عشرون عاما على الانتفاضة الثانية… الإسرائيليون مختلفون هل كانت عفوية أم مخطّطة؟

الجمعة 09 أكتوبر 2020 04:40 م / بتوقيت القدس +2GMT
عشرون عاما على الانتفاضة الثانية… الإسرائيليون مختلفون هل كانت عفوية أم مخطّطة؟



القدس المحتلة /سما/

ربما يستكمل الفلسطينيون عملية مراجعة الانتفاضة الثانية لاعتبارها حدثا هاما ضمن مسلسل الصراع بينهم وبين الاحتلال، وفي المقابل يبقى من المهم الاطلاع على مراقبتها ونقدها بعيون إسرائيلية، حيث يستمر محللون إسرائيليون في محاولة قراءة نتائجها وربطها بالواقع الراهن للصراع اليوم.

من هؤلاء المحلل السياسي آرييه شافيط، الذي يقول إن مرور عشرين عاما على اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية يظهر لأي مدى واجهت إسرائيل تهديدا استراتيجيا، لكنها بدلا من مواجهته، والتصدي له، فإن الإسرائيليين انشغلوا بتمزيق أنفسهم إربا إربا، لأن شيئا هائلا وفظيعا حدث فيها.

ضمن مقاله المنشور في صحيفة “مكور ريشون”  يرى أن الأمر حينها لم يقتصر على جولات من المواجهات المسلحة في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، ولا على اشتباك محدود في واحدة من الحدود المتوترة، بل دار الحديث حينها عن عملية هجومية شاملة، وكأن الحرب اندلعت في جميع أنحاء البلاد، إنها الحرب على الأرض من خلال ما باتت تسمى الانتفاضة الثانية.

وخلص شافيط للاستنتاج الذي يراه محللون إسرائيليون كثيرون، يعتبرون أن الفلسطينيين لا يشكلون خطرا اليوم، وأن التهديد الوجودي ليس خارجيا بل داخلي. ويؤكد حاجة الإسرائيليين للشروع في جمع الشظايا وإصلاحها، وإعادة بناء إسرائيل إن استطاعوا ذلك، منبها لخطورة النزاعات الداخلية الراهنة.

التوجه لليمين وابتعاد السلام

كذلك المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل يلخص ملامح الانتفاضة العامة في جملة واحدة، بقوله إن “الاسرائيليين بعد الانتفاضة الثانية التي اندلعت عام 2000 تحركوا يمينا، فيما ابتعد السلام”. ويعتبر هرئيل أن الانتفاضة الثانية أعادت تشكيل الخريطة السياسية في اسرائيل لصالح اليمين، مشيرا إلى أن فترة العمليات الكبيرة تركت نتائج نفسية وسياسية عميقة في أوساط الجمهور الاسرائيلي.

وتابع: “فقد رسخت هذه الفترة رواية إسرائيل المتكررة أنه في كل مرة تنسحب اسرائيل من مناطق بشكل أحادي الجانب أو بشكل متفق عليه، فإن هذه المناطق تصبح منطلقا للعدو لتنفيذ هجمات جديدة”. وبرأيه ساهمت هذه الرواية في فوز نتنياهو وبقائه في الحكم في السنوات العشر الأخيرة، مع تقديمه نفسه للإسرائيليين على أنه هو الذي وفّر لهم أطول فترات الهدوء.

ويكمل هرئيل: “ما زال الخوف وعدم الثقة هو الشعور السائد لدى الإسرائيليين حتى اليوم “. وقد يكون الانفصال عن غزة تاريخيا، وبالرغم من تصاعد قوة “حماس” وسيطرتها على القطاع لاحقا، لكن الانسحاب من القطاع قلّص نقاط الاحتكاك بين اسرائيل والفلسطينيين بشكل كبير، ومن يدّعي من اليمين أنه كان بالإمكان الحفاظ على مستوطنات كتلة “غوش قطيف” آمنة في قلب القطاع، فإنه يتجاهل التطورات في القطاع قبل الانسحاب، كما يقول هرئيل.

هجمات 2001

ويزعم هرئيل أن الفلسطينيين باختيارهم تنفيذ عمليات ضد الجيش والمستوطنين والإسرائيليين داخل الخط الأخضر، خلقوا بشكل استثنائي حالة من شبه الإجماع في إسرائيل من ناحية الإجراءات الصارمة التي يتوجب تنفيذها ضدهم. هذه الحالة إذا أضيف لها تولي محمود عباس الرئاسة الفلسطينية، وهو الشخصية التي ترفض العنف، ومع الصورة السلبية عالميا للهجمات الانتحارية بعد هجمات 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة ولاحقا في مدن أوروبية، أدت إلى تراجع دعم الجمهور الفلسطيني لمثل هذه العمليات.

