أمام تحديات “الترامبية العالمية”.. يديعوت: هل يجد أبو مازن مكاناً له في جدول أعمال بايدن؟

الجمعة 06 نوفمبر 2020 06:16 م / بتوقيت القدس +2GMT
أمام تحديات “الترامبية العالمية”.. يديعوت: هل يجد أبو مازن مكاناً له في جدول أعمال بايدن؟



القدس المحتلة /سما/

يديعوت - بقلم: الصحفي الاسرائيلي ناحوم برنياع

منذ إغلاق صناديق الاقتراع في أمريكا وأنا ملتصق ببث السي.ان.ان. ثمة عنصر إدمان في مشاهدة البث التلفزيوني، فالعيون تغمض ولكن المذيع يضمن بمجيء نتائج جديدة من ميشيغن أو من أريزونا، عودوا إلينا، ويقول المشاهد لنفسه: حسناً، جولة أخرى وبعدها أنام. ولكن عندها يأتي التحليل المنمق عن النتائج المتوقعة في الدائرة الانتخابية اياها، ناحية صعبة على اللفظ لأطلنطا، جورجيا، فينكس، أريزونا، ويعود المشاهد ليغرق في الأعداد المتراكضة على الشاشة. ولكنه لا يجد حلاً، إذ لا يوجد حسم. كلما كانت الانتخابات متلاصقة أكثر، يكون عد الأصوات أبطأ. وكلما كان عد الأصوات أبطأ تكون الجلبة أكبر. ومثل إسرائيليين كثيرين، فإن لدي علاقات طويلة مع أمريكا. ففي سنوات السبعين كانت ووترغيت، مدرسة للسياسة. القوة، المال والشرف: واشنطن هي الساحة التي تلعب فيها هذه العناصر الثلاثة.

تعلمت عظمة أمريكا، كيف أنقذت البشرية وقيمها في الحربين العالميتين؛ كيف فتحت أبوابها أمام ملايين المهاجرين. فقد بنتهم وبنوها؛ كيف نجحت في صياغة دستور عبقري وإعادة بناء نفسها والازدهار بعد حرب أهلية مضرجة بالدماء. كيف تقدمت بالعلم والثقافة والديمقراطية والاقتصاد العالمي. حرية، ديمقراطية، قوة عسكرية، حقوق إنسان، نية طيبة، ثراء للفرد: القرن العشرين كان القرن الأمريكي.

تعلمت أيضاً كم هي رقيقة طبقة الطلاء الجميلة التي تغلف المجتمع الأمريكي. يدور تحتها ظلم وجور وعنصرية وفساد سياسي وعنف. أصبح الأغنياء أكثر غنى؛ أما الطبقة الوسطى، العمود الفقري للمجتمع، فتتناقص؛ ويُلقى الفقراء إلى الخارج. وقد تطرفت هذه العملية منذ الثمانينيات. وتدهور ترامب بها أكثر فأكثر. أمريكا لا تزال بلاد الإمكانيات غير المحدودة – شريطة أن تكون ملياردير.

ما كنت أريد أن أكون أمريكياً في 2020.

مساهمته غير المتواضعة

بايدن وترامب، رجلان أبيضان في السبعينيات من العمر، ينتميان لأمريكا القديمة. 74 مليون طفل يعيشون في الولايات المتحدة. في أثناء 2020 أصبح الأطفال البيض أقلية (اليهود بالمناسبة هم جزء من الوسط الأبيض). في غضون عشرين سنة سيكون البيض أقلية في عموم السكان.

ولكن عند اللون ينتهي وجه الشبه بينهما. بايدن سياسي مختص، مع قرابة 50 سنة أقدمية. جاء من دلاور، ولاية صغيرة، بأقل من مليون نسمة، على خط الحدود التقليدي، خط مايسون – ديكسون. بين شمال الولايات المتحدة وجنوبها. عملياً هي ضاحية من بنسلفانيا المجاورة. مدينة كبيرة واحدة، فيلمغتون، مصانع دوبونت ومحطة قطار بين واشنطن وفيلدلفيا – هذا يلخص إلى هذا الحد أو ذاك ما لدى دلاور لأن تعرضه.

