قال جنرال إسرائيلي؛ إنه "في كثير من الأحيان عانت تل أبيب بشكل كبير من عواقب صفقات تبادل الأسرى، لأن ثمن مبادلة الأسرى الفلسطينيين والعرب بجثث الجنود الإسرائيليين أمر لا يُحتمل".
وأضاف الجنرال رونين إيتسيك في مقال نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم"، أن "السؤال الذي يجب طرحه هو ما إذا كنا قد تخلينا عن أسرانا، أو هل نخشى القيام بما يلزم لإعادتهم؟"، لافتا إلى أننا "نصادف الذكرى الـ34 لسقوط الطيار الإسرائيلي رون أراد في الأسر على يد منظمة أمل اللبنانية".
وأكد إيتسيك أنه "حتى اليوم لم تتمكن إسرائيل من إعادته، والشعور بالفشل يكمن في كل الإسرائيليين حتى يومنا هذا، فمنذ تلك الحادثة، وبعد بذل جهود عملياتية هائلة، شهد المجتمع الإسرائيلي عددا من حوادث اختطاف الجنود".
وأوضح إيتسيك، القائد السابق للواء المدرعات، والباحث في العلاقات العسكرية، ومؤلف كتاب "الرجل في الدبابة"، أن "هذه العمليات بدأت من نحشون فاكسمان في القدس، مرورا بمختطفي هار دوف في لبنان، وشاليط في غزة، وريغيف وغولدفاسر في لبنان، وصولا إلى احتجاز حماس في غزة أسرى وجثث الجنديين شاؤول وغولدين، كل ذلك يؤكد أننا لسنا في عجلة من أمرنا لإبرام صفقات تبادل الأسرى".
وأكد أن "النقاش حول صفقات تبادل الأسرى يعيدنا على الفور إلى حدثين دراماتيكيين في الروح الإسرائيلية: الأول عملية عنتيبي في السبعينيات، والثاني صفقة الجبهة الشعبية- القيادة العامة في منتصف الثمانينيات، وفي كلتا الحالتين، كان الزعيم في عملية صنع القرار رئيس الوزراء الراحل إسحاق رابين".
وشرح أن "اختطاف طائرة الخطوط الفرنسية إلى عنتيبي، وعلى متنها 248 راكبا، قوبل بعملية عسكرية إسرائيلية جريئة وخطيرة، تمت العملية بنجاح، بالإفراج عن الرهائن، واكتسب الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت شهرة عالمية، وكانت الرسالة أننا "لن نستسلم للإرهاب"، من خلال "الذراع الطويلة" للجيش الإسرائيلي، الأمر الذي حقق نتيجة مدوية بالتأكيد".
واستدرك بالقول بأن "صفقة الجبهة الشعبية 1985، التي أطلق فيها سراح 3 إسرائيليين مقابل 1150 فلسطينيا وعربيا، تُذكر كاستسلام كامل ومهين من إسرائيل للفلسطينيين، ومنذ تلك الصفقة، درست المنظمات الفلسطينية والعربية ضعفنا، على أساس أن دماء الجنود مقدسة في المجتمع الإسرائيلي، وستدفع إسرائيل أي ثمن مقابل عودة أسراها".
وأشار إلى أن "رابين ذاته حاول تغيير هذه المعادلة عام 1994، عندما كان رئيسا للوزراء، في عملية لإطلاق سراح فاكسمان، جندي غولاني الذي اختطفته حماس، لكن العملية المثيرة للجدل فشلت، فقد قتل الجندي مع قائد دورية الأركان العامة الذي قاد القوة لإطلاق سراحه".
وأكد أن "الحدث التالي تمثل باختطاف بيني أفراهام وعدي أفيتان وعمر سواعد على الحدود اللبنانية في أكتوبر (تشرين الأول) 2000 مع بدء الانتفاضة الثانية، وجاء رد الفعل الإسرائيلي زمن رئيس الوزراء آنذاك إيهود باراك، محليا، ولم يؤد لعودة الأسرى، وبعد أربع سنوات أعادهم رئيس الوزراء أريئيل شارون بتكلفة إطلاق سراح 400 أسير فلسطيني وعربي من السجون الإسرائيلية، وجاءت الصفقة مثيرة للجدل بسبب العدد الكبير مقابل جثث الجنود".
