الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما فتئ يقحم إسرائيل قولا وفعلا في حملة إعادة انتخابه، تماما كما فعل في حملته الانتخابية السابقة عام 2016، ولكن هذه المرة بسيرة ذاتية غزيرة في سجلها الداعم لإسرائيل. ففي جولات انتخابية قام بها ترامب يوم الاثنين، 17 آب 2020 ، وصف قراره بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل باعتباره انتصار للمسيحيين الإنجيليين التبشيريين الأميركيين.
كما وصف حلفاؤه الاتفاق الذي ساعد البيت الأبيض في التوسط فيه بين إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة بأنه حدث تاريخي لصنع السلام، ففي تغريدة نشرها يوم الثلاثاء، أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو أن الاتفاق "يمثل حقاً أهم خطوة إلى الأمام من أجل السلام في الشرق الأوسط منذ عقدين ونصف عقد من الزمن" في إشارة لاتفاق "وادي عربة" بين الأردن وإسرائيل ، علما بأن معارضو ترامب في الداخل ومنتقدوه في الخارج يبدون أكثر تشككاً بشأن مزايا هذا الإنجاز الدبلوماسي. ولعل ما قاله وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان يوم الأربعاء، 19 آب في إطار مؤتمره الصحفي مع نظيره الألماني ، بأن "إجراءات إسرائيل الأحادية تعرقل فرص السلام"، مشددا على التزام المملكة بالسلام على أساس خطة السلام العربية التي ربطت (بقيادة السعودية) في عام 2002 تطبيع العلاقات بين أعضاء جامعة الدول العربية وإسرائيل بانسحاب الأخيرة من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس، رغم أن ذلك يبدو مستحيلا في الوقت الراهن، حيث أصبحت المستوطنات الإسرائيلية منتشرة الآن في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة.
تخشى الأنظمة الملكية العربية التحدي الجيوسياسي الذي تمثله إيران أكثر من قلقها بشأن معاناة الفلسطينيين الذين عاشوا تحت عقود من الاحتلال، وفق ترويج الإعلام الإسرائيلي . فقد كتب الصحافي في صحيفة هآرتس، أنشل بفيفر"بينما أكدت جامعة الدول العربية مرتين على دعمها للمبادرة، قام العديد من أعضائها من خلف الستار بتطبيع العلاقات بهدوء مع إسرائيل، بغض النظر عن القضية الفلسطينية التي لم تسفر عن أية نتيجة خلال الأعوام الـ18 الماضية". وأوضح أن "ما فعله زعيم دولة الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد، من خلال جعل العلاقة مع إسرائيل مفتوحة وعلنية، هو إعلان فصل الصراع الإسرائيلي-العربي عن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني".
وجرى التأكيد على هذه الحقيقة في مقال رأي نشره يوم السبت الماضي (15/8/2020) في صحيفة واشنطن بوست جاريد كوشنر، مستشار ترامب وصهره، الذي لم يذكر الفلسطينيين مرة واحدة في مقال يُفترض أنه حول السلام الإقليمي.
إلا أن مراجعة المشهد السياسي الحالي في الولايات المتحدة تظهر تغيرا حيثيا في موقف أغلبية من الأميركيين المؤيدين للحزب الديمقراطي تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتعاطفا ملحوظا مع حق الفلسطينيين في نيل حقوقهم الإنسانية والمدنية ، خاصة بين الشرائح التقدمية في الحزب الذين فاز عدد منهم في الانتخابات التمهيدية مثل جمال بومان (نيويورك) رشيدة طليب (ميشيغان) ، إلهان عمر (مينيسوتا) و كوري بوش (ميزوري) ضد المنافسين من الحزب الذين دعمتهم اللوبيات الإسرائيلية التي أنفقت عشرات الملاين من الدولارات لإفشال هؤلاء المرشحين بسبب دعمهم الصريح للحقوق الفلسطينية وحق الفلسطينيين في مقاطعة إسرائيل .