الدستور الأمريكي يضيء الوجه للولايات الصغيرة. فحسب الدستور، تنتخب دلاور مندوبين لمجلس الشيوخ – تماماً مثل كاليفورنيا التي عدد سكانها أكبر بأربعين ضعفاً. وضرب حظ بايدن، وفي سن 30 تنافس على عضوية المجلس وفاز. ومنذئذ وهو جزء من المؤسسة الواشنطنية. كان ضمن أمور أخرى رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ، عرض ترشيحه للرئاسة مرتين وفشل. تولى لثماني سنوات منصب نائب رئيس موال تحت باراك أوباما وانتخب بالقوة، بخلاف ما كان متوقعاً كمرشح للرئاسة في عمر 78. هو “العم جو”، العم الثرثار  الذي يملأ بوده اللجوج الغرفة. لا توجد كاريزما، يوجد قليل جداً من المفاجآت.

سأبحث لاحقاً في بايدن الرئيس وفي موقفه من إسرائيل. الانتخابات على ترامب – وليس على بايدن. كل محاولات ترامب لتسويد وجه بايدن لم تنجح. فالإعلام الرسمي لم يشترِ القصص التي نشرها ترامب ورجاله، سواء لأنها تعلمت الدرس من الأخطاء التي ارتكبتها قبل أربع سنوات أم لأن بايدن لم يثر فيها الاهتمام الذي أثارته هيلاري كلينتون. وكان تقليل الاهتمام ببايدن ونائبته كاميلا هاريس خطوة مدروسة من الديمقراطيين. كان هذا قراراً سليماً.

ولكن كلما انكشفت الأعداد في السباق المتلاصق في الولايات المتنافسة يتبين أنه كانت لبايدن مساهمة مهمة. فالاتحادات المهنية أيدته. بما في ذلك الإفرو-أمريكيين الذين يسكنون في المدن الكبرى في الدوائر الحرجة. وقد عرف كيف يصل إلى رؤساء الجاليات، والوعاظ في  الكنس. وقد أضفى عليهم شيئاً من السحر الذي أضفاه عليهم الرئيس الذي ارتبط به – باراك أوباما.

سوء حظ ترامب

 جاء ترامب إلى الرئاسة من منهاتن، نيويورك، الولاية التي ولد فيها وأصبح مليارديراً. ولكنها لم تنتخبه قبل أربع سنوات ولم تنتخبه هذه المرة. وقد انتخب في الانتخابات التمهيدية في الحزب كشخص من الخارج – رجل الأعمال الناجح، الملياردير، النجم التلفزيوني، عدو المؤسسة السياسية، الرجل الذي رمم الاقتصاد، والذي سيزج هيلاري كلينتون في السجن ويجفف مستنقع واشنطن. بل وسيعيد أمريكا لعظمتها.

في سنوات ولايته الأربع تبين أن رجل الأعمال لم يكن ناجحاً جداً: نجاحه التجاري الوحيد كان جعل اسمه علامة تجارية ذات قيمة. وكذا عن المليارات وشرعيتها كانت علامات استفهام. المستنقع الواشنطني لم يجفف، بل بدل الضفادع فقط: المليارديريون مؤيدو ترامب أثروا بفضل تبرعاتهم لحملة الانتخابات والعلاقات مع دوائر الضغط التي اشتروا خدماتها. ومجموعة المصوتين الذين حصلوا على مقابل كامل لقاء استثمارهم في ترامب هم المسيحيون الإفنجيليون. فقد حصلوا على ثلاثة من أصل تسعة قضاة محافظين جدد، أغلبية مستقرة، لسنوات طويلة لقرارات حاسمة في القيم الأهم للمجتمع الأمريكي. وهذا الإرث سيبقى لسنوات بعد أن ينسى اسم ترامب.

