قالت تقارير إعلامية إسرائيلية اليوم، الجمعة، إنه على الرغم من إعلان الولايات المتحدة عن التوصل إلى اتفاق تطبيع علاقات بين السودان وإسرائيل، يوم الجمعة الماضي، إلا أن الأخيرة هي التي توسطت من وراء الكواليس، خلال الأشهر الأخيرة، بين إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والحكومة السودانية، ودفعت واشنطن إلى صفقة ثلاثية تشمل إخراج السودان من القائمة الأميركية للدول الداعمة للإرهاب. وشملت هذه الوساطة الإسرائيلية لقاء سريا جمع وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، مع رئيس المجلس السيادي في السودان، عبد الفتاح البرهان.
واللافت في هذه التقارير أنها تشي بوجود صراع بين المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين على كسب رصيد حول تقدم الاتصالات السرية بين إسرائيل والسودان، وصولا إلى الاتفاق الثلاثي، الذي يشمل الولايات المتحدة أيضا.
"الصفقة التي أعلن عنها ترامب، يوم الجمعة الماضي، جرى نسجها بقدر كبير نتيجة علاقات ثقة وثيقة بين مسؤولين في مكتب رئيس الحكومة (الإسرائيلية) ومسؤولين في قيادة السودان"، حسبما نقل المحلل السياسي في موقع "واللا" الإلكتروني، باراك رافيد، عن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين. "والعلاقات الوثيقة مع البيت الأبيض، والثقة الناشئة مع السودان، سمحت لإسرائيل أن تأخذ المفاوضات المتعرقلة بين واشنطن والخرطوم ورفعها على مسار قاد إلى الاتفاق".
قبل ذلك، عيّن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مسؤول في جهاز الأمن العام (الشاباك) مبعوثا خاصا له إلى العالم العربي وأفريقيا، وملفه بتطوير العلاقات مع دول لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. ويعرف هذا المبعوث الخاص باسم "ماعوز"، ويوصف أيضا كمسؤول عن "ملف السودان".
وأضاف رافيد أن الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، بعث رسائل إلى إسرائيل في أعقاب المظاهرات ضده، في بداية العام الماضي، في محاولة لإنقاذ حكمه. وأجرى البشير محادثات هاتفية مع "ماعوز"، لكن في الجانب الإسرائيلي تقرر عدم التعاون معه.
وفي مطلع العام الحالي، بعد أشهر على الإطاحة بحكم البشير، استؤنف الحوار بين قادة السودان الجدد وإسرائيل، بعدما توجه إلى "ماعوز" المحامي الإسرائيلي – البريطاني، نيك كاوفمان، الذي يمنح الاستشارة للحكومة السودانية المؤقتة بشأن تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية. وقال كاوفمان إنه بصدد اللقاء مع البرهان، واقترح أن ينقل رسالة من إسرائيل إلى رئيس المجلس السيادي السوداني، واقترح "ماعوز" في رسالة للبرهان أن يلتقي مع نتنياهو من أجل بحث تطبيع العلاقات. وبعث البرهان رسالة جوابية إلى نتنياهو، وافق من خلالها على الاقتراح.
وعندما عاد كاوفمان إلى إسرائيل، ربط بين "ماعوز" وبين مستشارة البرهان، نجوى قدم الدم، وهي أيضا مستشارة للرئيس الأوغندي، يوري موسفيني. وعمل الاثنان سرا على الإعداد للقاء البرهان ونتنياهو، الذي عقد تحت رعاية موسفيني في أوغندا، في شباط/فبراير الماضي. وأراد البرهان حينها دفع تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكن معارضة شديدة من جانب رئيس الحكومة السودانية المؤقتة، عبد الله حمدوك، منعت ذلك.
ورغم أن الانتخابات الإسرائيلية، في آذار/مارس الماضي، وانتشار وباء كورونا تسببا ببطء المحادثات، إلا أن "ماعوز" استمر خلال هذه الفترة بمحادثات هاتفية أسبوعية مع البرهان ومستشاريه، وأسفرت عن بناء علاقات ثقة وثيقة، حسب رافيد.
