في تقرير مشترك لأدم راسغون وديفيد هالبفينغر نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” قالا فيه إن القادة الفلسطينيين يعولون على انتصار المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن الأسبوع المقبل ولا يفكرون أو يريدون التفكير بفوز ثان للرئيس الحالي دونالد ترامب أو حتى خطة ب. فنهاية لحقبته تعطي الرئيس الفلسطيني محمود عباس عودة تحفظ ماء وجهه وتخفف من المعاناة الاقتصادية التي تعاقب شعبه. فقد توقفت السلطة الفلسطينية التي خافت من ضم إسرائيل لمناطق في الضفة الغربية التي تشكل جزءا من الدولة الفلسطينية التي يطمح الفلسطينيون إقامة دولتهم عليها، توقفت عن قبول مئات الملايين من الدولارات التي تجمعها إسرائيل كضريبة نيابة عن السلطة الوطنية. وهو ما أجبرها على تخفيض رواتب عشرات الألاف من الموظفين في قطاع الخدمة المدنية.
وعبر نائب الرئيس الأمريكي السابق بايدن عن معارضته لخطط الضم الإسرائيلية، فيما قالت إسرائيل إنها لن تباشر بالخطط دون موافقة أمريكية. وبحسب جهاد حرب المحلل السياسي الفلسطيني في رام الله فإن انتصار بايدن سيمنح عباس “السلم لكي ينزل عن الشجرة”. وعندها سيعلن أن خطة الضم ميتة ويعود لقبول التحويلات المالية عن الضريبة. ويتابع الفلسطينيون بنوع من اليأس الانتخابات الأمريكية يوم الثلاثاء المقبل خاصة أنهم يعيشون حالة من العزلة وبدون مال ويعانون من انقسامات أيديولوجية وتهديدات أخرى مثل فيروس كورونا، ويرغبون والحالة هذه برؤية وجه جديد في البيت الأبيض.
وفي الوقت نفسه يتطلع قادة حركة فتح لخروج عباس من الساحة وخلافته. وأكثر من هذا يتطلع الرئيس عباس، 84 عاما والقادة حوله إلى قيام الرئيس بايدن بوضع خطة ترامب المحابية لإسرائيل على الرف. ويتوقعون أيضا تأكيد الإدارة الأمريكية على الموقف التقليدي السابق وهو دعم حل الدولتين. ويأملون بذوبان الجليد مع البيت الأبيض وإعادة بعض الدعم المالي. لكن إلغاء بعض القرارات الأخرى التي اتخذها ترامب ستكون معقدة مثل إعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. وأشار بايدن إلى أنه لن يعيد السفارة الأمريكية إلى تل أبيب بعد قرار ترامب نقلها إلى القدس. ولكن في حالة فوز ترامب مرة ثانية فخيارات الفلسطينيين ليست جيدة. ففي الولاية الثانية لترامب وعدت إدارته المضي بتطبيق خطته للسلام والتي تدعو لضم معظم الضفة الغربية. ووعدت إدارة ترامب بعمليات تطبيع أخرى بين الدول العربية وإسرائيل، كما فعلت مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان، وهي اتفاقيات مزقت الإجماع العربي حول التطبيع مع إسرائيل المشروط بحل القضية الفلسطينية وإقامة الدولة.
وفي الوقت الذي يتطلع فيه عباس لمغادرة ترامب البيت الأبيض فإن قادة حزبه يتنافسون على خلافته ويحاولون الحصول على دعم إعلامي من خلال الجهود الدبلوماسية وحكم التكنوقراط والاحتجاج الشعبي. وقال غيث العمري، المستشار السابق لعباس “السفينة تغرق والكل يتنافس على القمرة الرئيسية فيها”.
