حول "اجتماع الأمناء العامين".. كان يمكن تفاديه..غسان زقطان

الجمعة 11 سبتمبر 2020 01:37 م / بتوقيت القدس +2GMT
حول "اجتماع الأمناء العامين".. كان يمكن تفاديه..غسان زقطان




كان يمكن تفاديه"، هذه جملة مقتبسة بتصرف من الشاعر اللبناني عباس بيضون، ليست من أعماله المكتوبة ولكنها جاءت على لسانه كتعليق مقتضب على نص رديء، في تعليق بيضون كثافة الحكم على "الحدث"، حكم يبدأ من قبل إنشاء النص، حيث لا ضرورة أصلاً لإنشائه وتكبّد مشقة الكتابة. ما استدعى الاقتباس هو أنه ينطبق على نحو دقيق وبالمقياس نفسه تقريباً، على "اجتماع الأمناء العامين الفلسطينيين" الذي عُقد الأسبوع الماضي عبر الشاشات بين رام الله وبيروت.

وهو اجتماع كما كان متوقعاً، وكما تبيّن لاحقاً، كان يمكن تفاديه حقاً.

لم يجر تغيير حقيقي يمكن إدراجه هنا على "الأمناء العامين" منذ آخر صور التقطت لهم قبل عقود. ولكنها، الصور الجديدة، وفّرت فرصة لملاحظة تقدم العمر ومعرفة ما الذي فعله الزمان بهم. تلك هي المعرفة الوحيدة التي يمكن الحصول عليها من لقاء كهذا.
على سبيل المثال وفود دمشق، الأشخاص الذين وصلوا من العاصمة السورية، من غيابهم وحروبهم هناك، من المقتلة السورية التي اندفعوا نحوها من دون تردد، بحكم العادة وقلة الاستخدام معاً.

لقد تم نسيانهم الآن، ولو استثنينا ظهور بعضهم على قناة الميادين، فسيكون من الصعب العثور على إشارات تشي بوجودهم، هم هناك بطريقة أو بأخرى يجلسون على حواف الأشياء وأطرافها بعدما تحوّروا، بفعل الزمن وتراكم الأحداث، الى ملحق إيراني. لقد ورثتهم إيران بعدما لم يعد النظام السوري قادراً على إعالتهم، وأوكل أمرهم الى لواء القدس و"حزب الله".

منذ زمن طويل أُسدلت الستائر على حضورهم، يصعدون أحياناً من النسيان ويتنفسون في شاشة القناة قبل أن يعيدهم غسان بن جدو الى زمنهم. 
مبكراً زجّت هذه الفصائل نفسها والمغلوب على أمرهم من شعبها، في المقتلة تحت شعار "تحرير فلسطين". فصائل وقطعات جيش التحرير في سوريا اصطفت ضمن حلفاء النظام من ميليشيات متعددة الجنسيات واللغات والأعراق؛ عراقية وإيرانية وأفغانية، إضافة الى "حزب الله" اللبناني الذي زجّ بدوره لبنان في حرب بدت له مقدسة.

 شكلت تلك المجموعات "الطائفة الفلسطينية" المتنقلة في جبهة الطوائف والمذاهب المتحاربة.
 بقيت الحرب وتبددت أسبابها، وبقي المتحاربون يلوكون ضجرهم السماوي في البراري المحروقة والبلدات المدمرة، بعدما هاجر الذين يحاربون من أجلهم. 

اجتماع الأمناء العامين أيقظهم ومنحهم مقاعد ومنبراً وطاولة اجتماعات عليها زجاجات ماء معدنية، بمن فيهم المتحدث باسم فصيل انقرض منذ سنوات طويلة، هو نفسه الذي طالب الجاليات الفلسطينية في الخليج بالتحرك لمواجهة "التطبيع".

الاجتماع أيقظ هذا الشبح من أحفورته، وبعثه الى المؤتمر بصفته "أميناً عاماً".

على نحو ما بدا أنها، الطائفة، تكبّدت مشقة الحضور لتثبت أنها على قيد الحياة ولتقدم نصائحها، وتهاجم اتفاق أوسلو في سياق "ألم نقل لكم". 