واقترح نتنياهو على وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، لدى زيارته إسرائيل في نيسان/أبريل الماضي، أن يجري محادثات مباشرة مع البرهان وحمدوك، وهو ما حدث فعلا بعد عدة أيام. وفي نهاية أيار/مايو توفيت "عرابة التطبيع" قدح الدم من جراء إصابتها بكورونا. وقبل ذلك بأيام معدودة وصل فريق طبي إسرائيلي إلى الخرطوم في محاولة لإنقاذ حياتها.
وجرت المحادثات بين الولايات المتحدة والسودان حول إخراج الأخيرة من قائمة الدول الداعمة للإرهاب ببطء، لكن إدارة ترامب بدأت تسّرع هذه المحادثات في أعقاب الإعلان عن التوصل إلى اتفاق التحالف وتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، في 13 آب/أغسطس الماضي. واقترحت إسرائيل الدمج بين إخراج السودان من هذه القائمة وبين اتفاق تطبيع علاقات بينها وبين السودان. وأفاد رافيد أن "إدارة ترامب تلقت نصيحة مشابهة من الإمارات". وفي نهاية آب/أغسطس التقى بومبيو مع البرهان في الخرطوم.
وخلال هذه الزيارة، أبلغ بومبيو حمدوك بأن ترامب على استعداد لتنفيذ الصفقة فورا، واقترح عليه خلال لقائهما إجراء اتصال هاتفي مع ترامب ونتنياهو من أجل الاتفاق على الصفقة فورا، إلا أن حمدوك لم يوافق وقال إنه لا يشعر أنه جاهز لخطوة كهذه.
وواصل نتنياهو ممارسة ضغوط على البيت الأبيض من أجل التقدم في هذه الصفقة، واستعان بالسفير الأميركي في إسرائيل، ديفيد فريدمان. وفي 21 أيلول/سبتمبر الماضي، نظمت الإمارات وإسرائيل لقاء في أبو ظبي بين وفد سوداني وفريق من البيت الأبيض، لكن هذه المحادثات تفجرت، وبعد ذلك حاول الإسرائيليون والإماراتيون الجسر بين الجانبين، وأبلغوا الوفد السوداني بأن عليه الموافقة على مقترح المساعدات المالية الأميركي، حتى لو لم تكن عند توقعاتهم، وذلك لأنه بعد انتخابات الرئاسة الأميركية سيحصلون على مقترح أسوأ، وفي موازاة ذلك طلبوا من البيت الأبيض تحسين المقترح، ما أدى إلى استئناف المحادثات، وصولا إلى الإعلان عن اتفاق التطبيع.
ثقة عميقة بين بن سلمان ورئيس الموساد
فيما تحدث رافيد عن دور "ماعوز" في المحادثات مع السودان وصولا لاتفاق التطبيع، استعرض محلل الشؤون الاستخبارية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، رونين بيرغمان، رواية أخرى حول دور رئيس الموساد، يوسي كوهين، في هذا الاتفاق. وسعى بيرغمان إلى إضفاء صبغة درامية على تقريره.
وحسب بيرغمان، فإنه في 9 أيار/مايو الماضي، أبلغ كوهين أربعة مسؤولين بأن نتنياهو صادق على إجراء اتصالات مع رجل أعمال سعودي ذي تأثير، وأن "دفع محادثات مع البرهان هو خطوة مقبولة ومرحب بها".
وأشار بيرغمان إلى أن "غاية هذه العلاقات خدمة الأمن القومي الإسرائيلي بعدة طرق، وفي مقدمتها مساعدة السعوديين في تجنيد البرهان للمعركة ضد إيران. وفعلا، بفضل هذه الخطوة عُقد بعد ذلك لقاء قمة سري بين البرهان وغانتس في فيلا يملكها الملياردير السعودي، وتحت رعاية حاكم أفريقي مركزي، من أجل التداول في كيف بإمكان السودان مساعدة إسرائيل".
