2020-09-26
مصطلح مناعة القطيع، ببساطة يعني السماح باكتساب المناعة في القطيع (المصطلح أساسا جاء إشارة لعدوى الماعز أو الأغنام)، وذلك من خلال السماح بتفشي الوباء بشكل حر في التجمع أو المجتمع، وفي موضوع «كورونا» في بني البشر، من خلال اتخاذ خطوات وقائية أو علاجية، وبالتالي من يدخل الفيروس إلى جسده، أما أن يعمل جهاز المناعة لديه على مقاومة الفيروس وينجح في القضاء عليه أو الحد من تكاثره من خلال تكوين الأجسام المضادة الخاصة جدا بالفيروس والتي تعمل على محاصرته، وبالتالي اكتساب المناعة المستقبلية ضد الفيروس، وهذا ما يحدث مع معظم الناس الذين أصيبوا بـ»كورونا» وبالأخص مع الأشخاص صغار السن والأصحاء، حيث إن جهاز المناعة لديهم قوي وفعال.
أما في الحالة الأخرى، أو الاحتمال الآخر فهو أن يفشل جهاز المناعة في محاصرة الفيروس، أما بسبب أنه ضعيف أي تم استهلاكه خلال السنين الطويلة في حالة كبار السن، أو ان هذا الجهاز غير فعال في حال الأشخاص الذين يعانون من الأمراض المزمنة وذلك بسبب استخدامه في مقاومة هذه الأمراض لفترة طويلة من المرض، وفي هذه الحالة ستتحول الإصابة بفيروس كورونا إلى حالة خطيرة تدخل غرف العناية المكثفة ومن ثم يتم ربطها بأجهزة التنفس الاصطناعي، لأن الهدف الأساسي لفيروس كورونا هو الجهاز التنفسي أو الرئة، وفي المحصلة وحسب الإحصائيات فإن حوالي 70% وربما أكثر ممن يتم ربطهم بأجهزة التنفس الاصطناعي يفارقون الحياة، وهذا بالضبط واقع مناعة القطيع، أي أن القطيع يكتسب مناعة مع الزمن، من خلال عدم فعل شيء وقائي على شكل إجراءات وقائية أو علاجية أو لقاح وهذا يتم في غالبية الناس، وبالتالي فإن من لا يستطيع مقاومة الفيروس سيفقد حياته، وهؤلاء هم كبار السن وأصحاب المرض المزمن.
وعلى ما يبدو، ودون برمجة أو تخطيط، فإن هذا هو الواقع في بلادنا، وربما في بلدان أخرى، حيث من يشاهد شوارع مدن فلسطين يلحظ عدم التزام غالبية الناس بإجراءات وقائية بسيطة، أي الكمامة والتباعد على الأقل مسافة متر أو ما بات يعرف بالتباعد الاجتماعي، ومن يذهب الى قرانا هذه الأيام، يرى أو يعيش المناسبات وتقريبا بشكل شبه اعتيادي، من أعراس وبيوت عزاء وتجمعات بأنواعها وهذه هي بؤر تفشي «كورونا»، وربما من يكون في هذه المناسبات هم في الغالب من صغار السن، ولكن وبما أن أعراض «كورونا» لا تظهر إلا بعد فترة قد تمتد إلى 14 يوما، فنقل العدوى إلى كبار السن والمرضى أمر وارد جدا، وهذا ما حدث ويحدث، وفي ظل عدم وجود لقاح أو علاج حتى الآن على الأقل، يقاوم صغار السن الفيروس ويتعافون، ويفارق الحياة من لا يستطيع المقاومة، وهذه هي مناعة القطيع في بلادنا.