آن الأوان لتبرئة هذا الاتفاق الذي تحمّل وحُمّل الكثير، لا بدّ من فصله عن انقلاب "جماعة الإخوان" الدموي في غزة وما تبعه من انقسام وتحكم في رقاب العباد وأنفاسهم، وفصله عن حرب الفصائل في سوريا التي انفصلت منذ عقود عن شعبها وعن الزمن أيضاً، وعن رثاثة خطاب السلطة وأوهام العمق العربي الذي اتضح أنه كابوس وليس حلماً كما حاولت أن تسوقه على مدار عقود. "أوسلو" اتفاق "شرير"، ولكنه بريء من رداءة الأداء السياسي والتبعية وانتشار برامج الانقسام، سواء في سوريا أو لبنان أو غزة، بريء من الفساد أيضاً. الانقسام صراع ساذج ودموي على السلطة تسبّب في الأذى للناس والقضية الوطنية وما زال.

أمام الكاميرات، وعلى مقعدين متجاورين، جلس إسماعيل هنية وزياد النخالة، وهو أمر لم يكن لمصلحة هنية على الإطلاق. الإسلام السياسي الفلسطيني ممثلاً  بـ"حماس" و"الجهاد"، هنية المقلّد الضاحك لنصر الله، والنخالة الابن الشرعي للمشروع الإيراني في فلسطين، الذي لا يفتقر للكاريزما والثقة.

قدم النخالة مبادرة لاستعادة "الوحدة الفلسطينية"، مبادرة أعدّها سلفه الراحل "عبد الله شلح" عام 2014، مضيفاً اليها مقدمة حول المسؤولية وتوقعات الناس، لعلها الشيء الوحيد الذي يمكن مناقشته في الاجتماع.

 من جهته، وبعد خطابه المثير للحزن في الاجتماع، انطلق هنية في حملة انتخابية فجة في لبنان، ألقى خطباً فولكلورية في التجمعات الفلسطينية، والتقى مع ساسة لبنانيين، من بينهم حسن نصر الله، ودخل مخيم "عين الحلوة" حيث شوهد محمولاً بمشقة على أكتاف مجموعة من المسلحين، محاطاً بأعلام فصيله.

حاول تقليد نصر الله من جديد، وهدّد تل أبيب من عين الحلوة بفجاجة غريبة، بينما يحفر المتطوعون اللبنانيون وفرق الإنقاذ بأيديهم أنقاض البيوت في الجميزة بحثاً عن كائن يتنفس، لم يلتفت للألم الذي يتحرك فوق بيروت كغيمة، ولا لهموم اللبنانيين أو سيادة البلد الذي يستضيفه أو حساسية السلاح الذي يهدد به من مخيم جائع وفي جمهور يائس.

 لم يتحدث مع حليفه نصر الله عن معاناة المخيمات ورزمة قوانين العمل ومواجهة الوباء، ألقى بجسده الثقيل على أكتاف المتعبين اليائسين، وكان يضحك. 
الإسلام السياسي في فلسطين يعيش أزمة أنه لا يشبه "حزب الله"، يحاول بجهد تقليد الحزب الذي تحوّل الى نموذج مربك، برغم أنه، الإسلام السياسي في فلسطين، يفتقر الى منجز عسكري واضح من جهة، وحاضنة تضمنها تركيبة طائفية، وتاريخ من الثقافة الطائفية والإحساس بالمظلومية من جهة أخرى، لكنه حصل على إمبراطورية دينية طموحة تشكل مرجعية مذهبية وسياسية ممثلة بتركيا، وخليفة ممثلاً بأردوغان، كجائزة ترضية في المقارنة مع الاندفاع الإيراني الأصولي للمنطقة، لذلك يبدو تقليد هنية لنصر الله محزناً الى أبعد الحدود، الرجل المتدين البسيط الذي وجد نفسه رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس بسبب توافر عاملين: قوة المتنافسين وبساطته،  لا يقارن في رؤيته وثقافته مع مرجعيات طالب الحوزة النجيب الذي ينفذ حلماً إمبراطورياً.