حتى الديمقراطيون ، بقيادة المرشح الرئاسي جو بايدن، يبدون عازمين على تغيير المسار إذا وصلوا إلى السلطة. فهناك مناقشات مفتوحة داخل التجمع الديمقراطي حول ربط المساعدات المقدمة لإسرائيل بمليارات الدولارات بأفعالها، وقام بايدن وكل الديمقراطيون في الكونغرس بالقول صراحة أنهم يعارضون خطط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المعلقة الآن، لبدء ضم أجزاء من الضفة الغربية، كما أن البرنامج الجديد للحزب الديمقراطي الذي رشح بايدن الثلاثاء (18/8/2020) يرفض الضم ويعبر عن دعمه لحل الدولتين وحقوق الفلسطينيين.
يذكر أن الضغوطات من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل (اللوبيات الإسرائيلية)، أزال أي إشارة إلى إسرائيل كقوة محتلة. وصرح يوسف منير، وهو باحث وناشط فلسطيني أميركي لتقرير لمجلة "التيارات اليهودية" الشهر الماضي أن، وفق ما ذكره مقالا في صحيفة واشنطن بوست الثلاثاء، 19/8/2020 : "هذا هو عام 2020، أي بعد 53 عاماً من احتلال الجيش الإسرائيلي للضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، وحقيقة أنهم لا يستطيعون حتى استخدام كلمة ’احتلال‘ وأنهم يرفضون بقوة فعل ذلك تجعلك تعتقد أنك تتحدث إلى منظمة الأرض مسطحة وليست كروية، وليس إلى الحزب الديمقراطي".
في الوقت ذاته، يؤكد محللون آخرون أن برنامج الحزب لا يزال هو البيان الديمقراطي الأكثر تقدمية بشأن الصراع - وهو انعكاس للمخاطر السياسية والأخلاقية للمسار اليميني الذي اتخذه ترامب ونتنياهو. وصرح في هذا السياق، جيريمي بن عامي، وهو مؤسس ورئيس جماعة "جيه ستريت" الليبرالية الموالية لإسرائيل، في إفادة إلى الصحافيين أُجريت على هامش المؤتمر الديمقراطي الافتراضي هذا الأسبوع بحسب واشنطن بوست: "هناك نهج أكثر توازناً بكثير تجاه القضايا المتعلقة بإسرائيل في الحزب الديمقراطي مما كان عليه من قبل؛ فهناك استعداد للتحدث مباشرة عن الحقوق الفلسطينية والدفاع عنها".
ويشير مقال واشنطن بوست إلى أنه قبل عقد من الزمن، كانت جماعة "جيه ستريت" تقف إلى حد كبير على هامش السياسة اليهودية الأميركية، ولكنها تقف الآن بقوة في الوسط وتتبنى مواقف بشأن إسرائيل مثل دعم حل الدولتين الذي تؤيده الغالبية العظمى من اليهود الأميركيين، في حين انجرف الحزب الجمهوري إلى أقصى اليمين.
وتنسب صحيفة واشنطن بوست إلى جويل روبين، وهو مسؤول سابق في إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أشرف على التواصل اليهودي مع منافس بايدن السناتور بيرني ساندرز، إن "المساحة السياسية أكبر بشكل ملحوظ الآن" داخل الولايات المتحدة من أجل "ضغط أميركي أكثر نشاطاً" على إسرائيل مما كان عليه قبل وصول ترامب إلى السلطة. ولكن النافذة ربما تكون على وشك الانغلاق.
يذكر أن النائب آندي ليفين (ديمقراطي من ولاية ميتشيغان) في ندوة جماعة جيه ستريت على هامش مؤتمر الحزب الديمقراطي إن "هناك شعوراً حقيقياً في التجمع الحزبي الديمقراطي بأنه لم يتبق الكثير من الوقت"، مشيراً إلى التوسع المطرد في المستوطنات والتشكيك الأوسع في إمكانية قيام دولة فلسطينية فاعلة. وأضاف ليفين أنه إذا تم انتخاب بايدن، فسيتعين عليه الشروع على الفور في ثلاث سنوات من الدبلوماسية المنسقة لاستئناف عملية السلام المحتضرة وإقناع الجانبين بالتوصل إلى اتفاق ذي معنى.