تحت عنوان “لبنان وإسرائيل يقبلان التفاوض على حدودهما البحرية”، توقف موقع ‘‘ميديا بارت’’ الاستقصائي الفرنسي عند موضوع مباشرة وفدين من لبنان وإسرائيل التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين اللذين يعتبران في حالة حرب من الناحية الفنية، حيث عقدت يوم الأربعاء الماضي جولة أولى من هذه المفاوضات غير المسبوقة التي ترعاها الأمم المتحدة وتشارك فيها الولايات المتحدة كوسيط. وهذه هي المرة الأولى منذ أربعين عاما التي يلتقي فيها وفدان حكوميان من لبنان وإسرائيل ويجلسان على طاولة مفاوضات واحدة.
وأوضح الموقع الفرنسي أن المفاوضات الحالية لا تتعلق بالتوصل لمعاهدة سلام بين الجارين اللذين لا تربطهما علاقات دبلوماسية، بل تتعلق بالبحث عن توافق حول ترسيم الحدود البرية والبحرية في المنطقة الاقتصادية التي تمتد من البحر الأبيض المتوسط شمال إسرائيل حتى جنوب لبنان، حيث يبحث الطرفان عن تسوية للنزاع بينهما على المثلث الذي يبلغ 860 كيلومترا مربعا في عرض الميناء الذي يشتهر بوجود مخزون هائل من الغاز وتتنازع لبنان وإسرائيل السيطرة عليه.
وقال ‘‘ميديا بارت’’ إن بدء هذه المفاوضات والتي تقرر استئناف جولتها الثانية يوم الــ28 من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، يعد نجاحا دبلوماسيا لواشنطن في انتظار نتائج المفاوضات، معتبرة أن هذا النجاح الأمريكي يعني فشل المبادرة الفرنسية في لبنان. وتذكر الصحيفة بأنه قبل 12 عاما فشل المفاوضون الأمريكيون المكلفون من طرف الأمم المتحدة في تسوية النزاع على المنطقة المذكورة. ومنذ 2011 تعاقب أربعة مبعوثين أمريكيين على المهمة الصعبة. ورغم أن آخر المبعوثين دافيد شينكر الذي عين في يونيو/حزيران عام 2019 مستشارا مكلفا بالشرق الأوسط، استطاع جمع الطرفين على طاولة التفاوض، إلا أن ذلك لا يعود لخبرته الكبيرة في قضايا المنطقة وإتقانه اللغة العربية التي درسها في الجامعة الأمريكية في القاهرة، بقدر ما يعود للظروف الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية الملائمة.
ويشير الموقع الفرنسي إلى أن الأزمات السياسية والاجتماعية التي يمر بها لبنان حيث بات نصف سكانه يصنف تحت خط الفقر وتجاوزت نسبة البطالة 30% وفقدت العملة المحلية نسبة 80% من قيمتها، دفعت هذا البلد إلى قبول ما كان يستحيل قبوله وهو التفاوض مع ‘‘العدو الإسرائيلي’’. وتضيف الصحيفة أن حادثة انفجار مرفأ بيروت في يوم الرابع من أغسطس/آب الماضي ساهمت في دفع السلطة نحو هذا المنعطف. ويرى الموقع أن النظام اللبناني الذي ينخره الفساد والرشوة والنزاعات الطائفية، يحاول تعويض عدم ثقة الشارع اللبناني بالبحث عن معجزة الحصول على المنطقة الغنية بالغاز الطبيعي من أجل ملء خزائن الدولة الفارغة واستعادة المصداقية والشرعية. وفي عام 2018، وقعت بيروت مع تجمع شركات دولية بقيادة شركة توتال الفرنسية ومشاركة شركتي إيني الإيطالية ونوفاتيك الروسية، عقدا للتنقيب في عدة مقاطع يحتمل فيها وجود مخزون من النفط والغاز. وبالفعل بدأ التنقيب في المقطع رقم 4 في فبراير 2010 فيما يتوقع أن تبدأ الأشغال في المقطعين 8 و9 في عرض السواحل اللبنانية بعد التوصل لاتفاق مع إسرائيل.
غير أن ‘‘ميديا بارت’’ اعتبر أن هناك عاملا آخر جعل التفاوض بين لبنان و‘‘العدو الصهيوني’’ ممكنا تحت مظلة الأمم المتحدة وبوساطة أمريكية وفي منطقة الناقورة القريبة من الحدود مع إسرائيل حيث مقر القوة الأممية لحفظ السلام في لبنان منذ نشرها عام 1978 بعد انتهاء عملية الليطاني الإسرائيلية (حرب جنوب لبنان). هذا العامل هو موافقة حزب الله اللبناني التي جاءت بموجب ضوء أخضر إيراني. فالجمهورية الإسلامية الإيرانية ‘‘تتحكم – بحسب الموقع – كما هو معروف في السياسة اللبنانية عبر تشكيلين يمثلان الشيعة وهما حاضران بقوة في الحكومة والنظام: حركة أمل بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري البالغ من العمر 82 سنة والذي يرأس المجلس منذ زهاء 30 سنة، وحزب الله ذو الذراع العسكري المسلح والذي يسيطر عسكريا على جنوب لبنان حيث تقع الحدود مع إسرائيل وحيث يخيم التوتر منذ حرب 2006.
ويقول ‘‘ميديا بارات’’ إن الأحداث في المنطقة دفعت إيران إلى اعتماد سياسة براغماتية في العلاقات بين لبنان وإسرائيل دون أن تعترف بذلك بشكل علني وهو ما جعل حزب الله يخفف موقفه الإيديولوجي ويوافق على التفاوض من طرف الحكومة اللبنانية للحصول على حقول الغاز التي سيطالب مثل باقي الفصائل اللبنانية بحصته منها للحد من تبعيته المالية لطهران. وبالتالي فليس صدفة أن يكون الاتفاق الذي يسمح بالتفاوض مع إسرائيل تمت مناقشته والإعلان عنه من طرف نبيه بري رئيس مجلس النواب فاتح أكتوبر الجاري. وبحسب القادة الشيعة فإن ‘‘شروط لبنان للتفاوض قد تم قبولها وسيتم التفاوض لترسيم الحدود البرية بالتوازي مع الحدود البحرية’’.
يذكر ‘‘ميديا بارت’’ بأن الحدود البرية المتنازع عليها تتكون من العديد من النقاط التي تمتاز بالحساسية المفرطة مثل مزارع شبعا شمال هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل وتعتبرها الأمم المتحدة أراضي سورية يطالب لبنان بضمها. فبحسب المبعوث الأمريكي دافيد شينكر فإن قضية الحدود البرية منفصلة عن ترسيم الحدود المائية ويجب التفاوض عليها بين لبنان وإسرائيل والقوة الأممية لحفظ السلام في لبنان.
ويشير ‘‘ميديا بارت’’ إلى أن هناك نقطة أخرى تبدو شكلية لكنها حساسة ولا يبدو أن الاتفاق الإطار للتفاوض قد حسمها، وهي إعلان الوفد الإسرائيلي بقيادة وزير الطاقة يوفال ستينيتز استعداده للتفاوض وجها لوجه مع المفاوضين اللبنانيين. بالمقابل تصر البعثة اللبنانية التي تضم عسكريين على أنها لن تجلس مباشرة مع الإسرائيليين وأنها ستخاطب فقط الوسيط الأمريكي.