نيويورك تايمز: في يوم الانتخابات.. الخاسر الأكبر هو الولايات المتحدة الأمريكية

الخميس 05 نوفمبر 2020 06:25 م / بتوقيت القدس +2GMT
نيويورك تايمز: في يوم الانتخابات.. الخاسر الأكبر هو الولايات المتحدة الأمريكية



واشنطن /سما/

انشغل المعلقون الأمريكيون بتحليل نتائج الانتخابات الأمريكية، وفشل الديمقراطيين في بناء “الجدار الأزرق” والبحث عن الخاسرين والرابحين.

وأشار البعض إلى فشل الاستطلاعات مرة ثانية في تكهناتها حول خسارة فادحة لمعكسر الرئيس ترامب، وتحدث آخرون عن فشل المعسكر الليبرالي في فهم تغيّر أمريكا التي باتت منقسمة على أنفسها. وتساءل البعض الآخر عن سبب تصويت “اللاتينيين” لترامب وهو الرجل الذي قمعهم واحتقرهم. لكن الجميع اتفقوا على أن الخاسر الحقيقي في الانتخابات هي أمريكا.

وعبّر عن هذا الموقف، المعلّق المعروف توماس فريدمان في مقالته بصحيفة “نيويورك تايمز” حيث علق تحديدا على خطاب الرئيس ترامب “القبيح” والذي حدد فيه وجهة أمريكا، وليس إلى مكان جيد. وكان يعلق على تصريحات ترامب يوم الأربعاء، أنه فاز في الانتخابات وكان يعد للاحتفال لولا سرقة الديمقراطيين لها. وقال فريدمان: “لم نعرف بعد هوية الرابح في السباق الرئاسي، ولكننا نعرف الخاسر: الولايات المتحدة الأمريكية”.

وأضاف أن الولايات المتحدة عانت أربع سنوات من رئاسة انقسامية وغير صادقة لم تشهد مثلها من قبل. ذلك أن رئاسة دونالد ترامب هاجمت العماديْن الرئيسيين للديمقراطية: الحقيقة والثقة. فلم يخصص ترامب طوال رئاسته ولو يوما واحدا لكي يكون رئيسا لكل الأمريكيين، ولم يفوت فرصة لاحتقار الأعراف، بطريقة لم يقم بها رئيس مثله. وظل يواصل لعبته حتى ليلة الثلاثاء، عندما أعلن كاذبا عن فوزه وطلب من المحكمة العليا التدخل ووقف التصويت، وكأن أمرا كهذا ممكن.

وقال ترامب: “بصراحة لقد فزنا في هذه الانتخابات” في وقت كانت ملايين الأصوات لم تعدّ في ويسكنسون وميتشغان ونيفادا وبنسلفانيا وجورجيا وأريزونا. وأضاف ترامب: “سنذهب إلى المحكمة العليا” بدون تقديم مبرر أو كيف “نريد وقف التصويت”.

وأضاف فريدمان، أن فوز بايدن لو حدث فسيكون بهامش قليل من الأصوات في الولايات المتأرجحة، وربما فاز بالأصوات الشعبية. لكنه فوزه لن يكون غامرا أو ساحقا يخبر ترامب ومن حوله “كفى” واذهب ولا تحمل معك هذا النوع من السياسة إلى البلد مرة أخرى.

ويقول دوي سيدمان الخبير في القيادة: “مهما كانت نتيجة التصويت، فمن الواضح أن الأمريكيين يقولون: فاض الكيل لا يكفي”. وأضاف: “لم تكن هناك موجة زرقاء سياسية” كناية عن الديمقراطيين. و”الأهم من هذا، لم تكن هناك موجة أخلاقية، فلم يكن هناك رفض واسع لهذه السياسة الانقسامية خاصة وسط الوباء”.

وقال فريدمان إن أمريكا باتت أمة تعاني من كسور مركّبة ومتعددة بدرجة لم تعد قادرة على القيام بعمل طامح مثل وضع رجل على القمر، لأن الطموح يجب أن يتم عبر عمل جماعي.

ولعل ما يجسد حالة التشظي الأمريكي، هو الخلاف على ارتداء القناع الواقي من فيروس كورونا. وعندما يقول خبراء الصحة إن ارتداءه يحمي الحياة، وهو أمر سهل ووطني: “أحميك وتحميني”، لكنّ الأمريكيين لم يتفقوا على ذلك.

