سيناريوهات الحرب المقبلة: صعوبة الهجوم على قطاع غزة أو لبنان.. و لا بديل عن سلاح الجو الإسرائيلي

الأحد 01 نوفمبر 2020 07:25 م / بتوقيت القدس +2GMT
سيناريوهات الحرب المقبلة: صعوبة الهجوم على قطاع غزة أو لبنان.. و لا بديل عن سلاح الجو الإسرائيلي



القدس المحتلة / سما /

هآرتس - بقلم: عاموس يادلين   "استخدم إسحق بريك في مقاله “الصاروخ يلوي ذيل الطائرة”، وصف عيزر وايزمن لما حدث في حرب يوم الغفران: إن نظام الصواريخ المضادة لطائرات العدو ألحق الضرر بسلاح الجو الإسرائيلي وسبب له خسائر فادحة (“هآرتس”، 16/10). هناك من بقوا مصابين بصدمة المعركة منذ تلك الحرب، ولكن هذا لا يسري على سلاح الجو. عشرات سنوات من البحث والتعلم والتدريب وبناء القوة، أوصلت سلاح الجو إلى قدرات عملياتية مميزة في العالم، التي تم إثباتها في تدمير أنظمة صواريخ أرض – جو السورية في بقاع لبنان في 1982. ومنذ ذلك الحين وهو يتعلم ويبني قواته لمواجهة أنظمة العدو المركزية التي تهدد إسرائيل، من أنظمة الدفاع الجوي المتطورة ومروراً بصواريخ أرض – أرض التي تهدد الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وانتهاء بالمس بأهداف استراتيجية في جبهة العدو وبقواته البرية في موازاة مواجهة منظمات الإرهاب التي تعمل برعاية تلك الدول.

يواجه سلاح الجو كل التحديات بنجاح، وهو قوة الردع والحسم الرئيسية لإسرائيل. والعراقيون يعرفون ذلك حين ضرب سلاح الجو مفاعلهم النووي، ويعرف ذلك السوريون الذين مروا بتجربة مشابهة في العام 2007. ويعرف ذلك الإيرانيون الذين شوّش سلاح الجو على برنامجهم لوضع نظام صواريخ وطائرات وأسطول في سوريا في السنوات الأخيرة. ويعرف ذلك أيضاً حسن نصر الله الذي يختبئ في حصنه تحت ضاحية بيروت منذ العام 2006، والذي قام بتدميره سلاح الجو.

حقيقة أن دولة إسرائيل مهددة من قبل صواريخ أرض – أرض ليست اكتشافاً مثيراً. ففي العام 1991 هاجم العراق بصلية صواريخ لم يكن لدى إسرائيل رد مناسب عليها. وكان قادة سلاح الجو الأوائل الذين رفعوا القفازات عن أيديهم: الجنرال دافيد عبري، مدير عام وزارة الدفاع، والجنرال افيهو بن نون، وهرتسل بودنغر، وايتان بن إلياهو، وكل من جاء بعدهم كقادة لسلاح الجو، جميعهم عملوا على ملاءمة أجهزة الاستخبارات والسيطرة على الطائرات وتسلح سلاح الجو مع التحدي الجديد. هل الحل الذي وضعه سلاح الجو، الذي يرتكز على رد مندمج وردع ودفاع فعال ودفاع سلبي وهجوم وتعاون دوليين – هو حل كامل؟ بالتأكيد لا، لكنه أفضل بكثير من أي حل منهجي آخر.

القضية الوحيدة التي ليس لي خلاف فيها مع الجنرال بريك هي أن الجبهة الداخلية ستتضرر بصورة كبيرة في الحرب القادمة. ستتعرض الجبهة المدنية لنيران وخسائر تفوق ما عرفناه في الماضي. اقترح بريك، في مقاله، تقليص سلاح الجو لصالح سلاح صواريخ وسلاح بري. آمل بأن يفهم أن الجيش البري ليس حلاً لتهديد صواريخ أرض – أرض. لا يمكن وقف صواريخ بدبابة “المركباة”، وليس هناك أي إمكانية للقيام بهجوم في غرب العراق أو في شمال سوريا أو في إيران من أجل وقف الصواريخ. يدرك بريك بالتأكيد أن الجيش البري يجد صعوبة في الهجوم حتى في جنوب لبنان وقطاع غزة. المناطق المأهولة بصورة مكتظة في غزة وجنوب لبنان ليست هي مناطق سيناء التي رأينا فيها للمرة الأخيرة (قبل خمسين سنة) معركة برية كبيرة وحاسمة.

من المهم فهم أن “سلاح صواريخ” ليس حلاً لتهديد الصواريخ. خلافاً لما هو مطروح في مقال الجنرال بريك، يدور الحديث عن حل أغلى بكثير من حل الطائرات، ونجاعته العملياتية أقل بصورة كبيرة. لا توجد أي دولة في العالم طورت نظام صواريخ تقليدياً كرد على صواريخ تقليدية. حتى باحث عمليات مبتدئ لا يمكنه أن يخطئ في حساب التكلفة – فائدة نظام صواريخ مقابل نظام طائرات. الصواريخ لمرة واحدة وموجهة لهدف واحد. أما الطائرات فيمكنها الإقلاع عشرات المرات، وكل طائرة يمكنها حمل عدد كبير جداً من الرؤوس المتفجرة.