من الواضح أن عدد حالات الإصابات والوفيات نتيجة فيروس كورونا في تصاعد في معظم دول العالم ومن ضمنها بلادنا، حيث ما زالت أعداد الإصابة اليومية التي يتم الإعلان عنها من قبل وزارة الصحة الفلسطينية تتجاوز 500 حالة يوميا وفي محافظات ومناطق مختلفة، وبانتشار افقي وعمودي. وفي دول الجوار حولنا وعلى سبيل المثال في إسرائيل، ما زالت الإصابات والوفيات في تصاعد، ووصلت إلى اكثر من 5000 إصابة يوميا خلال الأسابيع القليلة الماضية، بل إن إسرائيل أصبحت تحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث عدد الإصابات مقارنة بعدد السكان، وجميع هذه المؤشرات تؤكد المنحى التصاعدي للفيروس، والتوقعات بأن يستمر هذا المنوال خلال الأسابيع أو ربما الأشهر القادمة، وبالتالي التوجه أكثر وبشكل عفوي نحو مناعة القطيع.
والتصاعد المطرد في إصابات «كورونا» يدل على أن الغموض ما زال يكتنف هذا الفيروس، وأنه ورغم الدراسات والأبحاث والأموال التي تم ويتم إنفاقها من أجل التعرف أكثر على هذا الفيروس، إلا أن العلماء والمختصين لم ينجحوا بعد في معرفة آلية انتشار هذا الفيروس، وطبيعة عمله أو تأثيره على الأجسام المختلفة لبني البشر، ومستوى أو تركيز الأجسام المضادة التي يفرزها جسم الشخص المصاب وبالتالي قوة وفترة المناعة، ومستوى أو مدة بقائه في الجو أو على الأجسام المختلفة، وكيفية إحداثه الطفرات أو التغيرات التي يقوم بها من أجل التحصن والمقاومة، وهذا جميعه ودون إجراءات وقائية فعالة يعني المزيد من الإصابات ومن ثم الوفيات.
والغريب أن هناك تجمعات ومنها في دوائر حكومية في بلادنا، تقدم الخدمات للناس، وقد رأيت وعايشت ذلك شخصيا، لا تتم فيها مراعاة الإجراءات الوقائية البسيطة، أي الكمامة ومسافة التباعد، وبالتالي فإن من يتحمل مسؤولية عدوى المراجعين هي الجهات الرسمية، وحسب الأنظمة فإن مسؤول الدائرة التنفيذي الأول أي الوزير هو الذي يتحمل المسؤولية، ومن يتحمل مسؤولية عدم التزام الناس بإجراءات الوقاية وبغض النظر عن سبب عدم الالتزام، هي الجهات التنفيذية وبالأخص الشرطة أو وزارة الداخلية، حيث لا نلحظ تدخلا شرطيا أو غيره من أجل تطبيق إجراءات الوقاية، وكأن هناك قرارا بالسماح بتفشي الفيروس وبالتالي الوصول إلى مناعة القطيع.
وبعيدا عن الأخلاق أو عن الجانب الإنساني أو الديني أو الاجتماعي الذي يمكن التشبث به، فإن الواقع في بلادنا، وفي ظل عدم الالتزام أو محاولة تطبيق الالتزام بوسائل الوقاية من فيروس كورونا، وفي ظل عدم وجود لقاح أو دواء، وفي ظل إمكانياتنا المحدودة جدا وأوضاعنا الخاصة جدا، وفي ظل النقص في إعداد الفحوصات وغرف العناية المكثفة وأجهزة التنفس الاصطناعي، فإن الواقع الذي نحن نعيشه هذه الأيام من تفشي مجتمعي محدود، أو الذي نحن سائرون فيه، هو واقع الوصول إلى التفشي المجتمعي الواسع، أي بدلا من مئات الحالات اليومية، سنصل إلى آلاف من الإصابات وما ينتج عن ذلك من عشرات الوفيات وبالتحديد عند كبار السن والمرضى، وبالتالي أجلا أو عاجلا، شئنا أو أبينا، تبجحنا بالجانب الأخلاقي أم لا، سوف نصل الى مناعة القطيع.