لا يزال وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، ينتظر ردا أميركيا على ما يسمى "ملف التعويضات"، أي قائمة الأسلحة التي طلبها من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، خلال زيارته إلى واشنطن، نهاية أيلول/سبتمبر الفائت، مقابل صفقة بيع طائرات F35 إلى الإمارات، في إطار اتفاق التحالف وتطبيع العلاقات بين الأخيرة وإسرائيل.
وأوضح المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، في تقرير نشره اليوم، الجمعة، أن مصطلح "ملف التعويضات" وُلد منذ سنوات في وزارة الأمن الإسرائيلية. وهذا الملف عبارة عن قائمة بأسلحة وتكنولوجيا عسكرية أميركية لا يمكن لإسرائيل الحصول عليها بشكل عادي، وذلك بسبب قيود ميزانية الأمن، وبالأساس بسبب السرية الأمنية المرتفعة جدا التي يفرضها الأميركيون على هذه الأسلحة.
وتتكرر المطالب الإسرائيلية في إطار هذا الملف، وهدفها الحفاظ على التفوق التكنولوجي العسكري في الشرق الأوسط، لكن أنواع الأسلحة تتغير، مع تقدم الزمن والتطوير. وفي هذا الإطار، وافقت الولايات المتحدة في الماضي على طلب إسرائيلي طالبت بتمويل مخازن طوارئ بالذخيرة وقطع غيار وعتاد عسكري.
ويتطرق أحد بنود "ملف التعويضات" إلى خفض قدرات الأسلحة التي تباع إلى الدول العربية. لكن اهتمام القيادة الإسرائيلية منصب دائما على "التكنولوجيا الغريبة"، التي لا يبيعها الأميركيون إلى أي دولة، أو "يخفونها عنا"، وفقا لفيشمان. ففي العام 2008، وعلى خلفية احتمال شن إسرائيل هجوما ضد إيران، تم نصب رادار أميركي بالغ التطور، يطلق عليه تسمية "رادار إكس"، في النقب. ويشغل هذا الرادار محترفون أميركيون، وهو يوصل إسرائيل بنظام الإنذار العالمي ويسمح بإنذار من إطلاق صواريخ بالستية إيرانية وتحديد دقيق لمكان سقوطها. وقد تطور هذا الرادار منذئذ، وربما إسرائيل مهتمة به الآن.
ولفت فيشمان أن الفرصة الأفضل بالنسبة لإسرائيل لمطالبة الإدارة الأميركية بأسلحة بالغة التطور كهذه هو عندما تُبرم صفقة أسلحة كبيرة بين الولايات المتحدة ودولة عربية. وفي هذه الحالة يُستل "ملف التعويضات"، مثلما حدث مؤخرا في أعقاب موافقة إدارة الرئيس دونالد ترامب على بيع طائرات F35 للإمارات.
تقرير فيشمان، اليوم، هدفه إظهار وجود انتقادات داخل الجيش الإسرائيلي تجاه القيادة العليا للجيش، وبالأساس ضد حكومة نتنياهو في ظل الأزمة السياسية الإسرائيلية المتواصلة في السنوات الأخيرة. وأشار إلى أن الخبراء الأميركيين الذين اطلعوا على "ملف التعويضات" الذي قدمه غانتس، لم يفهموا سبب تأخر إسرائيل لفترة طويلة في تقديم هذا الملف.
وأضاف أنه يتضح الآن أنه قبل أربعة أو خمسة أشهر من توقيع الاتفاق مع الإمارات، أجرى مسؤولون في مجلس الأمن القومي، التابع لمكتب نتنياهو، محادثات مع خبراء حول رأيهم في إمكانية حصول الإمارات على الطائرات المقاتلة الأميركية الأكثر تطورا في العالم. "وبشكل ما، التفت هذه المحادثات على وزارة الأمن، بحيث أن غانتس و’ملف التعويضات’ الذي في جعبته وصلا متأخرين إلى واشنطن، وفيما صفقة طائرات الشبح قد أثمرت".
"نشتري قطع غيار في ايباي"
وقعت إسرائيل والولايات المتحدة على ثلاث اتفاقيات MOU، أي المساعدات الخارجية الأمنية لإسرائيل لمدة عشر سنوات، في الأعوام 1999 و2008 و2016.
وحسب فيشمان، ويبدو أنه ينقل انتقادات من داخل جهاز الأمن الإسرائيلي، فإنه "كان بإمكان جهاز الأمن والجيش الإسرائيلي منذ ذلك الحين (لدى توقيع اتفاقية الماعدات الأمنية الأخيرة) البدء في بناء ملف الطلبات الإسرائيلية من ميزانية المساعدات الأميركية". إذ يستغرق الحصول على الأسلحة والعتاد وقتا طويلا، يمتد لسنوات في بعض الحالات.
وفي العام 2018، صادق الكونغرس على زيادة حجم المساعدات الأمنية لإسرائيل، من 30 إلى 38 مليار دولار لعشر سنوات. وكتب فيشمان أنه "حتى لو أن حكومة إسرائيل لم تصادق بعد على الصفقات، إلا أنه كان بالإمكان إجراء مفاوضات مع الأميركيين حول تفاصيل إلى حين الوصول إلى مرحلة مسودات العقود، بحيث أنه عندما تصادق الحكومة، يكون بالإمكان التقدم بسرعة. وهذا لم يحدث".