وأضاف بيرغمان أنه "بعدما بدأت السعودية بالتعاون مع الموساد من أجل قطع الاتصال مع إيران، حركت عملية وصلت ذروتها بلقاء نتنياهو والبرهان، في شباط/فبراير الماضي". وأشار بيرغمان أن بين مصالح إسرائيل بالاتفاق مع السودان، إيقاف نقل أسلحة من إيران إلى قطاع غزة عبر السودان.
ومارست السعودية ضغوطا على البشير من أجل أن يمنع نقل أسلحة من إيران إلى الحوثيين في اليمن، وذلك لأن قسما من هذه الأسلحة كانت تنقل عبر السودان. ونقل بيرغمان عن مسؤول سياسي إسرائيلي رفيع قوله إن "السعوديين استثمروا الكثير من المال في السودان. كما وعدوا البشير بلجوء سياسي في حال سقوط حكمه. وتعهد البشير بقطع الطريق على الإيرانيين. ونحن كنا متأكدين بأنه يخادع، وأنه يقول ذلك تجاه الخارج فقط، من أجل إرضاء بندر (بن سلطان رئيس المخابرات السعودية السابق) وولي العهد محمد بن سلمان. وفوجئنا بأنه وفى بتعهده وسد الطريق أمام الإيرانيين".
وأضاف المسؤول السابق في الموساد، حاييم تومير، أن "التحول لدى البشير، سوية مع إقامة العازل البري المصري، شل قسما كبيرا من طرق تزويد الأسلحة إلى قطاع غزة".
ووفقا لبيرغمان، فإن "السعودية هي التي نسجت العلاقات السرية بين إسرائيل والسودان. وكان قادة أجهزة الاستخبارات في السعودية وولي العهد محمد بن سلمان شركاء في دائرة السر في المفاوضات قبيل الإعلان عن إقامة العلاقات بين إسرائيل والإمارات، وحتى أنها ساعدت في الحصول على دعم عدة دول هامة في المنطقة قبل النشر عن الاتصالات".
وتابع بيرغمان أن إدارة ترامب مارست ضغوطا على بن سلمان من أجل تطبيع علاقات مع إسرائيل وأنه تم التوضيح للأخير أنه في حال موافقته على ذلك، سيُدعى إلى البيت الأبيض، رغم قضية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، وأن الأميركيين أضافوا أنه في حال فوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، بالرئاسة فإنه "لن يتمكن من دعوته إلى البيت الأبيض".
ورفض بن سلمان الاقتراح الأميركي على خلفية معارضة والده، الملك سليمان، التطبيع مع إسرائيل. وتابع بيرغمان أنه "رغم أن بن سلمان وافق على عدة خطوات تدل على اتجاه عام، وبينها المصادقة على عبور طائرات إسرائيلية في أجواء السعودية، لكن في إسرائيل يقدرون أن العائلة المالكة المحافظة، الحذرة، المتخوفة والتي ترى بنفسها حارسا للأماكن المقدسة الإسلامية، لن توافق على تطبيع في هذه المرحلة، رغم المنافع الكامنة في خطوة كهذه لها".
رغم ذلك، أضاف بيرغمان، "استجاب بن سلمان لطلبات كوهين، اللذين تربطهما علاقات متشعبة تستند إلى ثقة عميقة، بالمساعدة في العلاقة السرية مع السودان. إلا أن إسرائيل بحثت طوال الوقت عن الجانب المعلن، الاعتراف. وهنا دخلت إلى الصورة قدح الدم، وأثارت انطباعا لدى الإسرائيليين الذين التقت معهم بسبب قدرتها على المناورة وإقناع زعماء أفريقيا"، وتمكنت من عقد اللقاء بين نتنياهو والبرهان. ولم يتحدث بيرغمان عن أي دور لـ"ماعوز".