ورغم أن حركتي “حماس” والجهاد الإسلامي لم تعلنا رسميا تراجعهما عن تنفيذها، لكن هذه العمليات تراجعت بشكل كبير جدا منذ 2006، أما وضع القضية الفلسطينية في العشرين عاما الماضية فيرى هرئيل أنه يراوح مكانه.

ويخلص للقول: “برغم ذلك يبقى هناك اتجاهان، فمقاومة إسرائيل لم تندثر من ناحية، ومن ناحية أخرى إمكانية وجود شركاء مستعدين لتفاهمات هادئة مع إسرائيل في الضفة وغزة قائمة أيضا، رغم أن احتمالات التوصل لاتفاق سلام نهائي منعدمة حاليا”.

وتعتبر زميلته مراسلة الشؤون الفلسطينية في “هآرتس” عميره هاس، أن من أبرز نتائج الانتفاضة الثانية أن “العمليات الاستشهادية خلقت ميزان رعب مع الإسرائيليين، لكنها لم توقف جرافات الإدارة المدنية”.

وتبدو هاس واقعية في تحليلها، وترى بعد 20 عاما أن أبرز أسباب اندلاع الانتفاضة استغلال إسرائيل المفاوضات مع الفلسطينيين للمضي في مشروع المصادرة والاستيطان، وسط نفاق دولي لصالح إسرائيل. وتعتبر أن الانتفاضة الثانية لم تكن شعبية تماما عند مقارنتها بالانتفاضة الأولى، لكنها رسخت فكرة الصمود الشعبي في مواجهة القمع الإسرائيلي الذي استهدف الفلسطينيين.

وعلى مستوى الدعاية، تشير هاس إلى أن إسرائيل نجحت عالميا في تعزيز فكرة أن الحرب تدور “بين جيشين”، في ظل انخراط عناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية في تنفيذ عمليات ضد المستوطنين وقوات الجيش. وتشير إلى أن حركة “حماس” انضمت متأخرة لفعاليات الانتفاضة، لكنها أثبتت فعالية أكبر من حركة “فتح” فيما يتعلق بعدد القتلى الإسرائيليين في الهجمات التي نفذتها.

وعن جدوى العمليات الانتحارية تقول هاس إنها “خلقت ميزان رعب مع الاسرائيليين، لكنها لم توقف استمرار جرافات الإدارة المدنية” في تنفيذ عمليات المصادرة والتوسع الاستيطاني. وتخلص هاس إلى أن الوضع يعتبر انتصارا شبه كامل لإسرائيل، مشيرة إلى استمرار مصادرة الأراضي، وإلى تحول الضفة الغربية شيئا فشيئا إلى قطاع غزة جديد.

فقد السيطرة على النمر فركِبه

يستعرض المحلل إيال ليفي في تقرير مطوّل في صحيفة “معاريف” تسلسل الأحداث من وجهة نظر ثلاثة من القادة الإسرائيليين الذين تولوا مناصب أمنية وعسكرية في فترة الانتفاضة الثانية، وهم شاؤول موفاز وموشيه يعلون وآفي ديختر، ويتناول تباين مواقفهم من أسباب انطلاقة الانتفاضة، وهل كانت عفوية أم مخططا لها.

يشار إلى أن نائب الرئيس الأسبق للمخابرات العامة (الشاباك) يوسي بن آري، قد كشف أن الانتفاضة الثانية لم تنشب بأمر من الرئيس الراحل ياسر عرفات. بن آري الذي ينفي مزاعم المؤسسة الأمنية من هذه الناحية، قال إن عرفات حاول “ركوب النمر” عندما فقد السيطرة عليه.

ويتابع: ” شاركني الرأي ضباط مخابرات آخرون في هذا التقدير وقتها، بخلاف بقية قادة المؤسسة الأمنية. وبكل الأحوال فقد رفعت التقديرات لرئيس الحكومة إيهود باراك ومن بعدده أرئيل شارون لكنهما صمما على اتهام عرفات بالمسؤولية وبالتزامن أطلقا نظرية اللاشريك الفلسطيني”.