وتابع فيشمان أنه "لا يوجد ولو عقد واحد بين إسرائيل والولايات المتحدة حول شراء طائرات مقاتلة في السنوات العشر المقبلة. بل أنه لا توجد لدي أي أحد في وزارة الأمن القدرة على القول بشكل مؤكد متى سيُوقع أو عقد لشراء طائرات، ويسمح للصناعات الأميركية البدء في العمل، ومتى ستصل الطائرات المقاتلة إلى إسرائيل، وبينها طائرات تزويد وقود ومروحيات ناقلة جند جديدة، يحتاج سلاح الجو إليها بشكل ملح".
وأشار فيشمان إلى تقرير صادر عن نراقب الدولة، العام الماضي، الذي جاء فيه أنه "يتطور ثقب أسود في قدرات إسرائيل، سواء في المستوى الإستراتيجي أو في تطبيق الخطط العسكرية أثناء الحرب". وحسب المعطيات، فإن سلاح الجو الإسرائيلي حصل على 102 طائرة من طراز F16، في الأعوام 2000 – 2010، ومنذ العام 2010 حصل على 24 طائرة من طراز F35. وفي المقابل، تم إخراج أربعة أسراب طائرات من طراز F16 من الجيل القديم وسربين من طائرات F16 من الجيل الثاني، أي 150 طائرة.
وتابع فيشمان أنه يوجد نقص في سلاح الجو بطائرات تزويد الوقود، "الضرورية لشن غارات في الحلقة الثالثة"، أي في دول بعيدة نسبيا مثل إيران. وقال قائد سلاح الجو الإسرائيلي، عميكام نوركين، في آب/أغسطس العام الماضي، إنه "إذا أراد الجيش الإسرائيلي أن تكون لديه ذراعا طويلة، فلا يمكن تنفيذ ذلك من دون تزويد وقود. ونحن نحلق مع طائرات تزويد وقود من نهاية الستينيات. ونشتري قطع غيار لطائراتنا في ايباي. وأنا لا أمزح. هذا هو الوضع. لا يوجد أحد يريد صيانتها" لأنه توقف صنع طائرات تزويد وقود كهذه.
ويقول الجيش الإسرائيلي أنه يوجد نقص في المروحيات الضخمة التي تنقل قوات، لأن مروحيات كهذه التي بحوزته أصبحت قديمة، وتحطمت إحداها مؤخرا بسبب خلل. ونقل فيشمان عن مسؤولين رفيعي المستوى في جهاز الأمن قولهم إن قرارا نهائيا بهذا الخصوص لم يُتخذ حتى الآن، وأن "القرار كان يمكن أن يُتخذ في حزيران/يونيو الماضي".
واعتبر فيشمان أن "هذا (الإخفاق) يبدأ من مسؤولية المستوى السياسي. ففي السنتين الأخيرتين تولى أربعة وزراء منصب وزير الأمن. في نهاية ولاية أفيغدور ليبرمان، عام 2018، أطلعه الجيش على قائمة المشتريات وتعين عليه أن يوقع على التوصيات ودفعها نحو قرار حكومي. وقد استقال ولم يتمكن من ذلك. بعده جاء نتنياهو الذي كان مطلعا على الخطط وحتى أن تحدث حولها عدة مرات مع صديقه ترامب، الذي يفترض أنه كان بإمكانه حل الورطة المالية التي علقت بها إسرائيل. بعد ذلك جاء نفتالي بينيت، الذي اطلع على خطط الجيش، لكن حينها بدأ انتشار كورونا. والآن يعمل غانتس على ذلك، فيما المحرك عمليا هو مدير عام وزارة الأمن، أمير إيشل، المطلع على الموضوع عن كثب كقائد سابق لسلاح الجو".
وفي أعقاب ضغوط مارسها غانتس وإيشل، وفقا لفيشمان، قررت الحكومة الأسبوع الحالي تشكيل لجنة وزارية لشؤون التسلح. لكن مشكلة إسرائيل، كما يصفها فيشمان، معقدة أكثر.
فميزانية المساعدات الأمنية الأميركية لإسرائيل مرهونة حتى العام 2024 – 2025، وذلك لأنه "تم تمويل صفقة شراء طائرات F35 الثانية بواسطة قرض على حساب خطة المساعدات الأميركية للعقد المقبل. وتدفع إسرائيل فائدة بمبلغ مليار شيكل على هذا القرض. ولذلك، لم تصادق رئيسة الشعبة المالية في وزارة الأمن والمستشار المالية لرئيس أركان الجيش، العميد أرئيلا كنول لازروفيتش، على أن يجري الجيش مفاوضات مع البنتاغون حول شراء أسلحة طالما لا يتم إيضاح مصدر تمويل الصفقة". كما أن الأزمة السياسية وعدم المصادقة على ميزانية لا تساعد على حل هذه الإشكالية.