في محاولة للهروب من التحكم الإسرائيلي، ولتجنب أي نقص في الوقود وضمان توافره في أوقات الطوارئ، بدأت سلطات قطاع غزة، التي تسيطر عليها حركة حماس، بتدشين خزانات جديدة على الحدود المصرية مع القطاع، في خطوة استباقية لتدارك احتمال حدوث أي أزمة في غاز الطهي.
ويعاني سكان غزة في آخر شهر من كل سنة، من أزمة في غاز الطهي، بسبب تزايد الطلب عليه في فصل الشتاء، وقلة الكميات الواردة إلى القطاع. وتستمر عادةً أزمة الغاز قرابة الشهرين.
بناء خزانات جديدة
ولا يعد هذا الخزان الأول للوقود الذي تعمل سلطات غزة على تدشينه بالقرب من الحدود مع مصر، فقبل سنتين تقريباً عملت على بناء خزانات لمشتقات النفط، وتعمل هذه المرة على إنشاء أول خزان للغاز الطبيعي على الحدود مع مصر، وفق معلومات حصلت عليها "اندبندنت عربية".
ويبدو أن بناء هذه الخزانات أتى بعد توافق مع مصر، التي سمحت، أخيراً، بتزويد القطاع بمشتقات النفط والغاز، في حين كانت تمنع ذلك، إذ دمر الجيش المصري في عام 2013، قرابة 38 خزاناً للوقود تحت الأرض على الحدود مع غزة، كانت معبأة بأكثر من مليوني لتر من الوقود، وتكررت هذه الخطوة حتى عام 2016، حين بدأت تزود القطاع بالوقود والغاز.
ووفقاً للتقديرات، فإن الخزان الجديد قد يوفر احتياطياً من غاز الطهي، يكفي لمدة ثلاثة أيام بحال وقف توريده إلى غزة، وبعدها سيعاني سكان القطاع من أزمة عدم توفر الغاز في محطات التعبئة.
مشروع اقتصادي
ويقول الباحث الاقتصادي مازن العجلة إن "نقصان كمية الغاز في قطاع غزة في نهاية العام، يعد أزمة غير خانقة، لأن الطلب على هذه المادة الحيوية انخفض بفعل انخفاض القوى الشرائية بشكل كبير"، موضحاً أن "الخزانات على الحدود المصرية غير مجدية وبالعادة كميات الاحتياطي الموجود فيها لا تكفي إلا لمدة أسبوع، في حين أن أقصر أزمة تمر على غزة تكون مدتها شهراً على الأقل، بمعنى أنها لن تحل المشكلة وقد لا تخفف منها".
وقال الباحث الاقتصادي الفلسطيني، إن "إنشاء وتدشين خزانات للوقود على الحدود مع مصر، يعد بمثابة مشاريع اقتصادية وتجارية لسلطات حماس في غزة، وليس حلاً لإشكالية عدم توفر الوقود، بخاصة وأن القطاع بات يستورد أكثر من 80 في المئة من حاجته للوقود عن طريق مصر".
ويحتاج قطاع غزة إلى 500 طن من غاز الطهي يومياً، وقرابة 350 ألف لتر من المازوت يومياً، وهو الوقود الخاص بشركة توليد الكهرباء، ونحو 35 مليون لتر من مشتقات الوقود الأخرى شهرياً، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للبترول (مؤسسة حكومية).
وحاولت "اندبندنت عربية" معرفة تكلفة تعرفة شراء الوقود من مصر لكن لم نحصل على معلومات دقيقة، في حين عبر مازن العجلة عن اعتقاده بأن "ربح حماس من مشتقات البترول يقترب من الدولار الواحد في كل لتر، ودولارين في كل كيلو من غاز الطهي". وأضاف إن "فكرة استفادة حماس مالياً من الوقود ليست جديدة، إذ اتهمت إسرائيل الحركة في عام 2017 بأنها جنت أرباحاً بقيمة 3 ملايين دولار أميركي، بعد بيعها 2.6 مليون لتر من وقود السولار الذي دخل القطاع لصالح شركة الكهرباء".
تقليل الاستيراد من إسرائيل لا يحرر القطاع من التبعية
وفي الواقع تستورد غزة 20 في المئة من احتياجاتها من الوقود من إسرائيل، بينما تؤمن 80 في المئة المتبقية من مصر. وعلق العجلة "لا توجد مشاكل في تدفق الوقود، إلا لأسباب سياسية إذا كانت من الجانب الإسرائيلي، ويتم ذلك بإغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد الذي يربط غزة بإسرائيل، أو لأسباب لوجستية وفنية إذا كان من الجانب المصري".
وبحسب معلومات "اندبندنت عربية"، فإن سلطات "حماس" قلصت استيراد الوقود من إسرائيل بعد تحسن علاقتها بمصر في عام 2016، بينما أكد العجلة أن "الشركات التي تستورد مشتقات الوقود والغاز من مصر، تابعة للحركة بشكل مباشر، وعملية شراء الوقود تدر ربحاً كبيراً على حماس".
وحول إمكانية الهروب من الضغط الإسرائيلي على القطاع بوقف توريد الوقود، أشار الباحث الاقتصادي إلى أن "تدشين خزانات على الحدود مع مصر حتى لو كانت كبيرة، لا يحرر القطاع من القيود الإسرائيلية بخاصة في ما يتعلق بملف الوقود الخاص لشركة الكهرباء، حتى وإن حاولت حماس المراوغة عبر الاستيراد من مصر".
وبحسب العجلة، فإن "غزة هي المتضررة من وقف استيراد الوقود الإسرائيلي"، ويشرح ذلك قائلاً إن "السولار الوارد من الجانب الإسرائيلي أكثر ضماناً وجودة، وعادةً يفضله سكان غزة عن الوقود الوارد من مصر الذي يسبب مشاكل في السيارات والأجهزة التي تعمل بواسطته".
وأفاد العجلة بأن "سلطات حماس تجبر أصحاب شركات بيع الوقود على شراء 50 في المئة من احتياجاتهم من الوقود المصري، مقابل تأمين باقي الاحتياجات من الوقود الإسرائيلي، وذلك لضمان استمرار عمل الشركة التابعة لها والتي تستورد الوقود المصري".
على أي حال، تواجه "حماس" عقبات عند شرائها الوقود المصري، إذ في نهاية عام 2017، أمرت السلطة الفلسطينية البنك المركزي التابع لها، بعدم السماح للحركة بتحويل المدفوعات إلى مصر مقابل شراء السولار لقطاع غزة. وكان ذلك ضمن العقوبات التي فرضتها السلطة على القطاع آنذاك.