الشعبوية القومية المتطرفة، والانعزالية، وكراهية الأجانب، والاحتقار للسلامة السياسة، ومحبة السلاح كلها جزء من التاريخ الأمريكي. وفي العقد الماضي سافرنا مع صديقين أمريكيين، أمرأة ورجل، يعملان في مهن حرة، بالطرق الجانبية لنيو اينغلند. وكان الموسم خريفياً مثل اليوم. تحدثنا عن سلسلة العمليات التي تعرضت لها أمريكا: مجانين ذبحوا أطفال مدراس ومصلين ومشاة في الشارع. فالسهولة التي يمكن الحصول فيها على السلاح في الولايات المتحدة أثارت حفيظتنا، نحن الإسرائيليين، وافترضنا أن هكذا يشعر صديقانا أيضاً. ولكننا أخطأنا.

قالا لنا أنتم لا تفهمون كم هو مهم السلاح لنا. لا تفهمون كم هذا أمريكياً. وفي الحديث تبينأانهما يحتفظان بترسانة من الأسلحة وأنهما يتدربان عليها. وقال لهما ترامب “بايدن سيأخذ البنادق منكما”، فصدقوا.

دارج القول أن مصوتي ترامب رجال بيض من الطبقة الوسطى الدنيا. “جديرون بالشفقة”، أسمتهم هيلاري كلينتون في تصريح بائس لها عشية الانتخابات السابقة. ولكنهم ليسوا الوحيدين الذين صوتوا له، في حينه والآن؛ فللترامبية مؤيدون في كل طبقات المجتمع: نساء، ومؤمنون من كل الأديان، وإفرو-أمريكيون أيضاً، وهسبانيون، ويهود، الكثير من الناخبين ممن لا يحبون سلوكه المهين عديم اللجام، صوتوا له مع ذلك. فاليسار الديمقراطي يخيفهم أكثر.

“الناس عالقون في تاريخهم. التاريخ عالق فيهم”، كتب الشاعر الإفرو-أمريكي جيمز بولتوين. الترامبية جزء من لحم أمريكا. والآن أيضاً جزء من لحم العالم الغربي كله.

نتنياهو سيتدبر أمره

توقع مؤيدو الديمقراطيين انتصاراً جارفاً، ليس بسبب بايدن بل بسبب ترامب. والتصويت المتلاصق أدخلهم في حالة اكتئاب. تعلموا أن الأمريكيين ليسوا ما اعتقدوا عنهم. نصف أمريكا تحب ما يكرهون من كل قلبهم، وبالعكس. الشرخ عميق. ويبدو أيضاً أن الحلم بالتحكم بالبيت الأبيض وبمجلسي الكونغرس تبدد هو الآخر. أغلبية جمهورية في مجلس الشيوخ قد تعرقل كل محاولة للتقدم بجدول أعمال جديد. وقبل ذلك تنتظرهم حرب استنزاف في المحاكم، والتي ستمزق المجتمع الأمريكي إرباً.

في الأسبوع الماضي نشرت هنا مقابلة مع توم فريدمان من “نيويورك تايمز”. عدت إليها أول أمس. النتائج أقلقتني. قال لي: “تصور أن ترامب يقنع المحكمة العليا إعطاءه النصر في الانتخابات. المتظاهرون يخرجون إلى شوارع واشنطن ويحرقون المحكمة العليا”. كما قال أيضاً: “يتعين على ترامب أن يتصدى للإهانة والنزول عن العناوين والأحداث. وهو سيقاتل كحيوان محبوس. إن الخطر في أن تدخل الدولة في فوضى وحرب شوارع واضح وحقيقي، لا تقلل من قيمته”.

ما يبرز للعيان، قلت، هو أن هنا نوعان من الوطنية. بايدن يعرض وطنية قديمة، وثقة أساسية بالقانون، وبمؤسسات الدولة، وقواعد اللعب. أما ترامب ومؤيدوه فهم وطنيو رجل واحد. كل من تبقى مشبوه في نظرهم، تشتم منه رائحة المؤامرة.

فقال: “أتدري ما يواسيني. إذا فاز بايدن فسنتخلص من بضعة أناس أشرار: المدعي العام بار، وزير الخارجية بومبيو؛ وترامب نفسه بالطبع”.