انتفاضة رصاص

وحسب تقرير “معاريف” الذي ترجمه مركز ” مدار ” للعربية، يرى شاؤول موفاز الذي كان رئيسا للأركان عندما اندلعت الانتفاضة، ووزيرا للأمن عند انتهائها في عام 2005، أن الانتفاضة كانت حدثا مخططا له. ويشير موفاز إلى أحداث سابقة شكلت مؤشرات بالنسبة لشعبة لاستخبارات العسكرية في الجيش “أمان” إلى إمكانية اندلاع انتفاضة فلسطينية لن تكون مشابهة لانتفاضة الحجارة الأولى عام 1987، بل ستكون انتفاضة “رصاص وعبوات متفجرة”.

وبرأي موفاز فإن أبرز هذه الأحداث هي مواجهات استمرت ثلاثة أيام في ذكرى النكبة عام 2000 (أي قبل اندلاع الانتفاضة بستة شهور). ووقعت فيها اشتباكات مسلحة بمشاركة عناصر من تنظيم “فتح” ومن الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

هذا الحدث ومع فشل المفاوضات في “كامب ديفيد 2000” دفعا قادة الجيش للاستعداد لانتفاضة جديدة. ويتفق موشيه يعلون الذي كان نائبا لموفاز في رئاسة الأركان في تلك الفترة بأن الرئيس ياسر عرفات سعى للانتفاضة لكنه لم يصدر الأمر المباشر لانطلاقها، بل كان هناك تناغم ولغة مشتركة بينه وبين مروان البرغوثي الذي تولى قيادة “التنظيم” لثقة عرفات بأن البرغوثي هو الأقدر على تولى مهمة قيادة الانتفاضة.

وضمن وصف يعلون لتلك الأحداث يقول: “نزل للميدان في مفترقات الضفة الغربية ناشطو التنظيم وأطلقوا علينا النار، عرفنا أن هؤلاء ليسوا عناصر حماس ولا الجهاد الإسلامي، عرفات اختار مروان البرغوثي رئيسا للتنظيم (تنظيم فتح) لأنه كان على قناعة أن مروان سيقوم بالمهمة “.

ويرى يعلون أن اقتحام زعيم المعارضة آنذاك أريئيل شارون المسجد الأقصى ليس سببا لانفجار الانتفاضة، بل كان ذريعة لذلك. زاعما أن ياسر عرفات  كان وقتها يبحث عن الفرصة المناسبة ليشعل النار.

اقتحام شارون للحرم القدسي الشريف

في المقابل، يختلف رئيس جهاز الأمن العام “الشاباك” في تلك الفترة آفي ديختر، في الرأي مع موفاز ويعلون، ويرى أن اندلاع الانتفاضة الثانية لم يكن مخططا، بل جاء نتيجة لاقتحام شارون للمسجد الأقصى يوم الخميس 28 سبتمبر/ أيلول 2000.

ويقول ديختر لـ”معاريف” إن جدلا نشب بين جهاز “الشاباك” وبين شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش “أمان” حول كون الانتفاضة مخططا لها أم جاءت بشكل عفوي، وبقيت هناك عدة طروحات حتى عملية “السور الواقي” التي اجتاح فيها الجيش الإسرائيلي المدن الفلسطينية.

ويضيف: “بعد اعتقال 8000 فلسطيني خلال الاجتياح، ساهمت التحقيقات معهم في بناء تصور حول الشبكة التي كانت تعتبر (برلمان الانتفاضة)، وأدت اعترافات هؤلاء إلى التوصل إلى النتيجة الحاسمة بالنسبة للشاباك، أن الانتفاضة لم تكن حدثا مخططا له”.

ويتناول إيال ليفي في هذا التقرير أيضا، الجهود الدولية لوقف الانتفاضة في بداياتها، وتعرض كل من إسرائيل من جهة، وعرفات بشكل خاص من جهة أخرى، لضغوط للإعلان عن وقف أعمال العنف، لكن هذه الجهود من وجهة نظر ديختر فشلت مع انسحاب عرفات من مبادرة للتوصل لاتفاق في باريس في الرابع من اكتوبر/ تشرين الأول 2000 برعاية الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك، وبحضور وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت وياسر عرفات ورئيس حكومة الاحتلال السابق إيهود باراك.

كما يشير ديختر إلى محاولة ثانية عقدت في شرم الشيخ في مصر بعد أسبوعين من لقاء باريس، بحضور الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، والمصري السابق حسني مبارك، والأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان. ويقول ديختر إن فرص الاتفاق كانت معدومة أيضا في هذه القمة.