ويقول من حول عباس إنه بات خائفا من مؤامرة أمريكية-إسرائيلية مع الدول العربية المتحالفة معهما لهندسة خروجه من السلطة. وزادت مظاهر القلق من المقابلات التلفزيونية التي هاجم فيها الأمير بندر بن عبد العزيز، مدير المخابرات والسفير السعودي السابق في واشنطن القيادة الفلسطينية. وقال بندر “مع أشخاص كهؤلاء فمن الصعب الثقة بهم أو التفكير أنك تستطيع عمل شيء يخدم فلسطين في وجودهم”. ولو فاز ترامب يقول محللون فإن عباس قد يجبر على التفاوض من جديد مع إدارته ومن خلال عملية حفظ وجه على شكل تدخل مؤسسات متعددة. وفي الوقت الحالي يحاول الظهور بمظهر من لديه خيارات أخرى. وحاول بطريقة مفاجئة إرسال رسالة لحلفائه التقليديين في مصر ودول الخليج من خلال مغازلة تركيا وقطر، اللتان تعتبران المنافسان والعدوان الإقليميان للإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر. وأعاد إحياء فكرة المصالحة مع الحركة المنافسة له وهي حماس التي تحكم قطاع غزة. ووعد بالدعوة لانتخابات جديدة في الضفة الغربية والبحث عن طرق لتوحيدها مع غزه وتجديد الشرعية وعرقلة جهود الإطاحة به. ولكن الكثيرين يرون أن هذه الخطوات جدية، خاصة أن عباس لا يثق بحركة حماس المتحالفة مع تركيا وقطر ويخشى لو عقد انتخابات أن تفوز بالضفة الغربية إلى جانب سيطرتها على غزة. ويقول معين رباني، الخبير في السياسة الفلسطينية “الهواء ساخن” في وصف للنتائج النهائية لجهود المصالحة الوطنية والانتخابات التي يتحدث عنها عباس. ومن الصعب الآن رؤية أن عباس متفائل من ترامب، خاصة عندما فاجأ الجميع وعبر في بداية رئاسته عن اهتمامه بوضع حد للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني وللأبد. إلا أن الآمال تلاشت بعدما بدأت الإدارة بقطع الدعم وإهانة القيادة الفلسطينية. وبدا هذا واضحا في تخليه عن موقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة حول تسوية القدس ومسألة اللاجئين وبقية الأمور الخلافية. وبدت الإدارة في كل مواقفها متحيزة مع إسرائيل وتجاهلت مطالب الفلسطينيين وأغضبت عباس الذي أضعفت سلطته وعزلته دبلوماسيا. وحتى لو انتخب بايدن فمن الصعب إرجاع الساعة للوراء وإصلاح ما فعله ترامب. فإعادة فتح الممثلية الفلسطينية في واشنطن واستئناف بعض الدعم للفلسطينيين سيواجه بعقبات قانونية وربما موافقة من الكونغرس. كما أن إعادة فتح القنصلية الامريكية في القدس التي ظلت حتى 2019 تخدم المصالح الفلسطينية في القدس الشرقية يحتاج لموافقة إسرائيلية. وهو أمر لن يحصل سريعا في مدينة اعترف بها ترامب كعاصمة لإسرائيل. وتقول لارا فريدمان، مدير ة مؤسسة السلام في الشرق الأوسط “هذه أمور ممكنة ولكنها تحتاج لجهود سياسية كبيرة. وما يأمل به عباس من بايدن، مثل الضغط على إسرائيل تقديم تنازلات للفلسطينيين او حتى نقل السفارة إلى تل أبيب ليس محتملا. وأكد بايدن أن لديه الكثير من الأولويات بدءا من مكافحة فيروس كورونا وأكد أنه ألا يرغب بمواجهة مع الحكومة الإسرائيلية.
ويرى رباني أن “فكرة عودة الأمور لما كانت عليه هو حلم”. ولكن القيادة المحيطة بعباس لا تتحدث عن تغييرات حقيقية في الإستراتيجية رغم وجود أفكار خارج القيادة. وهناك من الفلسطينيين الذين يدعمون إحياء المفاوضات مع إسرائيل. فيما يطالب آخرون بحل السلطة الوطنية وتحميل إسرائيل الطرف المحتل المسؤولية الاقتصادية والاجتماعية حتى في المناطق ذات الكثافة السكانية الفلسطينية العالية والخاضعة الآن لسيطرة السلطة. وأشار استطلاع إلى تأييد نسبة 26% من سكان الضفة العودة إلى الكفاح المسلح. وهناك من يحاول اثارة الاهتمام بحركة السلام. مع أن عضو مجلس بلدية عرابة، قرب جنين خليل العرضة يقول: أشعر أننا في نفق مظلم ولا ضوء في نهايته”.