وأوضح أن "الصفقة اللاحقة تمثلت بأسرى حرب لبنان الثانية 2006، إيهود غولدفاسر وإلداد ريغيف، مقابل دبلوماسيين إيرانيين وخمسة أسرى لبنانيين، بينهم سمير القنطار، و 200 جثة أخرى لمقاتلي حزب الله، تمت الصفقة في 2008، بعد عامين من الاختطاف، وقد قوبلت برد عدواني من إسرائيل تمثل بالذهاب للحرب، التي دفعت زعيم حزب الله للإعلان أنه لم يكن لينفذ ذلك الاختطاف لو علم بحجم الرد الإسرائيلي".
وشرح أن "الصفقة التالية كانت غلعاد شاليط الذي اختطفته حماس في 2006، وأطلق سراحه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعد 5 سنوات في 2011، مقابل ألف أسير فلسطيني، وهذه آخر صفقة أبرمتها إسرائيل مع المنظمات الفلسطينية والعربية، ولا تزال أصداء نتائجها تتردد حتى اليوم، ويرجع ذلك إلى حد كبير للفهم الإسرائيلي بأن معظم الأسرى عادوا لطريق العمل المسلح، وواصلت إسرائيل دفع ثمن دموي لهذه الصفقات".
وزعم أن "صفقات التبادل الإسرائيلية مع الفلسطينيين والعرب تؤدي لتضارب واضح في المعايير، فرغبة إسرائيل بإرسال رسالة لكل عائلة وجندي مفادها أن الدولة ستفعل كل شيء لإعادتهم، تتناقض أمام رفض الاستسلام للخاطفين، وتستغل المنظمات الفلسطينية هذا الضعف الإسرائيلي بسخرية، واليوم نحن في مفاوضات جارية بشأن جثتي شاؤول وغولدين في غزة، حين وقعا في أسر حماس خلال حرب غزة الجرف الصامد 2014".
وأكد أن "المدة التي انقضت منذ أسر الجنود الإسرائيليين، أكثر من ست سنوات، تعتبر الأطول التي رفضتها إسرائيل خلالها الاستسلام لمتطلبات التنظيمات المسلحة، لكن الوقت الذي ينقضي بين عمليات الاختطاف وإبرام الصفقات آخذ في الازدياد، وكذلك طبيعة الصفقات نفسها، وفي الواقع يمكن الاعتراف بأنه من خلال المفاوضات حول الأسرى، انتقلت إسرائيل للمفاوضات حول جثث جنودها، بل على أجزاء الجثث".
وأوضح أن "هناك فرقا كبيرا بين قصة شاؤول وغولدين والجنود الآخرين، فقصتهما تقريبا ليست على جدول الأعمال الإسرائيلي، كما أن حملة عائلة شاليط مقارنة بما تفعله عائلتي شاؤول وغولدن مختلفة تماما، فالحالة الثانية بالكاد تحصل على نفس القدر من التغطية الإعلامية مقارنة بشاليط".
وأشار إلى أن "صفقة شاليط لم تحظ بالإجماع الإسرائيلي، فقد اتسم النقد الإسرائيلي الموجه لها بالحدية الكبيرة، خاصة حين تم الإعلان عن عودة المفرج عنهم إلى النشاط المسلح، وأعطى للجمهور الإسرائيلي فهما واضحا أن الثمن الذي ندفعه في هذه الصفقات، يتضاعف ويتضاعف، ولعل ذلك السبب في تآكل الضعف الإسرائيلي أمام حوادث اختطاف الجنود، مما قد يعني أن ورقة مهمة جدا بيد التنظيمات المسلحة، ربما سقطت".
وزعم أن "الدرس المستخلص من صفقات التبادل السابقة بات واضحا، ومفاده أنه رغم الألم المزعج الناجم عن وجود الجنود الإسرائيليين في أسر العدو، فإن تكلفة استعادتهم المتمثلة بإعادة مئات وآلاف الأسرى الفلسطينيين لا تطاق، وهذا الفهم مرده إلى الإدراك الاستراتيجي لصانعي القرار الإسرائيلي، والروح السائدة في المجتمع الإسرائيلي".
وختم بالقول بأنه "يمكن ملاحظة الفرق الكبير بين رد إسرائيل الساحق في 1976 على عملية عنتيبي، على بعد آلاف الأميال، وعدم القدرة على إعادة أسراها من حماس في غزة اليوم، على بعد مئات الأمتار غرب الحدود، والسؤال الذي يجب طرحه؛ ما إذا تخلت إسرائيل عن أسراها لدى أعدائها، أم إنها خائفة من القيام بما يلزم لاستعادتهم؟".