ولعل أهم ما كشفت عنه الانتخابات هي “خطوط الصدع” التي باتت واضحة. واستخدم الرئيس عددا من الرسائل التي سربها وحملها مبلغون عنه، وقدم نفسه كزعيم للغالبية الأمريكية البيضاء المتقلصة. ولا يمكن تصديق الدعم المستمر له رغم فترته السامّة في الرئاسة بدون العودة إلى رقميْن. فقد أشارت مشاريع الإحصاء الأمريكية أن غير البيض سيشكلون غالبية أطفال البلد البالغ عددهم 74 مليونا منتصف العام. ويتوقع أن يشكل البيض بحلول عام 2040  نسبة 49%، أما اللاتينيون والآسيويين والسود، فستصل نسبتهم إلى 51%.

وهناك قلق بل ومقاومة داخل الطبقة العاملة البيضاء التي لا يحمل أفرادها شهادات جماعية من التحول الثابت لأمريكا لبلد سيصبح فيه البيض “أقلية”. ولهذا يتعاملون مع ترامب كحاجز ضد الآثار الثقافية والاقتصادية والاجتماعية لهذا التغيّر.

وما ينظر إليه الكثير من الديمقراطيين على أنه توجه جيد، في بلد يعاني من عنصرية بنيوية ويتعلمون الاحتفال بالتنوع، يراه البيض تهديدا ثقافيا جذريا. وهو ما أدى إلى تغذية موجة ثانية عززتها الانتخابات الحالية.

وقال غوتام موكندا مؤلف كتاب “لا غنى عنه: عندما يكون القادة مهمين” إن “أعضاء في مجلس الشيوخ والنواب مثل ليندزي غراهام عن ساوث كارولينا، وجون كورنين عن تكساس، احتفظوا بمقاعدهم لأنهم اتبعوا ترامب، مما يعني أن الترامبية باتت مستقبل الحزب الجمهوري”.

وأضاف أن “الصفة الاستثنائية التكتيكية للترامبية هي أنها لم تحاول أبدا الحصول على دعم غالبية الأمريكيين. وسيواصل الحزب الجمهوري السياسة مستخدما أي وسيلة قانونية ولكن بطريقة ديمقراطية مؤذية للسيطرة على السلطة رغم تصويت معظم الأمريكيين ضدهم، كما فعلوا في تعيينات المحكمة العليا”.

وهذا يعني أن الضغط على نظام الحكم سيظل قائما كما يقول موكندا، وكل هذا بسبب النظام الانتخابي العتيق. وسيواصل الجمهوريون السيطرة على مجلس الشيوخ والبيت الأبيض ضد رغبة الغالبية.  وقال: “لا يستطيع نظام النجاة من هذا الضغط” و”سينكسر في مرحلة ما”.

ولن يحدث شيء حتى لو فاز ترانب وإمكانية إعادة الحزب الجمهوري في استراتيجيته التي أحكمها في ظل ترامب. ويقول مايكل ساندل، البرفسور في هارفارد ومؤلف كتاب “مزايا الطغيان: ماذا يحدث للصالح العام” إن على الديمقراطيين إعادة التفكير في رؤيتهم و”رغم تأكيد بايدن جذوره في الطبقة العاملة وتعاطفه” إلا أن “الحزب الديمقراطي لا يزال حزب المهنيين والمقترعين من أصحاب الشهادات الجامعية وليس الطبقة العاملة التي كانت تشكل يوما قاعدته”.

ولم تغير حوادث مفصلية مثل الوباء الذي فشل ترامب بالتعامل معه، هذا الواقع، ويحتاج الديمقراطيون لمساءلة أنفسهم: “لماذا يتبع أبناء الطبقة العاملة الشعبوية الثرية التي لا تفعل الكثير لهم”. وعلى الديمقراطيين معالجة حس الإهانة لدى الطبقة العاملة الذين شعروا أن الاقتصاد تخلى عنهم، فيما تنظر النخبة المؤهلة إليهم نظرة دونية.

ومع أن بايدن حقق تقدما مع الطبقة العاملة، إلا أنه لم يجد تغيرا جذريا، بل استمرت الطبقة العاملة في دعم ترامب نظرا لشعورها بالسخط على النخبة المتعلمة والمتخرجة من الجامعات التي تنظر إليهم باحتقار.

وكما كتب ريتش لوري، محرر “ناشونال ريفيو” في 26 تشرين الأول/ أكتوبر: “يظل ترامب للأحسن والأسوأ رمز مقاومة ضد تيار ثقافي استفاق وغزا الإعلام والأكاديميا والشركات الأمريكية وهوليوود والمحترفين الرياضيين والمؤسسات الكبرى وأي شيء بينها”.

وبعبارة صريحة، قال “ترامب هو إصبع الوسط الذي يلوحون به ضد الناس الذين يحركون الثقافة الأمريكية. وربما لم يكن هذا سبب جيد لدعم الرئيس، ولا يجرّد الرئيس من سجله الصارخ وسلوك إدارته”.