لا يوجد هناك أي فقرة في مقال الجنرال بريك لا تتضمن خطأ منطقياً، بالإضافة إلى بيانات غير صحيحة ببساطة. ولأن المجال لا يسمح بتعداد كل الأخطاء، سأقوم بعد بعضها:

“بحوزة حزب الله وحماس اليوم عشرات آلاف الصواريخ بعيدة المدى”. هذا غير صحيح. لا يوجد لدى حماس أي صاروخ، لديها قذائف فقط، والعشرات منها للمدى البعيد. ولدى حزب الله آلاف القذائف، وبضع مئات من الصواريخ للمدى البعيد. معظم ترسانة حزب الله وحماس تتكون من قذائف غير دقيقة لمسافات قصيرة.

“الصواريخ الدقيقة التي أصابت منشآت النفط السعودية من مسافة مئات الكيلومترات وتسببت بأضرار كبيرة، أطلقها الحوثيون (فلاحون من اليمن) دون استثمار في طاقم مطلقي الصواريخ”. بهذا، لم يطلق الحوثيون من اليمن صواريخ كروز على السعودية، بل سلاح حرس الثورة الجوي هو الذي أطلقها من إيران. الحوثيون ليسوا “فلاحين”، بل هم مثقفون، والاستخفاف بهم غير مناسب.

“40 في المئة (من الصواريخ) التي بقيت، ستعيد إسرائيل عشرات السنين إلى الخلف: ستتسبب بالضرر للبنى التحتية للكهرباء والمياه والوقود والصناعة والاقتصاد، وقواعد لسلاح الجو وسلاح البر ومراكز السيطرة والمطارات وأهداف استراتيجية أخرى والتجمعات السكانية”. من أجل أن يحدث ما يصفه الجنرال بريك هنا فمطلوب أن يكون لدى العدو 100 ألف صاروخ بعيد المدى ودقيق. الواقع مختلف تماماً، لا يوجد للعدو حتى ألف صاروخ دقيق وبعيد المدى.

“الرؤيا الدارجة… تواصل وجودها بسبب غطرسة وثقة الزائدة بالنفس لقادة سلاح الجو الكبار الذين ليسوا مستعدين للتنازل عن الروح التي خلقوها. هم يحاربون من أجل ألا ينتقل أي شيكل إلى أنظمة أخرى على حساب ميزانية لشراء طائرات جديدة. يضاف إلى ذلك ضعف رؤساء الأركان أمام المفهوم الخاطئ الذي يقول إن سلاح الجو يمكنه أن يقدم رداً مناسباً في حرب متعددة الجبهات”. يبدو أن بريك لا يعرف المعطيات: الميزانية المالية لسلاح البر أكبر من ميزانية سلاح الجو بضعفين وأكثر. حتى اليوم، أذكر مقولة لأحد قادة سلاح الجو الذي توجه لي في الأيام الماضية بعد عودتي محبطاً من نقاش حول ميزانية سلاح الجو.. “لا تقلق، ففي اليوم الذي سيجلس فيه نائب رئيس الأركان على كرسي رئيس الأركان، سيفهم أن سلاح الجو هو القوة الرئيسية المهمة لديه، وعندها ستعطى لسلاح الجو الميزانية طبقاً لذلك”.

“في كل هذه الجولات لم يقتل مقاتلوهم لأنهم يختبئون في مدينة الأنفاق التي بنوها تحت الأرض. إذا أصابت قنابل سلاح الجو الإسرائيلي سكان غزة الأبرياء بالضرر في الحرب المقبلة فإن هذا الأمر سيفيد حماس والجهاد الإسلامي، لأن هذا سيثير العالم ضدنا”. هنا يخطئ بريك ثلاث مرات: أ- سلاح الجو هو الوحيد الذي لديه قنابل لاختراق حصون لحماس والجهاد تحت الأرض. ب- هو سيصيب بالضرر أبرياء أقل بكثير من سلاح صواريخ (الصاروخ هو على شاكلة “أطلق وانس”، في حين أن الطيار يمكنه أن يوجه سلاحه نحو ما يراه في الوقت الحقيقي، مثلاً عائلة مع أولاد)، أو لواء دبابات “مركباة” أو نيران مدفعية، مثلما رأينا في أحداث الجمعة الأسود في رفح. ج- إذا تسببت الصواريخ حتى بعشر الضرر الذي يصفه بريك في مدن إسرائيل، فسيدين العالم سيدين الذي أطلقها بشكل متعمد على مدنيين قبل وقت طويل من إدانته لإسرائيل.

باختصار، علينا ألا نستخف بتهديد الصواريخ والقذائف. وأوافق على أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية في الحرب المقبلة ستضرر بصورة أشد مما في الماضي. مع ذلك، ليس سلاح الصواريخ هو الحل لحماية الجبهة الداخلية. وهناك القليل من السيناريوهات العملية التي تعطي الصواريخ فيها رداً أفضل من الطائرات الحربية. صحيح أن الجيش يجب أن يخصص من الموارد لشراء صواريخ أرض – أرض قوة مكملة لسلاح الجو. ولكن سلاح الصواريخ كحل منهجي شامل على حساب الطائرات الحربية، فهذا مفهوم مضلل وخطير.