صحيفة اسرائيلية: ما الثمن الذي دفعته الحركة الوطنية الفلسطينية خلال مئة عام من التسيب؟

الثلاثاء 27 أكتوبر 2020 08:38 م / بتوقيت القدس +2GMT
صحيفة اسرائيلية: ما الثمن الذي دفعته الحركة الوطنية الفلسطينية خلال مئة عام من التسيب؟



القدس المحتلة /سما/

 إسرائيل اليوم - بقلم: دان شيفتن   “تحتفل” الحركة الوطنية الفلسطينية هذه الأيام بمئة سنة من التسيب. وكي يحاكمها المرء بمثل هذه الشدة لا ينبغي له أن يكون عدوها الصهيوني. فالعرب، وحتى الكثير من الفلسطينيين، يعرفون ذلك، بل يقولونه علناً.

لا يستحق الفلسطينيون التنديد لمجرد معارضتهم للصهيونية، ولا حتى لعنفهم. فهذا مفهوم: يرون كفاحهم كتحرير من الاستعمار الذي تضمّن عناصر عنيفة، ومن اليهود الذين جاءوا لسلبهم صدارتهم الوطنية في بلادهم. وعداؤهم مفهوم أيضاً: فقد هُزموا وقُمعوا، ونفي قسم كبير من شعبهم. إن التسيب المتواصل لحركتهم الوطنية يتعلق بتملصها المنهاجي من أخذ المسؤولية عن مصير شعبهم. فقد أدمنت هذه على نمط السلوك الذي يدمج العدوان الفاشل والتباكي المواظب. سنذكّر من يترحم على الفلسطينيين بسبب ضائقتهم بأن هذا النمط هو الذي جلب عليهم معظم مصائبهم وخرابهم. كجماعة وطنية يصعب احترامهم.

لقد كانت محاولتهم في العشرينيات والثلاثينيات لاجتثاث المشروع الصهيوني ناجعة. كيهود، صعب الاعتراف بذلك، ولكن الإرهاب الفلسطيني الواسع حقق هدفهم. كل جولة عنف أدت بهم إلى النتيجة المرغوب فيها في التقييد البريطاني للهجرة، إلى أن انصرفت بريطانيا عملياً في “الكتاب الأبيض” في العام 1939 عن تأييدها للمشروع الصهيوني. غير أن تسيب الحركة الوطنية الفلسطينية البنيوي أعد منذ نجاحها الأكبر هذا البنية التحتية لخرابها الوطني بعد عشر سنوات منها. فقد جند زعماؤها الشعب لعنف واسع ضد اليهود (والبريطانيين) بمساعدة الشرعية والتشجيع للفوضى الهدامة والإرهاب الداخلي منفلت العقال. وهكذا جلبوا الخراب على المجتمع الفلسطيني، الذي يشرح هروبهم الجماعي في 1948 ووهن مقاومتهم حتى في حالات الطرد. في المئة سنة من التاريخ الفلسطيني كشعب، هذه هي مصيبتهم الأساس، وهم الذين خلقوا الظروف لنشوئها.

منذ أواخر الانتداب، كان واضحاً أن الفلسطينيين ما كان يمكنهم أن يقفوا وحدهم أمام اليهود لأن الدول العربية لا تريد لهم الخير، وأن الملك عبد الله يتطلع للسيطرة على قلب بلادهم، بالتوافق مع بن غوريون. وللتصدي لهذا التهديد كان من الأفضل لهم أن يقيموا استقلالاً في ما عُرض عليهم في مشروع التقسيم، وأن يحاولوا السيطرة على ما تبقى بدعم من الجيوش العربية. غير أن النمط الهدام والمتسيب أملى عليهم خيارهم منذ ذلك الحين: التمسك بـ “العدالة التاريخية الكاملة” – دولة فلسطينية على خراب إسرائيل – بدلاً من الهدف الحيوي لإنقاذهم من الخراب في تلك المرحلة.

بعد نفيهم وخراب الصيغة الأولى من الحركة، أقام الفلسطينيون م.ت.ف بقيادة الشقيري وعرفات، على الأساس ذاته: المطالبة بتصفية إسرائيل باستراتيجية الكفاح المسلح. مثلما في 1939 حظي الفلسطينيون بإنجازات كبيرة وثبتوا مكانهم في الساحة العربية والدولية منذ السبعينيات فما بعد، ولكنهم تمسكوا بـ “عدالتهم التاريخية”، مطالبين بخراب إسرائيل. وإلى جانب الإرهاب الفلسطيني المنهاجي في أوروبا والشرق الأوسط، الذي جلب الخراب على الأردن ولبنان، رفضوا سلسلة من العروض الإسرائيلية التي كانت كفيلة بقيام قاعدة لدولتهم في الضفة وغزة. فمنذ خطة الحكم الذاتي التي اقترحها بيغن في إطار المفاوضات مع السادات كانت هناك إمكانية كامنة لنشوء دولة.

لقد كانت مسيرة أوسلو هي الفرصة الأساس، التي يكمن في قلبها وهم إسرائيلي بشأن التحول في نمط العمل الوطني الفلسطيني. وسرعان ما تبين أن الفلسطينيين غير مستعدين لترك الإسرائيليين يخدعون أنفسهم: كل عناصر الكفاح من أجل “العدالة التاريخية” (الإدمان على الإرهاب، والتمسك بـ “حق العودة”، ورفض الدولة اليهودية) أقنعت أغلبية محبي التسوية في إسرائيل بأن لا يوجد شريك فلسطيني لتسوية تاريخية. بعد عروض أولمرت في 2008 شرح ممثلهم عريقات أن 100 في المئة ليست إلا المرحلة الأولى. بداية، فقد الفلسطينيون مصر (1979)، بعد ذلك الجمهور الإسرائيلي (2000) وأخيراً وحدتهم الوطنية بين الضفة وغزة (2007). وقد بدأ معظم العرب أيضاً يملونهم، بل وبعض من الأوروبيين أيضاً. فثمة ثمن لمئة سنة من التسيب.