هآرتس: ماذا وراء نكتة مطالبة الإسرائيليين باللجوء السياسي إلى السودان؟

الأحد 25 أكتوبر 2020 11:58 م / بتوقيت القدس +2GMT
هآرتس: ماذا وراء نكتة مطالبة الإسرائيليين باللجوء السياسي إلى السودان؟



القدس المحتلة /سما/

هآرتس  - بقلم: تسفي برئيل  “أخيراً يستطيع الإسرائيليون المطالبة بلجوء سياسي في السودان” هذه هي النكتة التي تم تناقلها يوم الجمعة، بعد أن نُشر بيان عن اتفاق التطبيع بين الدولتين. بنغمة أكثر جدية، بدأ تنتشر أقاويل عن المكسب الذي ينتظرهم من الطرد المتوقع لطالبي اللجوء ومهاجري العمل السودانيين لدى عودتهم إلى وطنهم. وكما هو متوقع، فإن “روتين” التوقيعات على اتفاقات التطبيع مع دول المنطقة تنشط أوتوماتيكياً صفحات إكسل السياسية والعسكرية، والممتلئة بقوائم الربح والخسارة لكل طرف من الأطراف، وكأن السلام مع دولة أخرى في المنطقة ليس أكتر من نشاط تجاري.

مكاسب الطرفين واضحة ومفهومة، سيتم رفع السودان عن قائمة الإرهاب، ويستطيع الحصول على قروض ضرورية من مؤسسات التمويل الدولية، وبالأساس من صندوق النقد الدولي؛ ويمكن لشركات شركات دولية أن تستثمر فيه وتخلق آلاف فرص العمل؛ وهذه الدولة التي هي من أفقر الدول في العالم تستطيع ربما البدء بإعادة تأهيل ذاتها بعد عشرات السنين من إدارتها من قبل زعيم قاتل، هو عمر البشير.

ستستكمل إسرائيل بهذا الاتفاق حزامها الأمني في البحر الأحمر، والتي تشارك فيه مصر والأردن وجنوب السودان والسعودية، أما انتقال السلاح من سيناء إلى غزة، الذي استند إلى خطوط تهريب من السودان، فسيمنع أكثر فأكثر. ولكن مكسب إسرائيل الأساسي هو ترسيخ التطبيع مع دول المنطقة وقبولها، كاستراتيجية إيجابية تخدم المصالح العربية.

التطبيع مع السودان والإمارات والبحرين، وفيما بعد ربما السعودية وقطر ودول أخرى، لا يلغي النزاع الإسرائيلي-فلسطيني، ولكنه سيسحب من إسرائيل الادعاء التقليدي الذي يقول إن السلام مع الفلسطينيين مشروط بإنهاء النزاع الإسرائيلي العربي، ولكن المشكلة الفلسطينية ستواصل كونها مشكلة إسرائيلية، دون علاقة بعدد السواح الإسرائيليين الذين زاروا برج الإمارات المدهش أو هواة الرحلات الميدانية الذين يمكنهم السفر مباشرة من تل أبيب إلى الخرطوم.

اتفاق التطبيع مع السودان، مثل سابقيه مع دول الخليج، هو ثمرة لمفاوضات اقتصادية- سياسية، نُسج بتعاون وطيد مع السعودية، والتي ستكون -كما يبدو- تلك التي ستمول التعويض الذي يبلغ 335 مليون دولار، الذي تعهدت دولة السودان بدفعه للمتضررين من نشاطات الإرهاب، وأدخلتها إلى القائمة السوداء. لقد نسج ما بين السعودية والسودان علاقات وثيقة نهاية فترة البشير، عندما انضم السودان إلى التحالف العربي الذي أسسه الملك سلمان وشن حرباً في اليمن سنة 2015، وفيما بعد أبعد السودان الوجود الإيراني من أراضيه، وأرسل مقاتلين إلى ساحة الحرب اليمنية ضد الحوثيين.

عندما تم عزل البشير عن كرسيه في نيسان 2019 في أعقاب مظاهرات ضخمة قُتل فيها عشرات الأشخاص، سارعت السعودية والإمارات لمنح المجلس العسكري الذي استولى على الحكم، مساعدة مالية بمبلغ 3 مليارات دولار. وبهذا، أصبحوا هم أسياد القيادة السودانية الجديدة. هذه قيادة مكونة من ذراعين: المجلس السيادي المؤقت المكون من 11 عضواً، بينهم 5 عسكريين و5 مدنيين وقائده هو الجنرال عبد الفتاح برهان، فيما تعمل تحته حكومة برئاسة عبد الله حمدوك، وحسب وثيقة الدستور التي وُقع عليها في 2019 ستظل هذه التشكيلة موجودة حتى تشرين الثاني 2022 وهو الموعد الذي من المخطط أن تجري فيه انتخابات عامة.

