ولدت ليلى موران لأب بريطاني شغل مناصب دبلوماسية مرموقة في أروقة الاتحاد الأوروبي وأم فلسطينية من القدس، وجدّها الأكبر هو الشاعر والمؤرخ الفلسطيني واصف جوهرية، صاحب مؤلف "المذكرات الجوهرية" وهي من الوثائق المهمة التي حافظت على الذاكرة الشعبية الفلسطينية.
تشكلت شخصية ليلى داخل هذه الأسرة المثقفة والمنخرطة في السياسة بحكم عمل الوالد، فانتقلت رفقتها بين بلجيكا واليونان والأردن وإثيوبيا وجمايكا، لتحمل معها -وهي في عقدها الثاني- زادا معرفيا يعينها على فهم العالم وتشعبات العلاقات فيه، وساعدها على الاهتمام أكثر بجذورها الفلسطينية، "خصوصا أن السياسة كانت دائما على الطاولة في البيت وهذا ما أهلني للانخراط لاحقا في العمل السياسي"
محطات كثيرة مرت منها الشابة البريطانية، فتنقلت بين دول كثيرة بسبب عمل والدها دبلوماسيا أوروبيا، ومع ذلك لم تفقد البوصلة وظلت دائما تعرّف نفسها بأنها فلسطينية بريطانية، وتفخر بذلك. لكن هذا الشعور بالانتماء ظل لسنوات وجدانيا، بحكم حرص والدة ليلى على اشتباك ابنتها مع كل ما هو فلسطيني، قبل أن تتحول فلسطين إلى قضية تحملها ليلى وتدافع عنها في البرلمان الأعرق في العالم.
ولم يكن لحفيدة شخصية أحبت التأريخ حد الهوس -مثل واصف جوهرية- ألا تهتم بتاريخ القدس تحديدا، وقد وجدت في كلمات جدها ضالتها، وما رسخ في ذهنها عن القدس هو ما يصفه جدها عن هذه المدينة بأنها "مدينة كان يعيش فيها المسيحيون واليهود والمسلمون بكل احترام ويجتمعون دون أي مشكل"، تقول ليلى إن هذا الوصف غرس فيها حب قيم التعددية والتسامح.
بل تحولت القدس المشتهاة التي يعيش فيها معتنقو كل الديانات باحترام وسلام إلى رؤية، عبرها تنظر ليلى إلى العالم حتى قبل انخراطها في السياسة، وكانت تردد دائما أنها تريد رؤية عالم يسود فيه الاحترام والاختلاف.
رغم تنقلاتها الكثيرة، فإن ليلى ظلت محافظة على تفوقها الدراسي، وظهر حبها للعلوم والرياضيات باكرا، وهو ما قادها في النهاية لدراسة الفيزياء في جامعة "إمبريال" العريقة بلندن، قبل أن تحصل على شهادة للتدريس في المدارس العليا.
وفي عام 2003، دخلت ليلى باب التدريس لمادتيها المفضلتين وهما الرياضيات والفيزياء، أولا في المدرسة الدولية في بروكسل، ثم في مدرستين ببريطانيا، ثم انتقلت عام 2009 مساعدة في جامعة أكسفورد حيث كانت تقدم الدعم للطلبة القادمين من الخارج، وفي عام 2013 أصبحت مديرة هذا المشروع التابع لجامعة أكسفورد.
الاهتمام بالمواد العلمية والتفوق الدراسي والأكاديمي جعل ليلى ترفع منذ بداية انخراطها في العمل السياسي شعار "التعليم ثم التعليم ثم التعليم"، مؤمنة بأنه لا مستقبل من دون علم وتعليم، مع ضرورة توفير مدرسة بجودة عالية للجميع وعلى قدم المساواة.
فلسطينية في البرلمان:
لم يكن حصول ليلى على تذكرة مقعد في البرلمان بالسهل ولا الهين، بل شهد تعرجات ولحظات إخفاق أحيانا، وكانت أول محاولة لها هي دخول غمار الانتخابات عام 2010 ممثلة للحزب الديمقراطي الليبرالي البريطاني، إذ حلت حينها في المركز الثالث، وقد حاولت أيضا الدخول لمجلس تسيير مدينة لندن لكنها حلت في المركز الرابع.
