين تتجه حركة حماس، وما علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين.
رؤية خالد مشعل
طرح مشعل، قبل أشهر، رؤيته حول المشروع الوطني الفلسطيني ومواجهة الضم، وبرنامج المواجهة مع الاحتلال وترتيب البيت الفلسطيني، وأوضح أنه أراد من طرح الرؤية أمرَيْن: أولهما، ترسيخ جملة المفاهيم الوطنية العابرة للحزبية والفصائلية، وتشكيل ثقافة في الوجدان الجمعي الفلسطيني حول الوطن والهوية والشراكة والمصالحة والديمقراطية ومواجهة الاحتلال؛ وثانيهما، خلق بيئة فكرية سياسية في الساحة الفلسطينية تُحفِّز الجميع للتحرك في مسارات العمل الأساسية؛ في استعادة الوحدة، وبناء الشراكة، والانخراط معاً في مواجهة الاحتلال والاستيطان وقرار الضم، وإعادة بناء المشروع الوطني، موضحًا أنه لم يعد هناك مشروع وطني واضح بعد اتفاق أوسلو، إذ أصبح المشروع مختَلفًا عليه في جميع جوانبه، مؤكدًا أن الوقت حان لإعادة الاعتبار للمشروع الوطني، وإعادة بنائه والتوافق على تعريفه ومقوماته وأُسسه.
وأوضح مشعل أن مبادئ القانون الدولي جيدة بصورة عامة للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، أما قرارات الأمم المتحدة فلها وعليها، وأنا أنسجم مع قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية ما دامت تخدم حقي.
الانتخابات الأميركية
وجه المصري لمشعل سؤالًا حول رؤيته إلى الفروق بين سياسة ترامب وبايدن في الموضوع الفلسطيني، وخاصة فيما يتعلق بالمصالحة؟، ومن مشاركة التيارات الإسلامية في السلطة، بما فيها حماس، ومن انطلاق موجة ربيع عربي ثانية؟ أوضح مشعل أن هناك وضعًا تغيّر في واشنطن، فثمة فروق معروفة بين الإدارتين، ولكن هذا لا يدعونا إلى المراهنة على هذا التغيير، بل علينا الاعتماد على أوراق القوة وخياراتنا، وعلى رأسها المقاومة، وعدم التباطؤ في خطوات ترتيب البيت الفلسطيني وإنجاز المصالحة.
وأشار إلى أن إدارة بايدن قد لا تتعامل مع صفقة القرن ومخطط الضم كعناوين رسمية مباشرة، وقد تعود إلى الموقف الأميركي التقليدي من عدم شرعية الاستيطان، إلى جانب فتح مكتب المنظمة في واشنطن، ومواصلة المساعدات المالية للسلطة، ولكنها لن تُنصفنا ولن تعاقب إسرائيل على ممارساتها بحقنا، بل ستظل منحازة لها.
وأبدى مشعل خشيته من أن يؤدي قدوم بايدن إلى استعادة مسار المفاوضات والرهان على وهمه من جديد، فصحيح أن هناك فروقًا فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني، ولكن ليس لدرجة أن توفر الولايات المتحدة أرضية لتغيير حقيقي لصالحنا. لكن ربما يخف الضغط علينا وعلى العرب في ظل هذه الإدارة.
وأشار إلى وجود فرق بين ترامب وبايدن في التعامل مع الحريات العامة في العالم العربي، وعدم تبني الديكتاتوريات، ولكن إلى حد معين، فأميركا ليست هي مَنْ شجع الشعوب على التحرك نحو التغيير، بل هي في مرحلة سابقة تعاملت مع الأمر الواقع الذي حققته الشعوب وفرضته بإرادتها.
