هآرتس: الفلسطينيون… بين "ربع الأرض أو أقل" واستراتيجية نضال جديدة وحلم لا يتحقق

الثلاثاء 20 أكتوبر 2020 04:22 م / بتوقيت القدس +2GMT
هآرتس: الفلسطينيون… بين "ربع الأرض أو أقل" واستراتيجية نضال جديدة وحلم لا يتحقق



القدس المحتلة /سما/

هآرتس - بقلم: دمتري شومسكي  "يعد سابقاً لأوانه فرح اليمين الصاخب في أعقاب اتفاقات السلام بين إسرائيل والإمارات والبحرين، التي تم التوقيع عليها في واشنطن قبل شهر تقريباً؛  فعمليات التطبيع في علاقات الدول العربية مع إسرائيل -متجاهلين تخليد الاحتلال والأبرتهايد- ستحث الفلسطينيين على بلورة استراتيجية جديدة للنضال على حقوقهم القومية.

تداعيات هذه الاتفاقيات قد تعمق توجهات فكرية رئيسية لدى الفلسطينيين. التوجه الأول، إن إدارة الظهر لضائقتهم قد تزيد في أوساطهم الشعور بالاغتراب تجاه الفضاء العربي، وفي المقابل تعزيز علاقاتهم المحلية الوطنية الفلسطينية بصورة أشد. التوجه الثاني، مع التجميد الفعلي لمبادرة السلام العربية – كما يفسر ذلك وبحق، تداعيات هذه الاتفاقات في مكتب محمود عباس – ستتجذر نهائياً في الوعي الفلسطيني فكرة أن تقسيم البلاد وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة في حدود 1967 لم تعد فكرة واقعية.

الربط الديالكتيكي بين زيادة ارتباط الشعب الفلسطيني بوطنه الوطني – المحلي وبين الاعتراف الحاد بأن حلم الاستقلال غير قابل للتطبيق، قد يؤدي على الأرجح إلى اكتماله النهائي بتحقيق المشروع الصهيوني بأقصى نطاق إقليمي له على كامل أرض فلسطين الكبرى.

كما يبدو، تسليم القومية الفلسطينية بإقامة دولة يهودية على كل أراضي البلاد، هو كل ما أملت به الصهيونية منذ مقال “الجدار الحديدي” لجابوتنسكي. ولكن من المشكوك فيه أن تجد اليوم إسرائيليين كثيرين يفرحون بهذا التسليم، ذلك أن معناه الفعلي – كما كان مفهوماً ضمناً لجابوتنسكي ومقبولاً عنده – هو التجنس العربي الفلسطيني في الدولة اليهودية.

الإسرائيليون الذين يطاردهم كابوس “الدولة ثنائية القومية” على قناعة بأن الفلسطينيين يأملون من أعماق قلوبهم الحصول على الجنسية الإسرائيلية؛ سواء من أجل التمتع بدفعات التأمين الوطني أو بهدف أن يشوهوا للشعب اليهودي حقهم في تقرير المصير بوسائل ديمغرافية. ولكنها أفكار هراء، أصلها بالتعالي على الآخر وشيطنته. لأنه لا يوجد شعب يحلم في العيش في دولة عرقية – وطنية وعنصرية، استهدفت أن تخدم احتياجات الشعب الآخر بصورة حصرية. وهذا ما ينتظر الفلسطينيين إذا تجنسوا في في دولة قانون القومية اليهودية.

ولكن بالنسبة لوضعهم الحالي، حيث هم محبوسون في بنتوستانات الضفة وفي غيتو قطاع غزة المكتظ والخانق، فمن الواضح أن الفلسطينيين يفضلون أن يكونوا مواطنين من الصنف “ج” في دولة ذات سيادة. وبالعكس، إذا أخرجوا من أنفسهم حركة مدنية هدفها التجنس في الدولة الممتدة على طول وعرض وطنهم وتحقق هذا الهدف، فيمكنهم -بفضل الجنسية الإسرائيلية التي ستمنحهم الحق في انتخابات ديمقراطية- الإسهام في هز الهيمنة العرقية المركزية اليهودية في الدولة وإعادة تأسيس إسرائيل كديمقراطية منظمة متعددة القوميات.       

سيضم هذا النظام في شكله حق تحقيق المصير للشعب اليهودي الإسرائيلي وحق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني الإسرائيلي، وبهذا يتحقق الهدف المأمول للمساواة بين الشعبين في البلاد.

هذه الحركة إذا قامت، يتوقع أن تصطدم بعدة عقبات. حماس ستعتبرها خضوعاً مخجلاً للمحتل الصهيوني، ورؤساء السلطة الفلسطينية سيتنصلون منها بشدة – بعضهم بسبب عدم الرغبة في التنازل عن مظاهر الاحترام والتقدير لزعماء الدولة العتيدة، والبعض الآخر بسبب الشعور بالمسؤولية والخوف من أن ينزل حل السلطة كارثة على الشعب الفلسطيني وكل المنطقة. من المفهوم أيضاً أن معظم الإسرائيليين سيعارضون فكرة تجنيس الفلسطينيين في الدولة اليهودية؛ لأسباب عنصرية ديمغرافية.

من الناحية الأخرى، من الواضح أنه ليس العنصريين في اليمين واليسار وحدهم من سيتحفظون من حركة التجنس الفلسطينية في إسرائيل، بل هناك الكثير في أوساط المؤيدين للمساواة والسلام الحقيقي، من الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، ومن الواضح أن الحل العادل والمنطقي للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني هو تقسيم البلاد إلى دولتين قوميتين قابلتين للحياة. وعندما سيتضح نهائياً أن هذا الحل قد يبقى في طور الحلم، فإن الخيار الوحيد أمام مؤيدي السلام والمساواة في الطرفين، سيكون ترك الحلم العادل والمنطق لصالح الحلم الأقل شراً.

هل سيكون الحصول على الجنسية الإسرائيلية للفلسطينيين في دولة أرض إسرائيل الكاملة مهمة أكثر واقعية من الحصول على الموافقة الإسرائيلية للعودة إلى حدود 1967 والتمكين من إقامة دولة فلسطينية على أقل من ربع أرض إسرائيل الانتدابية؟ لا يمكن الإجابة على ذلك قبل الدفع بالفكرة قدماً وبصورة فعلية. يمكن البدء في تطبيقها في شرقي القدس، حيث يحق للفلسطينيين المقدسيين تقديم طلب للحصول على الجنسية، حتى لو كان عدد قليل منهم فعلوا ذلك منذ 1967، وعدد قليل جداً من الطلبات تم قبولها. وفي موازاة ذلك، من خلال استعداد أجيال من الصراع، يمكن البدء في احتجاج دولي غير عنيف لإلغاء الأبرتهايد الكولونيالي في المناطق المحتلة. وإذا أثمر هذا الاحتجاج فإنه وبنظرة إلى الوراء سيكون بالإمكان أن نقرر بأن نتنياهو وترامب أسسا إسرائيل ثنائية القومية من مسطحات البيت الأبيض.