واضطرت ليلى للانتظار 5 سنوات لدخول غمار الانتخابات العامة عن منطقة أكسفورد عام 2015، لكنها حلت في المركز الثاني، قبل أن تحقق هدفها عام 2017 وتنجح في الانتخابات العامة، بعد أن حققت مفاجأة حينها وأسقطت وزير الصحة البريطاني نيكولا بلاك وود، وحينها أصبحت ليلى أول بريطانية من أصول فلسطينية تصل للبرلمان البريطاني.
ولن يتطلب الأمر وقتا طويلا حتى تجذب ليلى الأنظار داخل البرلمان، بعد أن منحها الحزب مهمة الحديث باسمه في مجال التعليم والتربية والعلوم، وهو المجال الذي خبرته جيدا وكانت مداخلاتها فيه دائما محرجة للحكومة البريطانية، خصوصا فيما يتعلق بعدم التكافؤ في تمويل المدارس.
ولم يكن لحدث دخول شابة بريطانية فلسطينية البرلمان أن يمر مرور الكرام، بل استرعى اهتماما إعلاميا واسعا، خصوصا بعد أن ظهرت ليلى في أكثر من مرة وهي ترتدي الكوفية الفلسطينية خلال جلسات مجلس العموم البريطاني، وهي تعلم رمزية هذه الخطوة ودلالة الكوفية على الفلسطينيين.
نجاح ليلى في شق مسارها السياسي وإقناعها للناخب البريطاني سيظهر خلال انتخابات 2019 التي كانت صعبة على الجميع، وخصوصا على حزبها الذي مني بخسارة كبيرة، ومع ذلك حافظت ليلى على مقعدها البرلماني بأغلبية كبيرة، ليقرر الحزب منحها مهمة الحديث باسمه في ملفات السياسة الخارجية، وهو المجال الذي تعرفه ليلى جيدا، فهي ابنه دبلوماسي بريطاني اشتغل في الملفات الخارجية لعقود.
حلم دولة فلسطين:
انتقلت فلسطين من ذاكرة وارتباط أسري ووجداني إلى ملف سياسي حارق تحمله ليلى معها في البرلمان البريطاني، وكانت أول خطوة أقدمت عليها هي التقدم بمشروع الاعتراف بدولة فلسطين، ورغم مماطلة الأغلبية المحافظة في البرلمان في التصويت على القانون فإن ليلى لم تفقد الأمل، بل على العكس زاد إصرارها على مطلبها، وبلغة غاضبة خاطبت رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بأنه "من العار" ألا يعترف بفلسطين، ووصفت ما يسمى بصفقة القرن بأنها كارثة وفوضى.
تعلم ليلى أنها تسير في حقل ألغام، مع تزايد المضايقات على كل من يدافع عن فلسطين في بريطانيا، خصوصا لو كان له منصب مثل منصبها، ومع ذلك فهي تؤكد أنها لن تتراجع عن الحديث عن فلسطين، معبرة عن انزعاجها من الخلط المتعمد بين انتقاد إسرائيل وبين معاداة السامية.
تقول ليلى "ما زال لدي أفراد من أسرتي في الضفة الغربية وأنا مؤمنة بحق فلسطين بأن تصبح دولة"، وذلك في مقال مطول نشرته في صحيفة غارديان، وفيه عبّرت عن موقفها من القضية الفلسطينية وأن الدفاع عن العدالة والحرية والمساواة للفلسطينيين لا يمنع أبدا من محاربة معاداة السامية.
وتحمل ليلى على الحكومة البريطانية أنها كانت منذ البداية مسؤولة عما يحدث الآن في فلسطين بسبب وعد بلفور، وعليها أن تتحمل مسؤوليتها الآن وتعترف بدولة فلسطين.