"حماس" والمحاور العربية والإقليمية
طرح المصري على مشعل سؤالًا حول موقف "حماس" من المحاور العربية والإقليمية، خاصة أنها ترتبط بعلاقة خاصة مع تركيا وقطر وإيران؟
أوضح مشعل أن "حماس" ترتبط بعلاقات مع معظم الدول العربية والإسلامية، ولكن أبرزها اليوم مع تركيا وإيران وقطر، موضحًا أن "حماس" بعد اندلاع ثورات "الربيع العربي"، رحبت بإرادة الشعوب، واحترمت مطالبها، لكنها لم تتدخل في شؤون أي بلد، وأن خروج "حماس" من دمشق جاء بعد أن طولبت الحركة بأن تأخذ موقفًا مع النظام ضد الحراك آنذاك، ونحن لا يمكن أن نقف مع النظام ضد الشعب، أو مع الشعب ضد النظام، لذا آثرنا الخروج، دون أن نطعن النظام السوري أو نسيء إليه، فنحن نشكره والشعب السوري على وقفتهما معنا، واحتضانهما للمقاومة. فنحن مع الحريات والديمقراطية، كما أننا في ذات الوقت ضد التدخل الخارجي وتقسيم البلاد والعنف والاستقطاب الطائفي والعرقي.
وأضاف: نحن أمة متعايشة بكل مكوناتها منذ أكثر من 1400 سنة، بين عرب وغير عرب، وسنة وشيعة، ومسلم ومسيحي، فماذا عدا مما بدا، فليكن هذا التنوع تنوع إثراء لا تنوع صراع. ونحن في فلسطين نموذج للتعايش، حيث المسلم والمسيحي، والإسلامي واليساري والقومي وغيرهم، متعايشون مع بعضنا البعض، رغم الفروق بيننا واختلافنا في بعض المحطات.
وتساءل مشعل: ما هو محور المقاومة؟ المقاومة الفلسطينية هي قلب هذا المحور، و"حماس" لم تكن خارج محور المقاومة، دون أن تنقطع عن تيارات الأمة الأخرى، وعلاقتنا مع إيران ممتازة، ولدينا علاقات مع حزب الله وكل من يقاوم إسرائيل، كما لدينا علاقات مع الدول والقوى الأخرى.
وحول الأموال القطرية، قال مشعل إن الدوحة لا تقايض، وهي تقدم دعمًا للضفة وغزة، وتقف على مسافة واحدة من حركتي فتح وحماس، مضيفًا أنه لم يفرض أحد علينا شرطًا، لا قطر ولا تركيا ولا إيران، ولا مصر ولا الأردن ولا الخليج، ونحن لا نقبل أن نباع أو نشترى.
وفي إجابته عن سؤال حول التحاق قطر بقطار التطبيع، قال مشعل إن حركته ترفض التطبيع من حيث المبدأ وبكل أشكاله، والتطبيع مصيبة على المطبع كما هو على الشعب الفلسطيني، موضحًا أن القطريين أعقل من أن يتجهوا كما اتجه غيرهم نحو التطبيع، لكن نحن في "حماس" لا نتدخل في قرار أحد، ونقول موقفنا بأننا ضد إسرائيل فهي عدو محتل، وضد التطبيع.
"حماس" وجماعة الإخوان المسلمين
أوضح مشعل أن الحركات كالإنسان كائن حي يتطور، و"حماس" تطورت في مفاهيمها ونظرتها وتجربتها، ولكن مبادئها لم تتغير، وهو ما عبّرت عنه الوثيقة السياسية في العام 2017، وأشار إلى أن "حماس" من مدرسة الإخوان الفكرية والثقافية والتربوية، ولكنها تنظيم وطني فلسطيني إسلامي مستقل، وقرارها ومرجعيتها من مؤسساتها، ونابع من المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا.
وأجاب مشعل عن مجموعة من الأسئلة التي طرحها الحضور، حول الأسباب الحقيقية وراء عدم إنجاز المصالحة، ولماذا لم تبادر "حماس" إلى تقديم نموذج للحريات في القطاع، وماذا عن أشكال النضال وسلاح المقاومة، وهل يمكن الجمع ما بين السلطة والمقاومة المسلحة، وهل حل السلطة في الضفة يعني حلها في غزة، إضافة إلى علاقة "حماس" بالإخوان المسلمين، وتأثير ذلك على القضية الفلسطينية، وموقفها من المحاور العربية والإقليمية … وغيرها؟