لا يوجد برلمان فاعل في هذه الأثناء، بعد أن تم حله مع عزل البشير. هذه تشكيلة وبنية هشة تتعرض لنقد جماهيري من جانب الشارع، الذي لا يتوقف عن الغليان. الأربعاء الماضي جرت مظاهرات في عدد من مدن السودان احتجاجاً على الوضع الاقتصادي الصعب، وعلى الارتفاع النيزكي للأسعار، ونقص الوقود الذي يتسبب بطوابير طويلة يومياً في مداخل محطات الوقود، وعلى نية الحكومة بتقليص الدعم بالوقود. هذه المظاهرات غير مرتبطة باتفاق التطبيع، ولكنها تدل على انعدام الثقة والغصب على الحكومة المؤقتة.

هذا التوتر يُجند بصورة طبيعية أيضاً لأهداف سياسية، ويتم تغذيته بادعاء أن اتفاق التطبيع ليس شرعياً؛ لأنه موقع من قبل حكومة مؤقتة وبدون مصادقة البرلمان. ومن أجل تهدئة النفوس، أعلن وزير خارجية السودان عمر قمر الدين، أن الاتفاق سيدخل حيز التنفيذ بعد مصادقة البرلمان، أي على الأقل بعد حوالي سنتين، ولكن المجلس السيادي المؤقت لا ينوي الانتظار: بدأ تطبيق الاتفاق مع فتح سماء السودان للطائرات الإسرائيلية، وبدء النقاشات حول اتفاقات اقتصادية في مجال الزراعة والصحة، غير أن صراعات القوى السياسية قد ابتدأت.

الصادق المهدي، وهو زعيم حزب الأمة الوطني الإسلامي، أحد الأحزاب المشاركة في الحكومة، هدد بانسحاب حزبه من الحكومة إذا تم التوقيع على اتفاق التطبيع. هذا تهديد مهم؛ فالمهدي -وهو معارض لحكم المجلس السياسي رغم مشاركته في الحكومة- لا يمثل حركته فحسب، بل يمثل تيارات إسلامية عديدة في الدولة. انسحابه وانسحاب حركات أخرى سيؤدي إلى سقوط الحكومة وإعادة اندلاع المظاهرات وإلى مواجهات عنيفة بين الجيش والشرطة من جهة والمواطنين من جهة أخرى، وذلك في الوقت الذي يحتاج فيه السودان إلى فترة من الهدوء والاستقرار.

السودان ليس الإمارات أو البحرين اللتين تحكمهما العائلة المالكة ولا تسمحان بإجراءات ديمقراطية لاستبدال السلطة، إنه دولة فيدرالية ذات قوة ونفوذ قبائلي محلي. لقد نجحت حركات احتجاج مدنية في إقصاء نظام استبدادي معمر، وإن وثيقة الدستور تلزم بإجراء انتخابات وتعديلات دستورية بصورة تسمح بنشاط سياسي واسع لحركات المعارضة. وبناءً على ذلك، ليس هنالك ضمانة لنجاح الحكومة في الصمود أمام الضغوط الداخلية. (ولهذا سوف تؤجل تطبيق اتفاق التطبيع)، كما لا توجد ثقة في عدم اختراق الحكومة الجديدة هذا الاتفاق. على هذه الخلفية، يمكن فهم بيان رئيس الحكومة حمدوك، الذي يقول بعدم حدوث أي تبادل للسفراء أو فتح سفارات متبادلة في المرحلة الأولى.

إنه حذر يلزم إسرائيل أيضاً، فالاستعراضات والتصريحات العلنية حول الاتفاقات والفرص ستخدم معارضي الاتفاق وحركات المعارضة الذين سيبذلون جهوداً لإعاقة تطبيقها. سيكون الاختبار في الفائدة الاقتصادية الفورية التي يمكن للحكومة أن تعرضها على المدنيين: السودان غارق في ديون تبلغ حوالي 60 مليار دولار، وميزانيتها ضئيلة وعاجزة، وحوالي 75 في المئة من موارد نفطها خسرتها عندما تم إقامة جنوب السودان سنة 2011، وارتفع التضخم في الشهر الماضي إلى أكثر من 212 في المئة، وهبطت الليرة السودانية في السوق السوداء إلى 250 ليرة للدولار مقابل السعر الرسمي الذي يبلغ 250 ليرة بالدولار.

لا تستطيع قيادة السودان الاستدانة من صناديق دولية أو تمديد أجل الديون، وستحتاج إلى ضخ مباشر لمبالغ مالية لغايات التطوير. ونظرياً، من شأن ذلك أن يأتي من السعودية ودول خليجية أخرى. السؤال سيكون: من سيفوز في هذه المنافسة، الدول المانحة أم الاحتجاج الداخلي؟ وسيكون اتفاق التطبيع مع إسرائيل مرهوناً بهذا أيضاً.