حركتا “فتح وحماس” اختلفتا في تقييم لقاء إسطنبول بينهما،فلغة التفاؤل من تصريحات جبريل الرجوب ،الذي ترأس وفد فتح ،قابلها تشاؤل من تصريحات صالح العاروري وموسى أبو مرزوق، وكأن اللقاء كان مجرد اكتشاف نوايا الآخر ،والتعرف على مدى استعداده لتقديم تنازلات، وما يمكن فهمه أن المخفي بينهما أعظم مما يحاولان تسطيحه في سويعات قليلة بلقاء القنصلية الفلسطينية في إسطنبول.
قادة فتح وعقب انتهاء اللقاء أكدوا أن تفاهمات تمت حول إجراء انتخابات جديدة، وأن هناك توافق على البرنامج السياسي للطرفين، مقدمين صورة قريبة لمصالحة وطنية شاملة ،تحت سقف السلطة الفلسطينية، فيما قادة حماس أكدوا أن ملف الانتخابات ذكر على الهامش، ولم يناقش بالتفصيل، وأن اللقاء تناول وجهات نظر بين الطرفين ،مؤشرين على أنه بداية تحتاج إلى خطوات أخرى، وما لم يتطرق اليه الطرفان عن عمق خلافاتهما هو ما خفي أعظم في علاقة الحركتين مع بعضهما البعض، نؤشر عليه بالآتي:-
حركة فتح تتبنى مشروع السلام وهي تحكم في الضفة الغربية وتشارك في حصار غزة،وحماس تتبنى المقاومة المسلحة، وعينها على الضفة الغربية وتراهن على فشل مشروع السلام كله.
حركة فتح وباقي الفصائل تنسق أمنيا مع إسرائيل، وهناك آلاف المعتقلين من الطرفين بينهما، ولم يقل أي منهما عن هذا الملف شيء،وترى فتح أن التلويح بالمصالحة الوطنية ربما يجبر إسرائيل على تعديل سياساتها، وحماس ترى أن التنسيق الأمني ضدها وأن ما يجري من صفعات لعملية السلام وللسلطة هو السبب وراء اندفاع قادة فتح نحوها ،وأن هذا خيار تكتيكي مرحلي قصير ،ينتهي سريعا حالما تستدير إسرائيل نحو قبول بعض مطالب السلطة، وبما يحفظ ماء الوجه، وقد فعلت ذلك وقررت تأجيل مشروع خطة الضم للاغوار والمستوطنات وأجزاء من الضفة الغربية.
حركة فتح معنية بأن تعود غزة لسيطرتها، ومعنية بفرض سلطتها عليها ومعنية بحصر السلاح في يدها، ومعنية باستكمال مشروع السلام، فيما حماس متمسكة بسلاحها، وسلطتها، ومعنية بابقاء خيار المقاومة المسلحة، باعتباره الخيار الصائب في مواجهة المشروع الصهيوني، وما لا نرغب بذكره هنا أن الخلافات بينهما (فتح وحماس)عميقة ويصعب ردمها أو حتى وضعها جانبا،ولعل تراجع خطاب الكراهية بينهما، مرتبط بأسباب لها علاقة بصفقة القرن، ولهذا نقول إن ما خفي كان وما زال بين الحركتين أعظم مما يمكن تجاوزه في لقاء إسطنبول،وللاسف فإن هذه هي الحقيقة المرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ 2007م عندما سيطرت حماس على غزة وحتى اليوم.
من يتصور أنه يمكن ردم الهوة بين الفرقاء في الساحة الفلسطينية، فهو وأهم، كون ما خفي في علاقتهما مع الشعب الفلسطيني، وفي علاقاتهما الإقليمية والدولية سواء مع إيران وتركيا وقطر ودول أخرى في الخليج وكذلك مع اسرائيل وامريكيا و…الخ، يمثل الشرخ الاوسخ بينهما، وبكل الأحوال فإن اللقاء بينهما أفضل من عدمه، وأن الهدوء ووقف القصف الإعلامي بينهما أفضل من استمراره،وأن العودة إلى اعتبار إسرائيل هي العدو المشترك لهما يمثل بداية ردم الهوة بينهما، وبداية إظهار المخفي في علاقتهما، وبداية المصالحة والاتفاق على ترتيب الأولويات،وغير ذلك تبقى التصريحات واللقاءات، والتفاهمات هي مجرد خطوات بلا معنى،ويبقى المخفي في اختلافاتهما وخلافاتهما اعظم مما هو معلن،ولهذا فلا يمكن الحديث عن شراكة وطنية بينهما، أو مشروع موحد لهما في مواجهة المحتل الإسرائيلي.
كاتب أردني