قلت له إني أتابع بسرور إحصاء الأصوات الذي لا ينتهي في لاس فيغاس.  شيلدون  أدلسون  الذي  وعد بالتبرع لترامب بـ 180 مليون دولار لم ينجح في أن يدفع عاملي دور الكازينو في المدينة للتصويت لترامب. لقد كان رفع رواتب موظفي  القمار سيكلف أقل، ويجدي  ترامب أكثر من كل الملايين.

سألت إذا ما كانت ولاية ثانية لترامب جيدة لنتنياهو؟

فضحك وقال: “سيكون نتنياهو راضياً. فقد استغل كل ما أعطاه إياه ترامب ووفر على نفسه كل ما كان من شأن ترامب أن يفعله له في الولايات الثانية. قال ترامب أيضاً في محادثات شخصية، وعلناً أيضاً بأنه يعتزم التوصل إلى اتفاق مع إيران. فهل تعتقد بأن مثل هذا الاتفاق سيكون جيداً لإسرائيل”.

سألت شخصاً آخر يعرف بايدن جيداً: كيف سيكون بايدن؟ فقال: “لكم مشكلة مع بايدن بالنسبة لإيران. فهو لم ينس ما فعله نتنياهو بأوباما، وسيستأنف الاتصالات مع الإيرانيين في محاولة لترميم الاتفاق.  

“أما الفلسطينيون فلن يكونوا على جدول أعماله. ليس بمبادرته. ولكن انتخاب بايدن سيعطي ذريعة جيدة لأبو مازن لاستئناف الاتصالات مع الأمريكيين، للعودة لتلقي المال، وربما أيضاً لاستئناف التعاون الأمني مع  إسرائيل. قد ينسى نتنياهو صفقة القرن. فقد ماتت. تلقى اسناداً من ترامب لكل خطواته في الضفة، أما بايدن فلن يسمح له بالتمتع بالشك”. فقد قلت إن صفقة القرن صفاها التطبيع مع الإمارات.

“غير صحيح”، قال. “الضم وحده هو الذي صفي. فالشيخ اضطر لإلغاء الضم كغطاء لاستكمال عملية تطبيعه مع إسرائيل. والآن دور السعودية. هي الأخرى تحتاج إلى غطاء. وعندها أيضاً لا توجد وجبات مجانية. الإذن لبناء فلسطيني في المنطقة “ج”، ربما. توجد إمكانيات أخرى. سيعود بايدن إلى حل الدولتين.و لا يمكن لنتنياهو أن يغير الواقع في منطقة القدس وغور الأردن”. فقلت إن بايدن لن يلغي الاعتراف بالقدس. فقال: “صحيح. لا يوجد ما يبرر ذلك”.

ماذا سيحصل لصفقات سلاح الإماراتيين والسعوديين؟ سألت.

“ستكون أسئلة لمن سيعينهم بايدن، وسيفرضون قيوداً. لن يتمكن الإماراتيون من عمل ما يريدون في اليمن مثلاً”. 

قبل سنوات التقيت بايدن في القدس، فاجأني بمعرفته الواسعة عن الشرق الأوسط وعن السياسة الإسرائيلية. تأييده لإسرائيل كان نموذجياً للديمقراطيين من الجيل الذي ولد في أثناء الحرب العالمية والكارثة. الالتزام بالفكرة لا بالسياسة؛ الالتزام بالأمن لا بالاحتلال. موقف هذا الجيل من إسرائيل يختلف عن موقف الإفنجيليين المبني على الإيمان المسيحاني. “هم سيبيعونكم مقابل كرسي في المحكمة العليا”، قال لي بايدن في ذاك الحديث.

منذ ذلك الحين حصلت أمور. في ثماني سنوات أوباما كان بايدن نائباً للرئيس. في هذه السنوات انفتحت هوة بين موقف بايدن من إسرائيل والموقف من نتنياهو. ومنذئذ قام جيل جديد في الحزب الديمقراطي، يشخص إسرائيل مع الاستعمار والاحتلال والأخطر من ناحيته – مع ترامب. لقد أحرق نتنياهو أو على الأقل سحق، العلاقات مع القوة الصاعدة في الحزب  الديمقراطي. أما مع بايدن فسيتدبر أمره.