في نهاية التقرير يقارن ديختر بين الوضع الحالي في غزة وبين الوضع في الضفة قبل عشرين عاما، ويقول: “إن عملية مشابهة للدرع الواقي يجب أن تنفذ في غزة، فلا توجد أية فرصة سياسية لمنع ذلك”.

المبادرة والسيطرة على الأحداث

يرى المحلل العسكري يوآف ليمور في صحيفة “يسرائيل هيوم” أن أهم دروس الانتفاضة الفلسطينية هو قرار إسرائيل أن تتولى المبادرة وتسيطر بنفسها على مجريات الأحداث، وهذا برأيه تحقق  في قرار أريئيل شارون اجتياح المناطق الفلسطينية عام 2002. ويشير ليمور إلى مفارقة في سلوك شارون، فهو أعاد سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية، لكنه انسحب من قطاع غزة، ففقد السيطرة عليه لصالح حركة “حماس” في النهاية.

بالمجمل يرى ليمور أن استراتيجية إسرائيل في الضفة أدت إلى وضع تقدمت فيه إسرائيل كثيرا في الأعوام العشرين الأخيرة، فيما تراجع وضع الفلسطينيين سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا.

واستمرار هذا الوضع وعدم وجود أي أفق بالنسبة لهم، سيجعلهم يبحثون من جديد عن مخرج ما عن طريق العنف. ويستنتج ليمور أنه على إسرائيل أن تنفذ من جديد استراتيجية “المبادرة والسيطرة على الأحداث” وعدم الانجرار إليها، خاصة وأن المجتمع الإسرائيلي أثبت أنه مستعد لتقديم الثمن من أجل ذلك، لكنه بحاجة لقيادة تضع هدفا وتسعى إليه، لا كما يحدث الآن في معركتها الفاشلة مع كورونا. وتنقل ” يسرائيل هيوم ” عن رئيس قسم الأبحاث في الجيش مع اندلاع الانتفاضة اللواء (احتياط) عاموس جلعاد، أنه حذر إيهود باراك وقادة الجيش من أن ياسر عرفات يخطط لموجة عمليات ضد إسرائيل لكن دون أن يظهر كمسؤول عنها، لكن تحذيره لم يلق آذانا صاغية إلا من قبل رئيس الأركان شاؤول موفاز الذي طلب من الجيش التأهب لذلك.

المقاومة هي البديل

وتقدم الصيفحة الإسرائيلية وجهة نظر تقرب بين من يقول إن الانتفاضة كانت حدثا عفويا، وبين من يقول إنه تم التخطيط لها؛ إذ تعتبر أن الانتفاضة كانت ستحدث في وقتها بتخطيط أو دون تخطيط، فالظروف كانت مهيأة، وجاء اقتحام شارون للمسجد الأقصى ليطلق موجة العنف.

وبعد استعراضها تسلسل أبرز الأحداث المفصلية في الانتفاضة، تقدم ” يسرائيل هيوم” أهم نتائجها من وجهة نظر اللواء جلعاد. وتتلخص هذه النتائج بفقدان قطاع كبير من الإسرائيليين الثقة في استعداد الفلسطينيين للسلام، كما يغيب الشأن الفلسطيني عن الاهتمام الداخلي الإسرائيلي مع توقف العمليات وإحباط الكثير منها، ولو نجح عشرة في المئة من هذه العمليات لكان الوضع مختلفا الآن حسبما يقول جلعاد.

ومن الدروس الأخرى، حسب جلعاد، ضرورة عدم تجاهل أي تحذير استخباراتي أمني، وهذا يقتضي حاليا برأيه أن تسعى إسرائيل لإحياء التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، خاصة أن من يسعون لخلافة محمود عباس سيتنافسون على التشدد تجاه إسرائيل لكسب تأييد الشارع الفلسطيني، لا سيما أن حركتي “حماس” والجهاد الإسلامي تقدمان طرحا منافسا، يقول إن نهج السلام أثبت فشله، والمقاومة هي البديل.

والدرس الأخير بالنسبة لجلعاد، هو أن الموقف الأمريكي الحالي لن يستمر إلى الأبد، فالتغيير وارد جدا في الولايات المتحدة، وعقيدة نتنياهو المسماة “السلام مقابل السلام” لن تصمد طويلا، فحتى الإمارات برأيه لا تزال متمسكة بادعائها أن اتفاق السلام اشترط وقف الضم. لذلك يجب العودة للحديث مع الفلسطينيين وللتنسيق الأمني وعدم الاعتماد على القوة العسكرية في التعامل معهم.